د. عادل محمد عبدالقادر يكتب: رمضان خير وسيلةٍ لغرس التعاون بين أفراد المجتمع
بوابة الاقتصاد
رمضان خير وسيلةٍ لغرس التعاون بين أفراد المجتمع- د| عادل محمد عبدالقادر –جامعة السلطان عبدالحليم معظم شاه الإسلامية العالمية unishams
للتعاون بين جميع أطراف المجتمع أهمية كبيرة تتحقق من وراء ذلك، وهي: انتشار المحبة والألفة بين جميع أفراد المجتمع الواحد، والتخلص من البغضاء والضغينة التي قد تسود في المجتمع. قضاء جميع الحاجات الأساسية في المجتمع، دون وجود أي نقص في هذه الحاجات، فيوجد في كل مجتمع الطبيب والمحامي والمهندس والمعلم وغيرها من التخصصات، التي يقوم بها كل فرد، ويكمل بها دور الأفراد الآخرين.
إمن صور التعاون بين المسلمين في رمضان: كثرة المساعدات والمساهمات عند الإفطار، فالشباب والفتيات يقفون على حافة الطريق ليعطوا المارة شيئًا من المشروبات أو المطعومات قبيل المغرب، ومن الناس من يعمد إلى نصب موائد الطعام، وآخر يقوم بتجهيز ما يسمى بالحقائب الغذائية – وتعرف بشنطة رمضان – وصنف منهم يعد وجبات جاهزة ويوزعها على الفقراء والمحتاجين، والجميل في مظاهر التعاون الرمضاني هو التواصل الأسري، بدعوة بعضهم بعضًا على الإفطار، فعلى سبيل المثال: لو أن أسرة بها أربعة أفراد بالإضافة إلى الأب والأم، والأب والأم في بيت مستقل، وكل فرد من الأسرة له بيته المستقل، فلو تنوعت الدعوات والاجتماعات بينهم، كل أسرة تذهب إلى الأخرى، لوجدت ما يزيد عن أربع أو خمس مرات اجتمعوا فيها على الطعام، وهذا في شهر واحد، وغالبًا ما يكون في رمضان، وليس في غيره – إلا الأسرة المواظبة على ذلك – ويضاف إلى التراحم والتوادد بين الأسر التواصل بين الأصدقاء والأحباب، وكلها معانٍ سامية ومشاعر راقية يسعى الإسلام بتعاليمه لتأصيلها وترسيخها في نفوس أتباعه، كما أنها تساعد على وحدة المجتمع وتقوية روابطه وسواعده.
إذًا، فرمضانُ فرصةٌ كبيرة لتحقيق التعاون بين المسلمين، فهو قيمة إسلامية كبيرة، دعا إليها القرآن الكريم وأمر بها؛ قال ربنا: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].
وعلَّق الإمام القرطبي قائلًا: “وهو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى؛ أي: ليُعِنْ بعضكم بعضًا، وتحاثوا على ما أمر الله تعالى واعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه، وهذا موافق لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الدالُّ على الخير كفاعله))، وقد قيل: الدال على الشر كصانعه”
وكما أن التعاون أمرٌ قرآني فهو ضرورة اجتماعية، وحاجة أساسية، لا غنى للمجتمع عنها، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادِّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))…ومن يريد العون من الله، فليُعِن الناس؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتدح الأشعريين؛ لتعاونهم في أمر الطعام؛ فعن أبي موسى، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوبٍ واحدٍ، ثم اقتسموه بينهم في إناءٍ واحدٍ بالسوية؛ فهم مني وأنا منهم))
ثم تأتي المواقف النبوية لتجسِّد مدى صورة التعاون النبوي في الأسرة والمجتمع؛ في الأسرة يعين أهله، ويقوم على خدمتهم، عندما سُئلت السيدة عائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: (كان يكون في مهنة أهله – تعني خدمة أهله – فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة)
ومع المجتمع تصفه السيدة خديجة؛ عندما عاد من لقاء الوحي به أول مرة، فقال: ((أي خديجة، ما لي؟ لقد خشيتُ على نفسي))، فأخبرها الخبر، قالت خديجة: كلا، أبشِرْ؛ فوالله لا يخزيك الله أبدًا؛ فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمِل الكَلَّ، وتَكسِب المعدوم، وتَقْري الضيف، وتُعين على نوائب الحق.
ويُفهم من كلام السيدة خديجة: أن مَن يبذل الخير للناس، ويتعاون معهم، ويسعى في خدمتهم، هو كفيلٌ بإزاحة الأذى عنه، وبُعْد المكروه؛ لفعله المعروف.
ويصف عثمان رضي الله عنه تعاون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: “إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، فكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير
وقيل:لولا التعاونُ بين الناسِ ما شرُفَتْ ♦♦♦ نَفْسٌ ولا ازْدهَرَتْ أرضٌ بعُمرانِ
ولا ننسَ أن التعاون من شِيم الأنبياء عليهم السلام؛ فسيدنا إبراهيم عليه السلام لما أُمر ببناء الكعبة، طلب من ابنه إسماعيل عليه السلام أن يعينه ويساعده في هذه المهمة الإلهية، فقال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمرٍ، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك
وطلب سيدنا موسى عليه السلام من ربه أن يجعل أخاه هارون معه ليُعِينه في أمر الدعوة، ويحكي القرآن هذا الطلبَ، فيقول: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴾ [طه: 29 – 32]، فيستجيب الله لطلبه، ﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 36].
وإليكم هذه القصة الرائعة:
عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتى صاحب بز فاشترى منه قميصًا بأربعة دراهم، فخرج وهو عليه، فإذا رجلٌ من الأنصار، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، اكسني قميصًا، كساك الله من ثياب الجنة، فنزع القميص فكساه إياه، ثم رجع إلى صاحب الحانوت فاشترى منه قميصًا بأربعة دراهم، وبقي معه درهمان، فإذا هو بجاريةٍ في الطريق تبكي، فقال: ((ما يبكيك؟))، فقالت: يا رسول الله، دفع إليَّ أهلي درهمين أشتري بهما دقيقًا فهلكا، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم إليها الدرهمين الباقيين، ثم ولت وهي تبكي فدعاها، فقال: ((ما يُبكيك وقد أخذت الدرهمين؟))، قالت: أخاف أن يضربوني، فمشى معها إلى أهلها، فسلَّم، فعرفوا صوته، ثم عاد فسلم، ثم عاد فسلم، ثم عاد فثلث فردوا، فقال: ((أسمعتم أول السلام؟))، قالوا: نعم، لكن أحببنا أن تزيدنا من السلام، فما أشخصك بأبينا وأمنا؟ قال: ((أشفقت هذه الجارية أن تضربوها))، قال صاحبها: فهي حرةٌ لوجه الله؛ لممشاك معها؛ فبشرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بالخير والجنة، ثم قال: ((لقد بارك الله في العشرة؛ كسا الله نبيه قميصًا، ورجلًا من الأنصار قميصًا، وأعتق الله منها رقبةً، وأحمد اللهَ؛ هو الذي رزقنا هذا بقدرته))[
يتفاوت الناس في أمر التعاون فيما بينهم، يقول الماوردي: “تنقسم أحوال الناس إلى أربعة أقسام: منهم من يعين ويستعين، ومنهم من لا يعين ولا يستعين، ومنهم من يستعين ولا يعين، ومنهم من يعين ولا يستعين، فأما المعين والمستعين: فهو معاوض منصف يؤدي ما عليه، ويستوفي ما له، وأما من لا يعين ولا يستعين: فهو منازل قد منع خيره، وقمع شره، وأما من يستعين ولا يعين: فهو لئيم كَلٌّ، ومَهين مستذل، وأما من يعين ولا يستعين: فهو كريم الطبع، مشكور الصنع، وقد حاز فضيلتي الابتداء والاكتفاء؛ فهذا أشرف الإخوان نفسًا، وأكرمهم طبعًا
عن أبي ذر، قال: سألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: ((الإيمان بالله))، فقلت: يا نبي الله، مع الإيمان عملٌ؟ قال: ((أن ترضخ مما خولك الله، أو ترضخ مما رزقك الله))، قلت: يا نبي الله، فإن كان فقيرًا لا يجد ما يرضخ؟ قال: ((يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر))، قلت: إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر؟ قال: ((فليُعِنِ الأخرقَ))، قلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان لا يحسن أن يصنع؟ قال: ((فليُعِنْ مظلومًا))، قلت: يا نبي الله، أرأيت إن كان ضعيفًا لا يستطيع أن يعين مظلومًا؟ قال: ((ما تريد أن تترك لصاحبك من خيرٍ، ليُمسِكْ أذاه عن الناس))، قلت: يا رسول الله، أرأيت إن فعل هذا يدخل الجنة؟ قال: ((ما من مؤمنٍ يصيب خصلةً من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تُدخِله الجنة.