آخر الاخباراتصالات و تكنولوجيااقرأ لهؤلاء

د. محمد أحمد حسن يكتب: خطورة الاحتكار في الإسلام

بوابة الاقتصاد

إن الممارسات الاحتكارية التي يقوم بها بعض التجار للإضرار بالناس في أقواتهم . وإثارة الفتن في المجتمع , بهدف الربح الفاحش , تعتبر من أخطر الممارسات التي تتم داخل الأسواق , لما لها من إثار سلبية تضر بالمجتمع , خاصة الطبقة الفقيرة منه , لذلك حارب الإسلام الاحتكار الذي يؤدي إلى الضرر بمصالح الناس وأقواتهم ,ووضع الإسلام في الوقت نفسه العلاج الإسلامي لهذه الممارسات . والاحتكار في اللغة هُوَ: الْحَبْسُ. وَالْحُكْرَةُ: حَبْسُ الطَّعَامِ مَنْتَظِرًا لِغَلَائِهِ، وَهُوَ الْحُكْرُ، وَأَصْلُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْحَكَرُ، وَهُوَ الْمَاءُ الْمُجْتَمِعُ، كَأَنَّهُ احْتُكِرَ لِقِلَّتِهِ., وفي لسان العرب:” الحَكْرُ: ادِّخارُ الطَّعَامِ للتَّرَبُّضِ، وصاحبُه مُحْتَكِرٌ, الاحْتِكارُ جَمْعُ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُؤْكَلُ واحتباسُه انْتِظارَ وَقْتِ الغَلاء بِه”
أما الاحتكار عند الفقهاء: قال بعض الحنفية:” هو أن يشتري من مصره الطعام، فيحتكره عليهم”

. محمد حسن
. محمد حسن


وعرفه الباجي من المالكية بقوله: “الاحتكار: هو الادخار للمبيع، وطلب الربح بتقلب الأسواق” وعرفه الشيرازي من الشافعية بقوله: أن يبتاع في وقت الغلاء، ويمسكه ليزداد في ثمنه”” وقال النووي :”هو أن يشتري الطعام في وقت الغلاء للتجارة، ولا يبيعه في الحال بل يدخره، ليغلو ثمنه، فأما إذا جاءه من قريته، أو اشتراه في وقت الرخص، وادخره، أو ابتاعه في وقت الغلاء، لحاجته إلى أكله، أو ابتاعه ليبيعه في وقته فليس باحتكار”, وعرفه البهوتي من الحنابلة في شرح منتهى الإرادات: “الشراء للتجارة وحبسه، مع حاجة الناس إليه في قوت آدمي” وهذه التعريفات للاحتكار عند الفقهاء تدل على مفهوم الاحتكار الذي كان سائدًا في تلك العصور، وأنه غالباً ما كان يجري في الأقوات، نظراً لبساطة تكاليف الحياة، ومتطلبات المعيشة، إلا أنها لا تصلح أن تكون تعاريف للاحتكار الحديث الذي اتسع مفهومه, وأصبحت له طرقه الملتوية , وفنونها المختلفة في الإضرار بالناس , حيث امتد إخطبوط الاحتكار ليهيمن على مناحي الحياة، بما فيها من أقوات، وأعمال، ومنافع!
وعرف البعض الاحتكار في العصر الحديث أنه :هو حبس مال، أو منفعة، أو عمل، والامتناع عن بيعه، وبذله، حتى يغلو سعره غلاء فاحشاً غير معتاد، بسبب قلته، أو انعدام وجوده في مظانه، مع شدة حاجة الناس أو الدولة أو الحيوان إليه” وهذا التعريف الأخير يتضح منه ما يلي :
أن الاحتكار يكون في الطعام وغيره, وحبس ما يحتاج إليه الناس .بل يشمل جميع ما يحتاج إليه الناس من طعام وشراب ومسكن ودواء ومنفعة عامة . وجميع ما تقوم به مصلحة الدولة وجب تحصيله.
وضح هذا التعريف العلة في تحريم الاحتكار وهي عنصر الحاجة , فليس كل ظرف من الظروف يكون فيه حبس الأشياء احتكارًا
وعلى هذا يمكن تعريف الاحتكار أنه : حبس ما يلحق الضرر بالمجتمع من حبسه سواءً كان طعامًا أو غيره .
والحكمة في تحريم الاحتكار: دفع الضرر عن عامة الناس، كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند شخص طعام، واضطر الناس إليه، أجبر على بيعه. قال ابن القيم: ولهذا كان لولي الأمر أن يُكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند الضرورة إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه، والناس في مخمصة، أو سلاح لا يحتاج إليه، والناس محتاجون إليه للجهاد أو غيره.
وأهم أسباب تحريم ‌الاحتكار ‌في ‌الإسلام, الإضرار بمصالح الناس حيث تحبس سلعة يحتاج إليها المسلمون حتى وقت الحاجة الشديدة إليها وخلو السوق منها الكسب في حالة الاحتكار يتحقق بالانتظار، وهو كسب حرام فهو كسب يشبه الربا, , لذلك حرم الإسلام الاحتكار ؛ لما فيه من الجشع، والطمع، والتضييق على الناس، فمن احتكر فهو خاطئ. عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِاللهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ».(رواه مسلم) وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” ‌المحتكر ‌خاطئ والجالب مرزوق “( رواه مسلم ) , والمحتكر إن كان يجمع السلعة لا ليبيعها عند الموسم، ولكن عندما يصبح الناس بحاجة إليها، فإذا أمسكها حتى أصبح للناس فيها حاجة، وضمن بها فلم يخرجها، واشتدت حاجة الناس إليها وكانت السلعة من الأشياء الضرورية كمواد الغذاء أو الألبسة، أو ما هو ضروري لحياة الناس، كأن اختزن الدقيق، أو السمن، أو التمر، أو الأرز، ليضيق على الناس , في البلد، يريد أن يكون هو صاحب الامتياز، والمتحكم في السوق، فيأتي يتحكم بأسعار السلعة في السوق على ما يشاء. ففي هذه الحالة يثبت عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (‌المحتكر ‌خاطئ) ، والخاطئ غير المخطئ، فالمخطئ الذي لم يتعمد الذنب، ولكن الخاطئ هو المتعمد قال تعالى: {لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:37] ، (الخاطئون) ولم يقل: (المخطئون) ، فهذا المحتكر آثم؛ لأنه يتحكم في حاجيات الناس عن قصد، ففي هذه الحالة يتفق العلماء على أن لولي الأمر أن يتدخل بإلزامه بإخراج السلعة، ويبيع بما لا ضرر فيه ولا ضرار, وما ورد من أحاديث نبوية في التحذير من خطورة جريمة الاحتكار كفيل بغرس الوازع الديني الذي ينهى عن هذه الجريمة التي تضر بمصالح المجتمع , وتضر باقتصاده ,فالاحتكار جريمة كبرى و صورة من صور الانحراف عن المنهج الاسلامي الاقتصادي الصحيح الذي يكفل للمجتمع السلم والأمان . وقد وضع الإسلام مجموعة من الضوابط في سبيل مواجهة المشكلات الاقتصادية أهمها: كثرة الجلب أو استيراد السلع تطبيقًا لقانون العرض والطلب الذي عرفه المسلمون قبل الغرب بعدة قرون. وقد لجأ عمر بن الخطاب إلى الإكثار من الجلب من الأقاليم الإسلامية الخصبة خلال عام الرمادة – فقد أرسل إلى عمرو بن العاص والى مصر يقول له: “الغوث الغوث” فأجابه عمرو: “ستكون عير أولها عندك وآخرها عندى” , ومنها : منع الاحتكار بأن تباع السلع المحتكرة جبرًا عن صاحبها بالسعر لذا يتوجب على الدولة التدخل لحماية أفرادها من هذه الجريمة التي يقوم بها تجار جشعون , أشبه بمصاصي دماء الشعوب , وذلك بوضع الضوابط السليمة , والإجراءات والتدابير اللازمة لقطع دابر المتحكرين وضبط الأسواق, وإعادة الثقة لأفراد المجتمع خاصة ونحن نستعد لاستقبال شهر رمضان الكريم .
والله من وراء القصد
د / محمد أحمد حسن
مدرس التفسير المساعد
كلية الدراسات الإسلامية والعربية – بقنا – جامعة الأزهر .

زر الذهاب إلى الأعلى