آخر الاخباراستثماراقرأ لهؤلاء

د. شعبان عبد الحميد رفاعي يكتب: كتابة الحديث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

بوابة الاقتصاد

كتابة الحديث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم د. شعبان عبد الحميد رفاعي جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية (UniSHAMS) ماليزيا

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد: فقضية كتابة السنة في زمن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من القضايا التي يثيرها المشككون في سنة النبي صلى الله عليه وسلم بين الحين والأخر بدعوى أن السنة لم تكتب في زمن الرسول الكريم، وأن أول تدوين للسنة كان في مطلع القرن الثاني بتكليف من الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. والحقيقة أن هذه الدعوى تجانب الحق والصواب، وتتعارض مع ما كان عليه الصحابة الكرام من حرص عل حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم وصيانتها.

عبدالحميد
عبدالحميد

وقبل الرد على هذا الادعاء لابد من بيان الفرق بين الكتابة، والتدوين، والتصنيف؛ حيث كان الخلط بين هذه المصطلحات من أهم أسباب الفهم الخاطى والتصور المغلوط لهذه المسألة. فالمقصود بالكتابة؛ تسجيل الحديث في صحف خاصة بمن يكتب، دون أن تتداول بين الناس، وهذه المرحلة بدأت منذ عهده صلى الله عليه وسلم وبإذن منه عليه الصلاة والسلام. أما التدوين فالمقصود به: جمع الأحاديث التي كتبت في الصحف في ديوان أي كتاب للحفظ والعناية، مع عدم مراعاة الترتيب أو التبويب، وهذا ما بدأ العمل فيه في مطلع القرن الثاني بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز. أما التصنيف فهو: فهو أدق من التدوين، فهو ترتيب ما دون فى فصول محدودة، وأبواب مميزة. مما سبق يتبين: أن الكتابة غير التدوين؛ فالكتابة مطلق خط الشئ، دون مراعاة لجمع الصحف المكتوبة فى إطار يجمعها، أما التدوين فمرحلة تالية للكتابة ويكون بجمع الصحف المكتوبة فى كتاب يحفظها. وأن ما فهمه القائلون بتأخر كتابة السنة منشأه الخطأ والخلط بين المصطلحات سالفة الذكر. وبعد هذا التوضيح نقول: إن مما لا شك فيه ولا جدال أن جزء كبيرا من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم كتب في حياته، وبين يديه، وبإذن منه صلى الله عليه وسلم ، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى نذكر منها: 1- أن كتابة الحديث في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت أحد الوسائل التي سلكها الصحابة رضوان الله عليهم لحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى تلقي الحديث، وتبليغه، ومدارسته، ووضع القواعد لروايته. 2- توفر الدواعي لكتابة الحديث في تلك الفترة، والتي من أهمها؛ شدة حرص الصحابة على حفظ الحديث لتبليغه للناس، وقد زاد من هذا الدافع في نفوسهم تحريضه صلى الله عليه وسلم لهم على حفظ حديثه وأدائه إلى الناس في أحاديث كثيرة تدل على عنايته صلى الله عليه وسلم بذلك وتكرار الوصية به. ومن هذه الدواعي أيضا؛ توافر أدوات الكتابة في هذا الزمان، مع توافر عدد لا بأس به من الصحابة الذين كانوا يجيدون القراءة والكتابة، منهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وأبو سفيان بن حرب وابنه معاوية، وأبان بن سعيد، والعلاء بن الحضرمي، وعبد الله بن عمرو، عمر بن سعيد، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، والمنذر بن عمرو، وغيرهم كثير. 3- ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من أحاديث تدل على ورود الأمر النبوي لبعض الصحابة رضى الله عنهم بالكتابة بصور فردية غير منتظمة، وبإذن خاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الأحاديث: أ- ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة: أنه لما فتح الله تعالى مكة للمسلمين خطب النبي صلى الله عليه وسلم، فقام رجل من أهل اليمن اسمه أبو شاه، وقال: يا رسول الله، اكتبوا لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اكتبوا لأبي شاه». قال البخاري: قلت للأوزاعي، ما قوله، اكتبوا ؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على صريح إذنه بالكتابة. ب- وعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهم، قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:” اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلاّ حقّ؛ وأشار بيده إلى فيه”. ج- وعن أبي هريرة رضى الله عنه، قال: كان رجل يشهد حديث النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحفظه، فيسألني، فأحدثه فشكا قلة حفظه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:” استعن بيمينك، وأشار بيده إلى الخط” (أخرجه الترمذي في سننه). وغير ذلك من الأحاديث التي يضيق المقام عن ذكرها. 