إتش إس بى سى: الغزو الروسي لاوكرانيا ستؤدى لاستمرار أسعار الطاقة المرتفعة
بوابة الاقتصاد
النفط قد يبقى أعلى من 100 دولار للبرميل والذهب إلى ألفى دولار للأوقية
أسعار الغاز والبترول ترفع أسعار فواتير الطاقة وتغذى تضخم تكاليف الإنتاج
قال تقرير صادر عن بنك إتش إس بى سى إن الغزو الروسى لأوكرانيا قد يتسبب فى موجة تضخم عالمية تستدعى رد فعلى نقدى قوى فى الأسواق المتقدمة.، ووفقًا للتقرير ستؤدى الحرب إلى استمرار ارتفاع أسعار الطاقة وتغذية تضخم تكاليف الإنتاج، كما ترتفع أسعار الذهب، وقد تشهد الأسواق الناشئة ضغوطًا على الحسابات الجارية والأسعار.
وحاول التقرير الإجابة عن أبرز الأسئلة المتعلقة بالسياسات النقدية والسلع والتضخم.
ماذا تعنى حرب روسيا على أوكرانيا بالنسبة للذهب؟
قال التقرير إن الذهب حساس للمخاطر الجيوسياسية، لذلك من المرجح أن تدعم الحرب كل من الذهب والبلاتين والبلاديوم، وهى السلع التى تعد روسيا منتجًا رئيسيًا لها، وذلك بدفع من الطلب على الملاذ الآمن لتجنب الاضطراب فى الأسهم العالمية، كما أن توقعات قوة الدولار الأمريكى لن تمنع ارتفاع الذهب فرغم العلاقة العكسية بين الذهب والدولار الأمريكي، لكن هناك فترات يمكن أن يتحرك فيها الذهب والدولار معًا، خاصة أثناء الأزمات.
أضاف أن هناك أيضا ما يدعم الذهب، وهو ارتباطه بالمعادن النفيسة والسلع الأخرى، فمركز روسيا كمُصدر للسلع قوي، لذلك أى انقطاع فى تدفقات السلع قد يؤثر على الأسعار ويتألق المعدن الأصفر فى الفترات التى يرتفع فيها التضخم، كما أن أسعاره تتناسب طرديا مع المعادن الأخرى، مثل البلاديوم الذى تعد روسيا أكبر مُصدر له فى العالم وثانى أكبر مصدر للبلاتين ، وكلاهما يستخدم فى بناء المحولات ذاتية التحفيز للمركبات.
التأثير على سندات الخزانة الأمريكية وأسواق السندات الأخرى
وقال التقرير إن العائد على السندات الأمريكية انخفض بسبب تراجع شهية المخاطرة، فى وضع قادر على عكس اتجاه الفائدة المرتفعة خلال الشهور الستة الاخيرة، وأدت مخاطر جيوسياسية مماثلة إلى تحول التدفقات نحو الأصول الأكثر جودة، على الأقل فى بداية التوترات ولحين تراجع عدم اليقين.
لكنه أشار إلى أن التاريخ قد لا يكون مؤشرًا على ما سيحدث فى المستقبل، إذ أن هناك تداعيات الجائحة العالمية التى حدثت للمرة الأولى فى القرن، و إذا كانت تجربة العامين الماضيين تشير إلى شيء فهو الحاجة إلى التواضع فى مواجهة الكثير من عدم اليقين.
أوضح :”فنحن لم نتوقع ارتفاعًا واسع النطاق فى التضخم، وعلينا قبول احتمال أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت قبل أن تعود المؤشرات الرئيسية إلى المستويات المستهدفة للبنوك المركزية ولا نعرف أى فترة من التاريخ نقارن بها الخلفية الجيوسياسية الحالية، لكننا نعلم أنه فى أوقات عدم اليقين المتزايد، يصبح المستثمرون أكثر عزوفًا عن المخاطرة، وتتراجع أسعار الفائدة الحقيقية إلى أقل ما يمكن أن يكون عليه الحال بخلاف ذلك، ما يعكس ميلًا أكبر للادخار وتأجيل قرارات الاستثمار”.
الأسواق الناشئة
أحرزت العديد من الأسواق الناشئة تقدما فى دورة رفع أسعار الفائدة وأصبحت أسواق الديون المحلية أقل اعتمادًا على رأس المال الأجنبي، مما يجعلها أكثر مرونة، كما أن العائد الحقيقى المرتفع جدا فى عدد قليل من البلدان يرفع جاذبيتها.
وأشار التقرير إلى أن أسواق الديون المحلية فى الأسواق الناشئة كانت مرنة بشكل ملحوظ فى مواجهة تحول سياسات الاحتياطى الفيدرالى نحو التشديد النقدي، واجتازت اختبار عوائد سندات الخزانة الأمريكية أجل 10 سنوات التى عادت لمستويات 2%، وعلى صعيد الخلفية الأوسع، يفضل اقتصاديو البنك الديون المحلية فى الأسواق الناشئة على أسواق الديون الخارجية.
وقال إن تأثير ارتفاع التضخم فى الأسواق الناشئة متباين، رغم أن نصيب السلع من إجمالى الصادرات لا يزال مرتفعًا فى العديد من البلدان ورغم أن الكثير من هذه الاقتصادات، هى مستورد صاف للسلع الأساسية أيضًا ، ما يعنى أنه سيكون هناك رابحون وخاسرون من ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
وذكر أن فائض الميزان التجارى للسلع هو الأكبر فى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ، نظرًا لارتفاع حصة النفط والغاز الطبيعى فى صادراتهما. وأيضا اقتصاد نيجيريا يمكن أن يتأثر بشكل إيجابى من ارتفاع أسعار النفط أوالسلع.
وفى الوقت نفسه، تقع الاقتصادات الآسيوية على الطرف الآخر إذ تمتلك عجزًا كبيرًا فى الميزان التجارى السلعى مثل تايوان وكوريا والهند .
وذكر أن العديد من البنوك المركزية فى الأسواق الناشئة بالفعل رفعت أسعار الفائدة واتجهت لتشديد السياسة النقدية بقوة خلال العام الماضي، لكن القلق أكبر على الدول التى لا تهتم بنوكها المركزية بالتضخم كأولوية.
وذكر أن الدول التى تنفذ برامج دعم يمكن أن تتأثر الموازين المالية بها، لكن الدول المنتجة للسلع الأساسية من المرجح أن يكون تأثير الحرب عليها إيجابيا لأن ارتفاع الأسعارمن شأنه أن يؤدى إلى زيادة الإيرادات.
أسعار النفط
قال البنك إن التوتر المتزايد هذا العام بين روسيا وأوكرانيا أدى إلى التركيز على أهمية امدادات روسيا من النفط، ولكن مصافى التكرير فى أوروبا الوسطى والشرقية عمدت إلى التنويع بعيدًا عن الخام الروسى فى الأشهر الأخيرة، كما أن تدفقات النفط الخام الروسى إلى أوروبا لم تتأثر بضم روسيا لشبه جزيرة القرم فى عام 2014.
وأشار التقرير إلى سوابق انقطاع الإمدادات، ففى سبتمبر 2019 تسببت الهجمات على منشآت النفط السعودية فى انقطاع حوالى 5 ملايين برميل فى اليوم ، أو 5% من الإمدادات العالمية، وأدى ذلك لارتفاع أسعار خام برنت فى البداية بمقدار 9 دولارات أمريكية للبرميل، أو بنسبة 15%، لتصل إلى ما يقرب من 70 دولارًا أمريكيًا للبرميل قيبل أن يتخلى عن أكثر من نصف هذا المكاسب فى غضون أيام قليلة ، وكانت الأسعار أقل من مستويات ما قبل الهجوم فى غضون شهر.
ويقول اتش اس بى سي، إنه لن يقتنع، دون انقطاع كبير غير متوقع، بوجود نقص فى الإمداد فى عام 2022 كما يتوقع العديد من المراقبين.
فرغم اعترافهم أن الطلب يعود بقوة إلى حد ما، ولكن حتى مع القيود على السعات الإنتاجية لدى بعض المنتجين، فقد ارتفع المعروض من أوبك+ بمقدار 3 ملايين برميل فى اليوم منذ يونيو الماضي.
أضاف أنه وفق تقديراتهم من المقرر أن يدفع هذا إلى زيادة فائض المعروض فى سوق النفط العالمى فى الأشهر القليلة المقبلة، وسيخفض ذلك المخاطر التى ترفع أسعار النفط وبالتبعية الأسعار نفسها، لولا التوترات الجيوسياسية الأخيرة.
وذكر أنه حتى تراجع التوتر ولحين توافر دليل واضح على أن الإمدادات العالمية غير مضطربة فمن الممكن أن تتحرك الأسعار نحو الارتفاع لتبقى أعلى 100 دولار للبرميل.
إلى أى مدى ستتأثر إمدادات الغاز؟
توقع البنك أن يتأثر الغاز أكثر من البترول بالاجتياح الروسى لأوكرانيا، فالغاز ليس سلعة قابلة للاستبدال بالكامل، وأوروبا تعتمد بشكل أكبر على تدفقات الغاز الروسى إذ يمثل 35% من إجمالى إمدادات الغاز القادمة من واردات خطوط الأنابيب الروسية.
وقال إن انقطاع الإمدادات هو مصدر قلق رئيسى وتوقع المزيد من الارتفاع فى أسعار الغاز على المدى القريب.
السلع غير المتعلقة بالطاقة
قال التقرير إن التوترات المتصاعدة تأتى فى وقت كانت فيه أسعار السلع الأساسية العالمية مرتفعة بالفعل تاريخيًا فى ظل انخفاض مخزونات العديد من السلع، ورغم أن البترول والغاز هما محور التركيز الرئيسى للأسواق والاقتصادات، لكن من المتوقع أن يكون التأثير المحتمل على مجموعة من السلع الأخرى مهمًا من الناحية الاقتصادية.
وتعد روسيا وأوكرانيا منتجين ومصدرين رئيسيين لمجموعة من السلع الأخرى ، بالإضافة إلى النفط والغاز، فكلاهما من كبار مصدرى الحبوب، بما فى ذلك القمح، وروسيا هى مصدر كبير للأسمدة.
وتستحوذ أوكرانيا على 8% من الصادرات العالمية للحبوب و6% من الصادرات العالمية من الدهون والزيوت الحيوانية والنباتية، فيما تمثل روسيا 13% من الصادرات العالمية من الأسمدة و 8% من الحبوب.
أوضح أن الحرب والعقوبات على روسيا قد تؤدى إلى ظهور اضطرابات فى التصدير ومواعيد التسليم، وهو ما يمثل خطرًا يرفع أسعار الحبوب والأسمدة المرتفعة بالفعل.
وتأثرت بالفعل أسعار القمح والذرة بالتوترات الجيوسياسية، بعد هدوءها فى الأسابيع الأخيرة فى ظل تواتر الأخبار عن مفاوضات محتملة للسلام.
فى الوقت نفسه، كان الأمن الغذائى يمثل مشكلة متنامية بسبب الجائحة وتغير المناح رفع بالفعل العديد من الأسعار الزراعية إلى أعلى مستوياتها فى عدة سنوات.
وتأثر بشكل خاص إنتاج الذرة والقمح بالفعل بالظروف الجوية السيئة، ما دفع الأسعار إلى أعلى مستوياتها فى عدة سنوات فى عام 2021، وأدى لاستنفاد المخزونات.
وذكر البنك أنه بالإضافة إلى الاضطرابات المباشرة، من المحتمل أيضًا أن تكون هناك تأثيرات غير مباشرة على أسواق السلع الأساسية، لأن الارتفاع الحاد فى أسعار الطاقة – المرتفعة بالفعل – سيؤدى إلى زيادة أخرى فى تكلفة إنتاج السلع الأخرى.
أوضح أن أسعار الأسمدة ارتفعت بالفعل بقوة نتيجة الزيادة فى أسعار الغاز ما رفع تكلفة مدخلات إنتاج مجموعة من المنتجات الزراعية ، مما يعنى أن أسعار النفط المرتفعة ستترجم إلى ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية، وبالمثل تتطلب بعض المعادن كميات كبيرة من الطاقة للمعالجة والتكرير مثل الألومنيوم والصلب.
ما المخاطر على النمو العالمى والتضخم؟
ذكر التقرير أن تأثر التجارة العالمية مباشرة بسبب العقوبات على روسيا محدود، ومع ذلك، سيكون التأثير الأكبر من خلال أسعار الطاقة، لا سيما الغاز، على النمو الأوروبى.
وذكر أنه بالنسبة للأسواق الناشئة يعد ارتفاع أسعار الطاقة عبئا على النمو باستثناء منتجى النفط، كما أنه يقلل من الإنفاق الاستهلاكى وقد يرفع عجز الموازنات.
وذكر أن مخاطر التضخم تهيمن على الاقتصاد العالمى خاصة مع بيانات النشاط الاقتصادى الضعيفة فى بداية عام 2022.
وقال إن الجميع تعلم من الماضى أن الارتفاعات الكبيرة فى أسعار الطاقة تضغط على الدخول الحقيقية ويمكن أن تؤدى إلى تباطؤ حاد – أو حتى انكماش مباشر – فى إنفاق المستهلكين، مما يؤدى إلى خفض أسعار الفائدة.
لكن الأحداث السابقة كانت لها اختلافات جوهرية عن الوضع الحالي، حيث بلغ التضخم بالفعل أعلى مستوياته منذ عدة عقود، فى ظل سوق عمل مشدد أو قوى من شأنه أن يدفع الشركات لزيادة الأجور استجابة لطلبات الموظفين، خاصة تلك التى حققت بعض النجاح فى تمرير زيادات الأسعار إلى عملائها.
لذا فى هذه المرحلة، بينما يواجه صانعو السياسة بوضوح المزيد من عدم اليقين فيما يتعلق بتوقعات النمو ، فإن الخطر المباشر من الارتفاع الأخير فى أسعار الطاقة وتوقعات التضخم على المدى القريب هو أن هناك استجابة أكبر للأجور.
وأوضح التقرير أنه إذا حدث ذلك فستحتاج البنوك المركزية إلى التشديد النقدى بقوة أكبر فى عام 2022. ومن الواضح أن الأسواق تسعر بالفعل 150 نقطة أساس ارتفاع فى أسعار الفائدة من قبل الاحتياطى الفيدرالى فى عام 2022 و50 نقطة أساس للتشديد من البنك المركزى الأوروبى على أن يكون أول رفع بنحو 10 نقاط أساس فى يوليو.
ويتوقع “اتش اس بى سى” رفع المركزى الأوروبى الفائدة بوتيرة متسارعة وبواقع 25 نقطة أساس فى أكتوبر 2022 ومثلها فى مارس 2023.
ونوه إلى أنه باستبعاد الطاقة يكون التضخم أقل بكثير فى منطقة اليورو منه فى الولايات المتحدة ورغم التقارير التى تتحدث عن نقص العمالة على نطاق واسع ، يعتقد الاقتصاديون الأوروبيون لدى البنك أن المخاوف بشأن نمو الأجور المرتفع بشكل حاد مبالغ فيها .
ومع ذلك، إذا بدأت الأجور فى الارتفاع بشكل أكثر قوة فى الأشهر المقبلة فقد يجبر ذلك البنك المركزى الأوروبى على التصرف بشكل أسرع مما نتوقعه حاليًا.
هل يستطيع الاحتياطى الفيدرالى هندسة تشديد آمن للسياسات النقدية؟
مع التضخم بالفعل عند 7.5 % فى يناير وعلى نطاق واسع على نحو متزايد ، فإن أولوية بنك الاحتياطى الفيدرالى هى كبح التضخم وأن يكون واثقًا من أنه سيتجه قريبًا إلى مسار هبوطى حتى فى الوقت الذى يواجه فيه الآن صدمات خارجية للتضخم خارجة عن سيطرته.
وتوقع حاليًا زيادة قدرها 150 نقطة أساس من رفع الفائدة من قبل الاحتياطى الفيدرالى فى عام 2022 ، بدءًا من 50 نقطة أساس فى مارس ، وزيادتين إضافيتين بمقدار 25 نقطة أساس فى عام 2023، ولكن من الممكن أن تكون الزيادات أكبر إذا ظل التضخم مرتفعًا، حتى لو أدى ذلك إلى ظروف شبيهة بالركود التضخمي.