د. محمد حامد محمد سعيد يكتب: دروس وعبر من غزوة بدر الكبرى
بوابة الاقتصاد
بقلم : أد/محمد حامد محمد سعيد – الأستاذ المساعد بجامعة السلطان عبدالحليم معظم شاه الإسلامية العالمية يوني شمس (UniSHAMS) – ماليزيا
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي علم القرآن للإنسان، من خلال البيان، ببركة الحبيب العدنان، سيدنا محمد النبي المصطفي صاحب البيان والبرهان، اللهم صلى وسلم وبارك عليك سيدى يا رسول الله وعلى آل بيتك وأصحابك المباركين في الأرض والسماء، وسلم تسليماً كثيراً يا رب العالمين. وبعد؛؛؛؛
فمما نفهمه جيداً في غزوة بدر الكبرى أنها الغزوة الفارقة بين الحق والباطل، أنها الغزوة التي أظهرت نور الشمس للبشرية الجمعاء، وختمت على الجاهلية العمياء الممثلة في قريش وأعوانها، أنها الغزوة الفاصلة التي بيّنت قوة العنصر البشري المسلم المدعم بمدد من السماء الذي ذهب لملاقاة قريش وحبه للموت أكثر من حبه للدنيا، أنها الغزوة الذي أظهرت مدى حب جيل الصحابة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبذلوا من أجل محبته الثمين والثمين ولو عندهم أكثر من ذلك لفعلوا وفعلوا، فرضي الله عنهم أجمعين، أنها الغزوة التي انتصر فيها جيش المسلمين على عدوهم الأول في وقته إنها قبيلة قريش أكبر قبائل الجزيرة العربية.
في غــزوة بـــدر كتــــب الله تعالى النـصر لرســوله وجـــيشه وغنــموا الغــنائم والـتي نــزلــت آيــات قــرآنية في شـأنها{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، في غزوة بدر كانت الأسارى وفي شأنهم نزل القرآن الكريم {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وما كان من رسولنا صلى الله عليه وسلم إلا وأن استشار أصحابه في أسارى بدر ماذا يفعل معهم؟فكانت الإجابات متفاوتة بين أصحابه، منهم من يرى أخذ الفدية من الكفّار حتى تكون رصيداً مالياً للمسلمين في مستقبل أيامهم، وقد تكون أيضاً سبباً في إسلام هؤلاء فيما بعد، بينما يرى فريق أخر أن القتل هو الحل الأمثل لهؤلاء الكفار الصناديد، بينما فريق ثالث يرى أن يُحرقوا في وادى عميق نتيجة أعمالهم مع المسلمين في مكة المكرمة، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وأن أخذ بالرأي القائل بقبول الفدية لمن يقدر على دفعها، ومن لم يقدر على دفع الفدية عليه أن يقوم بتعليم عشرة من أولاد المسلمين القراءة والكتابة، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ الْأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ, “فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ”, قَالَ: فَجَاءَ يَوْمًا غُلَامٌ يَبْكِي إِلَى أَبِيهِ, فَقَالَ: مَا شَأنُكَ؟, قَالَ: ضَرَبَنِي مُعَلِّمِي, قَالَ: الْخَبِيثُ , يَطْلُبُ بِذَحْلِ –أي ثأر- بَدْرٍ وَاللهِ لَا تَأتِيهِ أَبَدًا”.
إذا حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التعليم للصغار منذ بدايات دعوته كيف لا؟ وأول آية قرآنية نزلت هي صدر سورة العلق {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}.
ولقد تحدث القرآن الكريم عن العلم والعلماء، فبمراجعة للفظة “العلم” في القرآن الكريم نجد أنها قد ذكرت وجميع مشتقاتها ما يقرب من 450 أربعمائة وخمسون مرة.
ولعل السر في كثرة ورود هذه اللفظة هي حث الناس على العلم والتعلم والمعرفة في كل شئون الحياة،” فمن سمات الدعوة الإسلامية الصحيحة حث الناس على العلم والتعلم والبحث في العلوم الدينية والعلوم الدنيوية، وأن يكون للعلوم الدينية دارسون متخصصون وكذلك العلوم الدنيوية العمرانية، وذلك لأن العلم بمعناه العام يؤدي إلى تعميق الإيمان بالله تعالى …… ولا يجادل أحد في أن العلم الديني هو من أشرف العلوم على الإطلاق، ومع ذلك فهو -العلم الديني- يحث على العلوم الدنيوية العمرانية ويمنحها العزة والشرف والسمو، ولا يوجد تنافر أو تعارض في العلم بين ما هو ديني وما هو عمراني”.