4- وجود عدد من الصحف التي كتبت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: فقد تلقف الصحابة الكرام الإذن النبوي بكتابة الحديث؛ فشرع كثير، منهم في كتابة ما سمعه وما شاهده في صحف خاصة، فمن الصحابة الكاتبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد روى البخاري بسنده إلى أبي جحيفة، قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل – يعني أحكام الدية-، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر. ومن أشهر الصحف المكتوبة في العصر النبوي” الصحيفة الصادقة” التي كتبها عبد الله بن عمرو بن العاص من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اشتملت على ألف حديث، كما يقول ابن الأثير، ومحتواها محفوظ في مسند أحمد بن حنبل حتى الآن وكان عبد الله بن عمرو لا يسمح لأعزّ الناس عليه بتناول هذه الصحيفة، وقد أتيح لمجاهد بن جبر أن يراها عرضا، قال رحمه الله: “أتيت عبد الله بن عمرو؛ فتناولت صحيفة تحت مفرشه فمنعني، قلت: ما كنت تمنعني شيئا! قال: هذه الصحيفة الصادقة، فيها ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه أحد، إذا سلمت هذه وكتاب الله والوهط فلا أبالي علام كانت عليه الدنيا! والوهط أرض كان يزرعها”. كذلك من أشهر الصحف التي كتبت في العهد النبوي؛ الصحيفة التي كتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حقوق المهاجرين والأنصار واليهود،والمعروفة بوثيقة المدينة، والتي جاءت بدايتها:” هذا كتاب محمد النبي رسول الله بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس”. وغير ذلك من الصحف التي دونت في العهد النبوي كصحيفة سعد بن عبادة، وكتبه صلى الله عليه وسلم إلى عماله وأمرائه، وكتبه إلى الملوك والحكام، وعقوده ومعاهداته مع المشركين وغير ذلك. لقد أصبحت كتابة الحديث في العهد النبوي حقيقة علمية، حتى يقول الأستاذ سيد صقر: من الحقائق المطوية في الكتب أن الأحاديث النبوية، قد دونت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفي حياة صحابته، فكان لبعض الصحابة كتب تشتمل على ما سمعوا من أحاديث كتبوها بأيديهم، وكتبها عنهم من سمعها منهم، وقد شارك الرسول في تدوين سنته بإملائه على كُتَّابه ما أملى من كتب في الفرائض وغيرها، أو أرسلها إلى من رأى إرسالها إليه، لتكون تبصرة وتذكرة، فيما افترض من ألوان الفرائض، أو أدبهم به من سنن الأدب. ثمة أمر مهم يجب التنويه إليه ألا وهو جود أحاديث تنهى عن كتابة السنة في العهد النبوي، كقوله صلى الله عليه وسلم:” لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار”، فيكيف يمكن التوفيق بين أحاديث المنع وأحاديث الإباحة السالفة الذكر؟. والحقيقة أن العلماء أجابوا على هذا السؤال بأجوبة عدة منها: 1- أن النهي كان في أول الأمر خوفا من اختلاط الحديث بالقرآن، فلما أُمِن اللبس، أذن النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة الحديث، فكانت أحاديث الإباحة ناسخة لأحاديث المنع، وهو أقوى الأقوال وأرجحها. 2- أن النهي إنما كان عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة؛ لأن بعض الصحابة كان يكتب الأية، ويكتب تفسيرها بجانبها، فنُهوا عن ذلك لخوف اختلاط الحديث بالقرآن. 3- أن النهي كان في حق من يوثق بحفظه مخافة أن يتَّكل على الكتابة ، وأما الإذن فهو في حق من لا يوثق بحفظه . بهذا يتبين لنا أن قدرا كبيرا من الحديث الشريف كتب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصدر أمرا مباشرا بكتابته ولم يعين من الصحابة من يقوم بذلك، إلا أن الصحابة قاموا بكتابة الحديث بصورة فردية غير منتظمة وبإذن من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى