آخر الاخباراتصالات و تكنولوجيااقرأ لهؤلاء

د. محمد أحمد حسن أبو طعلز يكتب: التجديد في أمر الدين بين الحقيقة والانحراف

بوابة الاقتصاد

ظهرت في العصر الحديث فئة من الناس تعالت أصواتهم, وكانت أكثر الأصوات ضجيجًا ؛ راحت تتهم التعاليم الإسلامية بأنها سبب التخلف, وضعف الأمة! فصدق عليهم المثل العربي القائل :” رمتني ‌بدائها ‌وانسلت” وأطلق هؤلاء العنان لعقولهم القاصرة للانقضاض على أحكام الشريعة السمحة، والسخرية من تراث الأمة! كل ذلك تحت زعم التجديد! فقد غاب عن هؤلاء أن الدين الإسلامي بتعاليمه وأحكامه قادر على إسعاد البشرية, وبقائها, وقوتها, وسلمها, وأمنها، لقد أرادت هذه الأبواق عزل الدين عن الحياة وتوهموا أن العقل قادر على إدراك جميع الأشياء ! فتنادوا بمنهج جديد يُخضع القرآن الكريم للعقل خضوعًا كاملًا يستنبط منه ما شاء , ويرفض منه ما شاء ! أولئك الذين جعلوا من الغرب قبلتهم، ونظرياته بضاعتهم، ومن مستشرقيه قدوتهم, فطعنوا في القرآن الكريم, وكذبوا قصصه , وحروفه، كل ذلك تحت دعوى التجديد, ومواكبة العصر! واتهموا الإسلام ظلمًا أنه سبب التأخر عن الركب! وهاجموا الأزهر الشريف متهمين إياه بالجمود؛ وما زالت هذه الدعاوى الهدّامة والأصوات الشاذة تطل علينا بين الحين والآخر إلى يومنا هذا, ! ولما فشلت مخططاتهم تجاه الإسلام خرجوا علينا بحيلة جديدة, تارة باسم تجديد الخطاب الديني, وتارة باسم تعديل المناهج الإسلامية! و راح أدعياء التجديد دون خجل يعلنون أن تجديدهم المزعوم هو قتل كل قديم! بدعوى أن السابقين رجال ونحن رجال، حيث انصبت دعوتهم على ” تغيير الأفكار الإسلامية، وتغيير أصول العلوم الإسلامية رغبة مسايرة العصر الذي نعيش فيه وعابوا اعتماد المسلمين على أحكام قال بها الأئمة الفقهاء الأقدمون، وزعموا أنها أحكام بليت! وذهبت مع عصرهم كما بلى أصحابها ولا يمكن لعاقل أن ينكر حاجة الأمة للتجديد, ومواكبة العصر, لإبراز روعة هذا الدين , وإعجاز القرآن المبين , وسنة سيد المرسلين (). لكن تجديد أمر الدين لا يعني المساس بأصوله , والعبث بعقائده , وتشريعاته , بل يعني العودة إلى صحيح الدين والامتثال له, وبيان شمولية الإسلام , وقدرته على مواجهة كل مستجدات الحياة في كل زمان ومكان, وتجديد أمر ‌الدين يعنى تثبيت معالمه وعقائده وأحكامه ليظهر تميزها واختلافها عما سواها من الأديان المحرفة و النظريات المادية القاصرة، فلا يعني تجديده خلخلة أركانه, وزعزعة أصوله , لينسجم مع هذه أو تلك. و تجديد الخطاب الديني هو في الأساس بيان وسطية الدين الإسلامي, وانفتاحه على الآخر, وتصويب المفاهيم الخاطئة عن الإسلام , وتنقيح المناهج الإسلامية لا يعني أن نهمل, تراث أمتنا أو نتجاهله أو نهيل التراب على تاريخنا, فإن حاضر أي أمة ومستقبلها خاصة الأمة الإسلامية لن يستقيم بدون البناء على قديمها ووصله بحاضرها ومستقبلها. أما الدعوة إلى إعادة قراءة الإسلام قراءة جديدة, وتشويه تاريخ هذه الأمة باسم التجديد فهذا عبث وتلاعب بالمصطلحات, كما أن الدعوة إلى مثل هذا التجديد, الذي يهدف إلى المساس بأصول الإسلام هي دعوة خطيرة؛ لأنها دعوة تهدف إلى هدم الإسلام؛ بزعزعة أصوله والتحلل من أحكامه و تشريعاته, والثورة على تراثه! وهذا أمر خطير ينسف كل ما كان عليه أهل السنة والجماعة من الأصول التي أبقتهم على نهج النبي صلى الله عليه وسلم, لذا يجب الوقوف على معنى التجديد، وضوابطه، وحقيقة التجديد الذي يتفق مع الدين. والتأكيد على أن التمسك بثوابت الدين , وأصوله هو الحافظ لكيان الأمة وعليه مدارها، وأن المساس بهذه الثوابت , أو محاولة النيل منها هو مساس بروح الأمة , وعبث بدينها الحنيف

احمد حسن 2
احمد حسن 2


تعريف التجديد في اللغة:
قال ابن فارس في معنى الجديد ” الْجيم والدال أصول ثلاثة: الأول العظمة، والثاني الْحَظُّ، والثالث الْقَطْعُ، وقولهم ثَوْبٌ جَدِيدٌ، وَهُوَ مِنْ هَذَا، كَأَنَّ نَاسِجَهُ قَطَعَهُ الْآنَ. هذا هو الأصل ، ثُم سُمِّيَ كل شَيْءٍ لم تأت عليه الأيام جديدًا; ولذلك يسمى الليل والنهار الْجَدِيدَيْنِ وَالْأَجَدَّيْنِ ; لأن كل واحد منهما إذا جاء فهو جديد ” وجاء في لسان العرب “جدَّ الشيء يجد بالكسر جدة: صار جديداً، وهو نقيض الخَلَقِ. جددت الشيءَ أَجُدُّه، وثوبٌ جَدِيدٌ، وَهُوَ فِي مَعْنَى مجدودٍ، يراد به حين جَدَّهُ الْحَائِكُ أَي قَطَعَهُ. والجِدَّةُ: نَقِيض البِلى يقال : شيءٌ جَدِيدٌ، وَالْجَمْعُ أَجِدَّةٌ وجُدُدٌ و جُدَدٌ وأَصل ذلك كله الْقَطْعُ؛ فأَما ما جاء منه في غير ما يقبل القطع فعلى الْمِثْلِ بذلك كقولهم: جَدَّد الوضوءَ والعهدَ. وتجدَّد الشيءُ: صَارَ جَدِيدًا. وأَجَدَّه وجَدَّده واسْتَجَدَّه أَي صَيَّرَهُ جَدِيدًا وأَجَدَّهُ”
وقيل في تعريفه هو: ” إتيان بما ليس مألوفًا، وشائعًا كابتكار موضوعات، أو أساليب تخرج عن النمط المعروف، أو إعادة النظر في الموضوعات الرائجة وإدخال تعديل عليها بحيث تبدو مبتكرة لدى المتلقي”.
وأشير هنا أن هذا التعريف لا ينطبق على التجديد في أمر الدين. بل يمكن إطلاقه على صور التجديد المنحرف, الذي أراد أدعياؤه في تجديدهم إعادة النظر فيما هو مقطوع به, بأساليب بعيدة عن الأسس التي تستقيم وصحيح الدين , ومناهج عقيمة ما أنزل الله بها من سلطان وهذا لا يمكن تطبيقه في أمور الدين .
وبالتأمل في هذه التعريفات اللغوية لكلمة “جديد” يتضح أنها تدور حول إعادة الشيء إلى مثل حالته التي كان عليها, فقد جاء صريحًا أن الجديد: نقيض الخلق، ونقيض البلى وضد القديم. وعلى هذا فالتجديد يبعث في الذهن تصورًا تجتمع فيه ثلاث معاني متصلة:

  1. أن الشيء المُجدد قد كان في أول الأمر موجودًا وقائمًا وللناس به عهد.
  2. أن هذا الشيء أتت عليه الأيام فأصابه البلى وصار قديمًا.
  3. أن ذلك الشيء قد أُعيد إلى مثل الحالة التي كان عليها قبل أن يبلى ويخلق.
    معنى التجديد في أمر الدين اصطلاحًا:
    إنّ التجديد في أمر الدين لا يعني استبدال العقيدة بعقيدة, ولا تغيير الأصول بأصول, ولا تبديل المناهج الصحيحة بنظريات مشوّهة ، بل يعني تجديده علماً ، وعملاً, واقتداءً , و تعريفات العلماء للتجديد في أمر الدين جاءت متقاربة, تدور حول حفظ الدين والحفاظ على مقاصد النصوص فقد عرف العلقمي التجديد فقال: “إِحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسُنَّة والأمر بمقتضاهما” وقيل في تعريفه أنه: ” إعادة الدين على النحو الذي كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فينفي عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وغُلو المتنطعين، وعودة الناس إليه بالقبول والانقياد والتسليم والالتزام، والتطبيق” هكذا دارت تعريفات العلماء, والفقهاء للتجديد في أمر الدين , وجلها يدور حول بيان المقصد الشرعي للتجديد. من ضرورة إعادة ما اندرس من تعاليم الإسلام , والعودة بالأمة إلى صحيح دينها. وعلى هذا يمكن القول أن التجديد بمفهومه الشرعي تدور مقاصده حول أمور ثلاثة هي:
    الأمر الأول: إحياء ما انطمس من معالم الكتاب والسنة والعودة بها إلى مفهومها الصحيح، ودعوة الناس إليها وحثهم على العمل بها، وذلك بنشر العلوم الشرعية وإحيائها في قلوب الأمة، وتجديد علاقة الأمة بدينها.
    الأمر الثاني: تنقية الإسلام مما علق به, وقمع البدع والمحدثات, ومقاومة أهل البدع بالحجة المستمرة من صحيح الدين, فعين التجديد أن يقوم المجدد بإزالة البدع , ومقاومة أهل الفتن والأهواء بالحجة والدليل.
    الأمر الثالث: ربط الدين بالحياة, ووضع الحلول الإسلامية للمشاكل التي تطرأ في حياة البشر، فإن التجديد الذي تعهد الله به لأمر هذا الدين، يشمل تجديده من ناحية ما يتجدد من الوقائع، فالنوازل والوقائع تتجدد، والناس يبحثون فيها عن حكم الله، فيُخرج الله من يستنبط الحكم من القرآن ومن السنة، ويبينه للناس وكأنه أُنزل الآن , ولذلك يشترط في المجدد أن يملك ملكة الاجتهاد التي تؤهله للتعامل مع قضايا العصر المستجدة واستنباط العلاج لها من الهدي القرآني والسنة النبوية، ثم اجتهاده، وذلك كله ” بتطوير أساليب الخطاب وملائمته لأحوال المتلقين وحاجاتهم. فالاجتهاد لا يعني ترك النص أو تجاوزه كما يدعي البعض! إنما المراد به هو ” الفهم الجديد القويم للنص فهمًا يهدي المسلم لمعالجة مشكلاته وقضايا واقعه في كل عصر يعيشه معالجة نابعة من هدي الوحي كما يتضح أن الشيء الذي ينبغي التجديد فيه هو علاقة الأمة بدينها, وذلك بتمسكهم بصحيح الدين اعتقادًا ومنهجًا، وسلوكًا، وأخلاقًا، والتجرد مما طرأ من بدع وانحرافات، فمثل هذا التجديد هو ما يتفق مع كمال الدين المقطوع به في الذكر الحكيم، يقول تعالى :” ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٖ لِّإِثۡمٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيم” (سورة المائدة : الآية 3)
    ويمكن تحديد ركائز التجديد في الدين إجمالًا على النحو التالي:
  4. الاحتفاظ بجوهر القديم والإبقاء على خصائصه.
  5. ترميم ما بلى من القديم، وإحياؤه، ونشره بين الناس.
  6. إدخال تحسينات عليه لا تُغَّير من صفته ولا تبدل طبيعته
  7. تطوير آليات ووسائل الخطاب لعرض الدين ومقاصده.
    فالتجديد لا يعني تغيير طبيعة الدين، ولا الاستعاضة عنه بشيء آخر مستحدث مبتكر بل التجديد هو البناء على القديم, وربطه بواقع الأمة, وتنقية علاقة الناس بالدين , وإعادتهم إلى الدين كما بدأ نقيًا خالصًا, هذا هو التجديد الذي أناطه الله () بالمصلحين المخلصين من العلماء للدفاع عن الدين, وتنقيته مما علق به, أو طرأ عليه من أفعال الناس, وتوجيه الناس إلى هدي دينهم القويم!. أما دعاوى التجديد الذي يعبث بأصول الدين , وثوابته, ويجعل من الشريعة بحرًا تُلقى فيه نصوص الوحي , وتُهدر قدسيتها , وتؤول معانيها, ويُسخر فيه من اجتهادات السلف فهذا عبث وليس تجديدًا
    وعلى ضوء ما سبق يمكن تعريف التجديد في أمر الدين بأنه: إعادة الدين إلى حالته التي كان عليها وتنقيته مما طرأ عليه من البدع وتنزيل أحكامه على شتى المجالات بما يتفق مع الهدي الإلهي دون تغيير أو تبديل
    الضوابط التي يجب مراعاتها في أمر التجديد:
    إن التجديد في أمر الدين قضية شائكة تختلف من داع إلى آخر, فمصطلح التجديد يُستعمل اليوم للتوصل به إلى نقض بعض عرى الإِسلام تارةً، وإلى توهين بعضِ عراه الأخرى ولذلك وصف البعض قضية التجديد في أمر الدين أنها: ” قضية معقدة ومركبة منها المقبول ومنها المردود وتجديد أمر الدين منه: ما هو مقبول ومشروع ، ومنه ما هو مخالف مردود, وهذا يتوقف على مفهوم التجديد عند من يقول به, لذلك لا يمكن أن يترك أمر التجديد مباحًا بلا قيد أو ضابط, بل لا بد للتجديد من ضوابط وأسس يقوم عليها؛ وذلك لحماية الدين وأصوله من كيد الكائدين، الذين امتطوا شعار التجديد وغرضهم هدم الدين, و ما أكثر الذين يدعون بضرورة التجديد والهدف من دعواهم تجديد الأصول والمناهج في الدين! وهم بذلك يحسبون أنهم يحسنون صُنعًا، حتى أصبح مصطلح التجديد عند البعض كلمة حق يراد بها باطل. وكلمة ظاهرها الرحمة, وباطنها العذاب. وحيث اتضح أن الهدف الأسمى للتجديد بمفهومه الشرعي هو تنقية الدين من البدع، والانحرافات. فلابد للتجديد من ضوابط يجب مراعاتها, منها ما يلي

أمور العقيدة:
كالإيمان بالله تعالى والعبودية له، والإيمان بجميع أنبياء الله ورسله -عليهم السلام- فالأمور العقدية ليست مجالًا للتجديد أو التطوير تحت أي مبرر؛ فكل ذلك من ثوابت الدين التي يجب الإيمان بها، وهي ليست خاضعة لتجديد أو تغيير أو تطوير.
. الأمور الغيبية:
فجميع ما أخبر به النبي – صلى الله عليه وسلم- من الأمور الغيبية بنصوص صريحة لا تحتمل التأويل، فلا مجال للاجتهاد فيها أو التجديد , ومن هذا القبيل الأخبار المتعلقة بذات الله تعالى والملائكة، والجن، وأصل خلق الإنسان، والبعث، والنشر, والحساب, والجنة, والنار, وقصص الأنبياء -عليهم السلام- مع أقوامهم وغير ذلك من الأمور الغيبية هي أمور ثابتة لا اجتهاد فيها، وليست مجالًا للتجديد
المقاصد العامة للشريعة:
فالمقاصد العامة للشريعة الإسلامية وهي خمسة: (حفظ الدين، والنفس والعقل، والنسل، والمال) يقول الشاطبي :” فقد اتفقت الأمة , بل سائر الملل على أن الشريعة وُضعت للمحافظة على الضروريات وهي : الدين, والنفس , والنسل, والمال, والعقل, وعلمها عند الأمة كالضروري” لذا كانت مقاصد الشريعة أحد أهم موارد الاجتهاد والتجديد ” فالاجتهاد ينبغي أن تكون ‌مقاصد ‌الشريعة أساسه، وما الأدلة الاجتهادية كلها إلا راجعة للمقاصد، ذلك أن اعتبار جلب المصالح واستبعاد المفاسد هو الذي يحدو الفقيه إلى البحث عن الحكم المناسب، والتماس العلة. ؛ فالمقاصد هي الركن في بناء الصرح التشريعي كله , و مقاصد الشريعة هي التي تنير سبلنا؛ فنتبين على ضوئها التطور الحق، ونستمد منها مواقفنا من كل ما يَفِدُ علينا من تيارات أجنبية “
الأحكام الشرعية :
ومن هذا القبيل ما نصت عليه النصوص الصريحة من الأحكام المتعلقة بالعبادات، وأصول المعاملات، والزواج، والطلاق، والنسب، والميراث، والحدود , فذلك كله لا مجال للتجديد فيه أو الاجتهاد ، حتى لا تخرج أصوات ضالة تطالب بتغيير أحكام النكاح , والطلاق، أو أصوات تطالب بالمساواة بين الذكر والأنثى في الميراث، أو تنكر الحدود في الإسلام, وغير ذلك من الدعوات الضالة التي أراد أصحابها مسخ المفاهيم الإسلامية! فأي تجديد يصادم النص الشرعي, ومقاصده, أو يهدف إلى أي تغيير في الأحكام الشرعية الثابتة , أو إنكار لها, بزعم التجديد, فهذا أقل ما يوصف به أنه تحريف و تبديد,
الاختصاص في العلم:
فالاختصاص في العلم أمرٌ مهم في عملية التجديد، وما ابتليت الأمة وعمت الفوضى إلا باقتحام غير المتخصصين في مجال الدعوة، والتفسير, والحديث , والفقه, مع أن القرآن الكريم قد حسم ذلك قال تعالى:﴿ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُم ” (سورة النساء :الآية 83.) وعلى هذا يمكن القول : أن التجديد مطلب شرعي يؤتي ثماره إذا كان محاطًا بالضوابط والشروط الشرعية, وفي القلب منها الاعتصام بالكتاب والسنه النبوية وعدم الخروج عن إجماع الأمة, لكون الإجماع حجة , فإن فُقدت هذه الضوابط أصبح التجديد منحرفًا ويمكن القول عند أدعيائه في العصر الحديث, فهو محاولة الانقياد الأعمى للحضارة الغربية وتطبيق نظرياتها المادية التي ظهرت أول ما ظهرت للحد من قيود رجال الدين المسيحي على نصوص الكتب المقدسة ومحاولة قطع علاقة المسيحيين بالكنيسة في روما ومن ثم القضاء على مرجعية تلك الكنيسة في تفسير النصوص المقدسة ومنذ القدم سعى أعداء الإسلام إلى إضعاف القيم الإسلامية، وتمجيد القيم الغربية المسيحية، فجاءت كتابات المستشرقين مليئة بالحقد الدفين على الإسلام ودعوته، ونبيه الكريم ()!ورغم فشل الاستشراق في ذلك إلا أنه استطاع الغرب أن يُغري من أبناء هذه الأمة من يروج لأجنداته ونظرياته، وأطروحاته, وتأبى نفوسهم أن تسلم بكثير من عقائد الإسلام، حيث تحمس بعض دعاة العلمانية العرب لكل ما في الغرب أو أغلبه، بما في ذلك العلوم الحديثة ومناهجها ونظرياتها ، حتى تلك التي تتعارض بوضوح مع ديننا وعقيدتنا، ولم يفرقوا بين الصحيح منها والفاسد، بل منهم من زعم أهمية إعادة النظر في الدين حتى يتوافق مع العلم الحديث! على أن المقدم عندهم هو العلم بلا منازع، ولم ينظروا إلى الدين إلا من أجل تلبية احتياج الجماهير للدين , أو أنّ الدين يخص الجانب الروحي والأخلاقي، وفيهم الغالي الذي يرى أهمية تجاوز الدين والاكتفاء بالعلم؛ لأنّ الدين بزعمه كان يمثل مرحلة الخرافة التي تمّ تجاوزها إلى عصر العلم! فظهرت طائفة من المنتسبين زورًا إلى الدين الحنيف, انبهروا بالحضارة الغربية, ونظرياتها! فتنادوا بما أسموه تجديد{ الفكر الإسلامي } ولهذا التجديد المنحرف الذي يلج بابه من لا يعرف ضوابط التجديد وشروطه الشرعية أخطار عظيمة على الدين ؛ حيث تكمن خطورة هذا ‌التجديد ‌المنحرف في كونه يحدث في الدين ما ليس منه، ويحرف ما هو منه، كما أنه يؤدي إلى فصل حاضر الأمة عن ماضيها، وينسب النقص إلى الدين الحنيف
وتبدو أهداف هذه الدعاوى المغرضة من التجديد بوجه عام واضحة ومنها:
. فصل الدين عن الحياة فالدين هو حجر العثرة أمام ما تصبوا إليه أنفسهم. ’,
والطعن في القرآن الكريم وذلك بإنكار أزليته واعتباره مخلوقًا متشكلًا مع الواقع فقد فاق هذا التيار العلماني المعتزلة في شطحاتهم, فبينما زعم المعتزلة خلق القرآن لله ! يشطح أدعياء التيار العلماني بالقول :أن القرآن مخلوق للواقع وهذا وذاك محض افتراء وضلال وبهتان , كما أن من أهدافهم زعزعة العقيدة في نفوس المسلمين، والتشكيك في ثوابت الدين, وتمييع العقائد الإسلامية! والانقضاض على أحكام الشريعة السمحة كالطعن في الحدود، وإلغاء أحكام الإرث، وتعديل قوانين الأحوال الشخصية، والمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة, وإباحة السفور, والدعوة إلى تحرير المرأة , فأحكام الشريعة في زعم هؤلاء, قابلة للتغيير حسب تغيير الزمان والمكان, دون تفريق بين الثابت منها, وبين ما يمكن الاجتهاد فيه بضوابط الاجتهاد. واستبدال المناهج الإسلامية بمناهج غربية بزعم التطور , و خلط الحق بالباطل. وهدم التراث الإسلامي والتقليل من اجتهادات السلف, وإسقاط الأساليب الغربية في دراسة التراث .
إن التجديد المنشود الذي تحتاج إليه الأمة هو العودة إلى صحيح الدين , والبناء على ما تركه السلف رضي الله عنهم , دون المساس بثوابت الدين , وأصوله ووجوب التفريق بين الاحكام الشرعية القابلة للاجتهاد بضوابط الاجتهاد وشروطه , وبين الأحكام الشرعية الثابتة بنص قطعي لا يمكن الاجتهاد فيه .وغير ذلك هو عبث ومساس بالدين يجب التصدي له ولكل من يقف خلفه .

د / محمد أحمد حسن أبو طعلز
مدرس التفسير المساعد .
بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بقنا – جامعة الأزهر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى