آخر الاخباراتصالات و تكنولوجيااقرأ لهؤلاء

أبو عمر القروي يكتب: مقامات رمضانية .. غربة الساندوتش في عصر الشيبسي

بوابة الاقتصاد

مقامات رمضانية ( ١٠ )

** غربة الساندوتش في عصر الشيبسي

* من الأشياء التي أحس معها بضيق شديد كلما رأيتها ، منظر الأولاد و البنات في الشوارع و المؤسسات التعليمية ، و هم يأكلون الشيبسي ، و المولتو ، و السناكس ، و يشربون الكانز .

* الغريب أن السعادة تكاد تقفز من أعينهم ، و هم يفتحون كيس الشيبسي ، و كأنهم يفتتحون مستقبلا أرحب و أجمل ، و عندما يفتحون علبة الكانز تطير قلوبهم مع تدفق المياة الغارية لأعلى ، فرحهم بنافورة في وسط بركة المتوكل ، و الذي يغيظ أكثر عندما تجدهم في السوبر ماركت يسألون عن أنواع متعددة من الشيكولاته صغيرة الحجم ، و مرتفعة الثمن .

* ليس مرجع الغضب و الغيظ التكلفة ، و هي – لا شك – باهظة ، و فوق طاقة رب أي أسرة ، و لكن لأن الأولاد أصبحوا لا يأكلون في البيوت ، و أصبحنا نطبخ لأنفسنا ، و أصبحت العائلات لا تتجمع على وجبة واحدة .

عمر القروي
عمر القروي

* و من هنا وجدنا أولادنا خارت قواهم ، و صاروا معدومي القوة ، ضعاف البنيان ، أكثرهم لا يُعتمد عليه في شيء ، و أصبح مستقبلنا هشا و ضعيفا بهشاشة شبابنا ، و نحن نسير في ركبهم ، و لم نعد باستطاعتنا أن نمنعهم على اعتبار أن الأولاد تنظر لبعضها ، و أولادنا ليسوا أقل من أولاد الناس حتى تحول الموضوع إلى ظاهرة كأنها هي الأصل ، و الأصل إلى غريب منبوذ ، تكلفة كبيرة ، و أعباء مادية على أسر يعلم الله كيف تسير .

* كل هذا ذكرني بالأيام القديمة و الجميلة التي كنا نعيشها في مدارسنا و أسرنا ، بدأت أتذكر ساندوتش المدرسة في قريتنا الريفية ، رغيف كبير من العيش البيتي الممتلئ بأي شيء ؛ أحيانا يحشى بالجبنة القريش ، أو القديمة ، أو القشدة ، و أحيانا مع بعض الأولاد يُحشى ببقايا طعام في المنزل ، فأحيانا تجد الساندوتش لا تستطع أن تقبض عليه بيديك ، هذا الممتلئ بأصابع المحشي الضخمة ، أو حتى ببقايا الأرز ، و إذا ضاقت يُحشى بالخضراوات من الجرجير ، و الفجل ، و السريس ، و أحيانا تجد البعض يحشيه من الكرّات المصري ، و هذا كان يحدث بخارا عنيفا من الفم ، و لكنه كان يجعل صاحبه يحس بالقوة ، و أحيانا تجد الساندوتش يحشى باللا شيء .

* الأجمل منظر أكل الساندوتش ، و الطفل يقبض عليه بكلتا يديه لضخامته طولا و عرضا ، يأخذ قضمة من هنا ، و أخرى من هنا ، و لا يستطيع أن يجمع أطرافه في قضمة واحدة ، شراسة و سرعة و تلذذ في الأكل ، كانقضاض السبع على فريسته ، ثم يقوم الطفل باللعب ، و هضم الطعام الذي أُُكله ، فيصير الطفل أكثر حيوية و نشاطا .

* و كان الطفل قديما يعتمد عليه في كل شيء ، كان يقوم بأعمال لا يقوم بها الرجال الآن ، كل هذا و بلا تكلفة ، هذا بخلاف ما كانت تصرفه المدارس من طعام و مساعدات جافة في بعض المراحل ، و صرف من كان يكبرنا بقليل أكثر من ذلك ، كان هناك اهتمام بالطعام و النشاط ، و هي مقومات بناء الجسم ، أما الآن حرم أولادنا من كل شيء ، و ندعي أننا تقدمنا ، وا أسفى على يوسف .

* أصبح الأبناء لا يأكلون في الصباح ، و في الغالب يأكلون الشيبسي و البسكويت ، و عند العودة يمرون على محلات الكشري و البيتزا زرافات و وحدانا ، فإذا ما أتوا إلى المنزل لا يأكلون و لا يشربون ، و أصبحت وجبات الغذاء الجماعية ، غير موجودة إلا ما ندر .

* أخشى ما أخشاه أن تتعمق جذور الغربة لدى الشباب و الأبناء ، فبعدما ظهرت بوادر عدم الانتماء للوطن جلية واضحة ، و الدور على عدم الانتماء للأسرة ، و بوادره قد بدأت أيضا ، من خلال عدم اجتماع أفراد الأسرة على وجبة واحدة ؛ حيث لم يعد أحد يحرص على ذلك ، فنزعت البركة بعد أن كانت لمة العائلة من المقدسات ، بالإضافة إلى التأثير على البنية الجسمانية سلبا على أبنائنا ، ناهيك عما أحدثته الهواتف النقالة من اغتراب داخل الأسرة .

* المطلوب أن نعيد صياغة العادات الجديدة للأبناء ، و ننتبه إلى كثير من التغييرات السلبية التي تحدث ، و التي لها أثر كبير على الأسرة و المجتمع ، العودة للساندوتش المنزلي ضرورة ملحة ، تناول الوجبات في المنزل مع كل أفراد الأسرة من الأشياء التي تميز المجتمع المتحضر ، فاجتمِعوا و لو على واجبة واحدة ، حتى تتم البركة .

زر الذهاب إلى الأعلى