ونظراً لأهمية العلم ومكانة العلماء يجعل الله تعالى العلماء من أهل الخشية والتقوى فيقول تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، ونظراً لكون العلماء هم أهل الخشية نري الله تعالى يرفعهم ويُعلي من قدرهم ويشيد بمنزلتهم على غيرهم بسبب علمهم فيقول تعالى: }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
فهذه الآية الكريمة لم توضح أي درجات تقصد فنرى من العلماء من قال بأنها درجات في الدنيا وذلك “لأن غشيان مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو لطلب العلم من مواعظه وتعليمه، أي والذين أوتوا العلم منكم أيها المؤمنون، لأن الذين أوتوا العلم قد يكون الأمر لأحد بالقيام من المجلس لأجلهم، أي لأجل إجلاسهم، وذلك رفع لدرجاتهم في الدنيا، ولأنهم إذا تمكنوا من مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم كان تمكنهم أجمع للفهم وأنفى للملل، وذلك أدعى لإطالتهم الجلوس وازديادهم التلقي وتوفير مستنبطات أفهامهم فيما يلقى إليهم من العلم، فإقامة الجالسين في المجلس لأجل إجلاس الذين أوتوا العلم من رفع درجاتهم في الدنيا”، وعن درجة الرفع وأن الرفع في الدنيا والآخرة يذكر صاحب الجامع لأحكام القرآن في المسألة السابعة قوله تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}أي في الثواب في الآخرة وفي الكرامة في الدنيا فيرفع المؤمن على من ليس بمؤمن، والعالم على من ليس بعالم، وقال ابن مسعود:”مــدح الـلـه العلـماء في هــذه الآية والمعنى: أنه يرفـع الله الذين أوتـــــوا العلم علــى الذين آمنوا ولم يؤتـــوا العـلم (درجات) أي درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به،….وبين في هذه الآية أن الرفعة عند الله تعالى بالعلم والإيمان لا بالسبق إلى صدور المجالس وقيل: “أراد بالذين أوتوا العلم الذين قرأوا القرآن”.
ونظراً لرفعة منزلة ودرجة العلماء يُفرق الله تعالى بين أهل العلم وأهل الجهل فيقول تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ}، فهذه الآية توضح أن الفرق شاسع بين من يعلم ومن لا يعلم، لأن الله تعالى هو الذى قضى في هذه القضية، قضية عدم استواء العالم مع غيره، ثم ذيلها بقوله “إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ” ولا شك أن أولى الألباب هم أهل العلم، وأهل العلم هم أهل الله وخاصتيه،فعن هذه الآية يذكر أنها: “تنبيه عظيم على فضيلة العلم،…..ثم قال تعالى:{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الالْبَـابِ}يعني هذا التفاوت العظيم الحاصل بين العلماء والجهال لا يعرفه أيضاً إلا أولوا الألباب، قيل لبعض العلماء: إنكم تقولون العلم أفضل من المال ثم نرى العلماء يجتمعون عند أبواب الملوك، ولا نرى الملوك مجتمعين عند أبواب العلماء، فأجاب العالم بأن هذا أيضاً يدل على فضيلة العلم لأن العلماء علموا ما في المال من المنافع فطلبوه، والجهال لم يعرفوا ما في العلم من المنافع فلا جرم تركوه”.
ونري تعليقاً ما أروعه للإمام ابن القيم على قول الله تعالى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}حيث استشهد بها على شرف العلم وفضل العلماء فيقول:”استشهد سبحانه بأولى العلم على أجل مشهود عليه وهو توحيده فقال شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط وهذا يدل على فضل العلم وأهله من وجوه أحدها استشهادهم دون غيرهم من البشر، والثاني اقتران شهادتهم بشهادته، والثالث اقترانها بشهادة ملائكته، والرابع أن في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم فإن الله لا يستشهد من خلقه إلا العدول”.
فمن خلال ما سبق من ذكر لبعض الآيات القرآنية ظهر من خلالها الدلالة الواضحة على أهمية العلم وفضيلة التعلم وبيان منزلة العلماء، والذى قدر وعظم هذه المنزلة هو ربنا عزوجل –نسأله تعالى أن نكون من أهلها– اللهم أمين.
وللحديث بقية مع حديث السنة المطهرة عن العلم والعلماء.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.