منوعات

نبوءة الراهب بحيرا عندما رأى سيدنا محمد ..زينب علي درويش

عندما بلغ سيدنا محمد “صل الله عليه وسلم ” الثالثة عشرة من عمره أراد عمه أن يسافر إلى الشام ، ليتاجر بها ، فتعلق سيدنا محمد ” صل الله عليه وآله وصحبه وسلم ” به وقال له : إلى من تتركنى ولا أب ، ولا أم ؟ خذنى معك
فقال أبو طالب : لا طاقة لك بالسفر يا بنى..،والمسافة بعيدة بيننا وبين الشام .وخير لك أن تبقى فى البيت تسهر عليك زوجى ((فاطمة )) ،كما تسهر على أولادها عقيل وجعفر
ولسوف أعود إليكم عن قريب إن شاء الله.
فقال سيدنا محمد ” صل الله عليه وسلم ” ولكنى أريد يا عم أن أرى الشام ، وأدخل أسواقه ، وأتعلم التجارة ، وأتعود السير فى الصحارى،وأجوع وأعطش وأسهر وأنام فى القافلة، وألقى الحر والبرد..أريد أن أكون رجلا فى جوارك ،لا أقعد فى البيت كالنساء .
أبو طالب: إنها رحلة شاقة ، ولكنى لا أرفض رغبتك ما دمت تريد السفر معى ، مع علمك بمتاعبها. فاستعد لها .وعسى الله أن يهيئ لنا فيها خيرا .

وأحس أبو طالب براحة في نفسه لهذا القرار ، حيث أنه لم يترك محمد وحده في مكة ، وإنه بذلك يُحَقِّقُ وصيَّة والده ؛ فانشرحَ صَدْرُه . وسارت القافلة ، وجعل محمد يخدم عمه طول الطريق ؛ يَسقيه إِذا عَطش ويُعدُّ له الطعام إذا جاع ، ويسهر على راحته إذا نام … وأبو طالب يبادله حناناً بحنان ، ويقدر في محمد خلقه الكريم. والسَّفَرُ يُظهر الكثير من خبايا الخلق ، التي لا تظهر في سائر الأحوال

وأطلع محمد على بلاد الشام ، وشاهد قراها ، وأحس بلطف هوائها وباع فيها واشترى ، وكان أميناً فى بيعه وشرائه ، وتنقل فى أسواقها ، وخالط أهلها ، وسمع لغاتها ، وشاهد دنيا غير دنيا الحجاز . وبينما كانت القافلة تسير في ذروبها إِذْ مَرَّت على مقربة من دير يقيم فيه راهب اسمه « بَحيرًا ) .

فاعترض طريق القافلة ، وأخذ ينادى فيها :

يأهل الحجاز ، هلموا إلى ، هلموا إلى الطعام والشراب ! . . و تعجَبَتْ قريش من دَعْوَةٍ بَحيرًا » لهم ؛ فقد كانت تمر به مِنْ قَبْلُ : دون أن يلق لهم بالاً ، وقالت : ماذا دهاه اليوم ؟

وأقبلوا عليه ، فقال لهم :

هلموا جميعاً إلى طعامى ، ولا تدعوا أَحَداً يتخَلَّفُ منكم ! .
فلما اجتمعوا على طعامه ، جعل يتفرس فى وجوههم حتى اقترب من سيدنا محمد “صل الله عليه وسلم ” . فجلس إلى جواره ، ومال إلى أذنه يهمس فيها :يا غلام ، أسألك بحق اللاتِ والمعزى إلا صدقتني الحديث عما أسألك عنه ! .

فقال سيدنا محمد ” صل الله عليه وسلم ” له : ولا تسألني بالاتِ والعُزَّى شيئاً ، فو اللهِ مَا أبْنغضُ شيئا

قط مقدار ما أبغضها ! … فأخذ بحيرا يهز رأسه ، ويقول فى نفسه، فى صوت خفيض

إنه هُوَ الَّذِى يبغض الأصنام ! ) . بحيرا : يا غلام : اتلعب مع الصبيان في مكة ، وتشاركهم لهوهم ؟
قال سيدنا محمد ” صل الله عليهوسلم ” : أكرة اللعب ، وأحب العزلة عن النَّاسِ)
فأخذ بحيرا يهز رأسه ، ويقول : وتلك علامة أخرى .
بحيرا : « وهل ترى في نومك أحلاماً تتحقق عند اليقظة ؟ )
قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: نعم م ، ما أراه في اليل يتحقق في النهار ، لا ينقص منه شيء … فيقول -بحيرا لنفسه : إنه هو بعينه

فاقترب منه أبو طالب وسأله : مالك وهذا الغلام ؟ أراك تهمس فى أذنه، وتهز رأسك !

فماذا أصابك ؟

بحيرا : ومن والد هذا الغلام فيكم ؟

أبو طالب : إنه ولدى .

بحيرا : لا أظنه يجتمع في الدنيا مع والده فاصدقنى
أبو طالب : إنه ابن أخي ، وقد مات والده، ومحمد في بطن أمه
بحيرا : الآن صدقتنى . وتقول : اسمه محمد ا . ما معنى محمد عندكم ؟
أبو طالب : المحمد الذى لا يعاب ولا يذم !

بحيرا: عجبا ! ليس ذلك من تسميتكم ذلك هو (أحمد) الذى بشر به عيسى فى الإنجيل، باسمه وصفته . لقد طلع الآن زمانه ، وهاهو ذا أراه اليوم بين يدى غُلاماً .

ليني أعيش حتى أراه نبيا مرسلا ترتاد فليت شعرى متى يبعث ؟!
أبو طالب : لا أسمع ما تهمس به فى نفسك يا بحيرا . فماذا تعرف عن هذا الغلام؟
فأتم أهل كتاب تعرفون من العلم مالا نعرف . بحيرا : قرب أذنك ولا تدع حديثى بين الناس سيكون لغلامك هذا شأن في يوم ما . وسيعاديه تقومك هؤلاء ويخرجونه من بلده. وستعاديه اليهود كذلك، وتود القضاء عليه . فإن استطاعت أن تحفظه في عينيك فافعل ؟ ولو عرفوا منه اليوم ما أعرف لقتلوه وما أبقوه إلى غد !

أبو طالب : ( يقول في نفسه وهو مندهش ) :غريبا امر محمد هذا ! ، فعبد المطلب يذكر أن له شأناً .

وهذا بحيرا ، يقول مثل قوله . وهما يخوفاننى من قومه . فليت شعرى لماذا تعاديه قريش ، ومحمد غلام لطيف وديع ؟ لا يحب الشر أبدا ! ولماذا يكون له أعداء يريدون قتله ؟ ليتى أعرف ما يُخبئه له الزمان ؟

ورجع أبو طالب بمحمد من تلك الرحلة وهو يردد كلمات (بحيرا ) في نفسه وكأنها ألغاز لا يهتدى إلى سرها . وبقى سيدنا محمد ” صل الله عليه وسلم ” في بيت عمه يعيش مع أولاده حتى صار رجلاً .

المرجع :كتاب سيرة النبي العربي الجزء الاول
لفضيلة الدكتور عبد الحليم محمود

received 1908281576178868

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى