د. عادل محمد عبدالقادر علي يكتب: الغَيْرةُ بين الإخوة كما تصورها سورة يوسف
الغَيْرةُ بين الإخوة كما تصورها سورة يوسف د عادل محمد عبدالقادر علي
التفضيل والاهتمام بأحد أو بعض الأبناء عن طريق الحب أو المساعدة والعطاء أو منح السلطة أو التمتع بمزايا دون اكتراث بمشاعر الأبناء الآخرين. يدفع إلى الغيرة والخوف من المستقبل والأنانية بالإضافة إلى فقدان الثقة بالآخرين. كما أن الغيرة تدفع أصحابها للضرر والإيذاء فإنه لما غاروا من أخيهم سعوا في إيذاءه . عندما يجد الآباء أنفسهم متحيزين إلى أحد الأطفال يجب أن يتأكدوا من عدالتهم في التعامل وتقسيم الوقت بينهم جميعا. فمن حقوق الأولاد العدل بينهم في العطاء والمنع، وعدم تفضيل بعضهم على بعض، حتى لا يؤدي إلى غرس الشحناء بين الإخوة .
وهذا ما حدث في قصة إخوة يوسف عليه السلام: تحدثنا الآيات عن تحذير يعقوب عليه السلام لابنه من رواية تلك الرؤيا لإخوته. سلك القرآن الكريم في علاج الغيرة المؤدية إلى الحسد بين الأبناء مسلكا فريدا تمثل فيما يلي: -التحذير من إفشاء ما ينبغي كتمانه من الأسرار: لما أخبر يوسف أباه يعقوب عليهما السلام بما رآه في المنام أرشده على عدم البوح به ، وقد عرض القرآن الكريم لنا هذا المشهد التربوي المتضمن نصيحة من الأب لابنه في قوله تعالى: قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)يوسف، قال الجرجاني : قوله تعالى: “{لَا تَقْصُصْ} لأنه علم غيرتهم ومنافستهم في طريق المشاهدة أو من طريق القياس على أمر أخيه عيصو ، وذكر الشيطان لأنه كان يعلم أنهم يفهمون التأويل؛ لأن البيت كان بيت النبوة والعلم فيتخوف على يوسف البوائق وعلى إخوته البغي من وسوسة الشيطان”.( دَرْجُ الدُّرر في تَفِسيِر الآيِ والسُّوَر ، 3|991.) ويشير الميداني إلى أن الكتمان وحفظ السر من فروع خلق الصبر، وهو ضبط النفس ضد دوافع التعبير عما يختلج فيها، وله صلة بقوة الإرادة المستندة إلى صحة العقل وسلامة الرأي. ويكون الكتمان فضيلة نافعة إذا كان في ٍ أمر ينبغي كتمانه وعدم إفشائه؛ لأن المصلحة المعقولة والمشروعة تقتضي كتمانه(الأخلاق الإسلامية وأسسها، مرجع سابق، ص.٣٥٨ ) .
فمن الكتمان المحمود: ما جاء في وصية يعقوب لابنه يوسف عليهما السلام- حينما أوصاه بأن لا ّ يقص على إخوته رؤيته حتى لا يحسدوه ويدبروا له مكيدة لإهلاكه. والتدبير يكون ً ابتداء من الشيطان -عدو للإنسان- الذي لا تفوته فرصة له فيضيعها، فالكيد من وسوسة الشيطان في النـزغ بين الناس عندما عرض له داعية من هوى النفس وشرها الغريزي في الإنسان ( ). ويستشف من خلال نُصح يعقوب لابنه يوسف -عليهما السلام بعد إخبار الأخير برؤيته- أنه من الضروري أن ّ تتوفر مساحة من العلاقة الحميمة القائمة على الثقة والانفتاح بين الآباء والأبناء، ولولا وجود مثل هذه العلاقة لما بادر يوسف إلى إخبار أبيه يعقوب -عليهما السلام- ما رأى في منامه، ً وبناء عليه، ينبغي أن يتمثل الآباء هذا الأنموذج المتميز في العلاقة مع أبنائهم، مما يساعدهم على ُحسن إسداء النصيحة لهم، ومساعدتهم على مواجهة المشكلات التي تعترضهم في حياتهم.
د عادل محمد عبدالقادر علي- جامعة السلطان عبدالحليم معظم شاه الإسلامية العالمية unishams