د. محمد حامد سعيد يكتب: دور الأخلاق في حماية العقيدة الإسلامية (2)
بوابة الاقتصاد
بقلم : أد/محمد حامد محمد سعيد – الأستاذ بجامعة السلطان عبدالحليم معظم شاه الإسلامية العالمية يوني شمس (UniSHAMS) – ماليزيا
تكملة للمقال السابق والمنشور على بوابة الاقتصاد بتاريخ 1 مارس 2023م
ثانيًا: حُسن التوكل على الله تعالى:
إن حُسن التوكل على الله تعالى أدب هام، وخلق عال، ودليل واضح على رسوخ العقيدة في قلب العبد المسلم وثباتها، وأنه سبيل من سُبل حمايتها فقد قال الله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}الطلاق:3، وأورد الترمذي في سننه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، يقول:”لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله، لرزقتم كما ترزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا”،
ان حُسن التوكل يقتضي:”أن تأخذ بكل الأسباب المشروعة المتاحة، مع تعلق القلب بالله وحده، فترك الأسباب طعن في التشريع، والاعتماد على الأسباب وتعلق القلب بها طعن في التوحيد”، إن الأخذ بالأسباب المشروعة مع تعلق القلب برب الأسباب لهو الدليل الواضح على ثبات ورسوخ العقيدة، أما ترك الأسباب وعدم الأخذ بها فهو نقص في عقيدة المسلم وخلل في ذاته، ولذا لما نقرأ القرآن الكريم نرى قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[الملك:15]، نرى أن الله تعالى جعل لنا الأرض ذلولاً مذللة ممهدة سهلة ميسرة لنبى البشر لتعميرها وإصلاحها وهذا في حد ذاته أخذ بالأسباب مع ترك النتائج على الله تعالى، وفي شُعب الإيمان للبيهقي عن الإمام أحمد:”وجُمْلَةُ التَّوَكُّلِ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إِلَى اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَالثِّقَةُ بِهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَصَائِرِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ قَائِلُونَ: التَّوَكُّلُ الصَّحِيحُ مَا كَانَ مِنْ قَطْعِ الْأَسْبَابِ فَإِذَا جَاءَ السَّبَبُ إِلَى الْمُرَادِ نَفَعَ التَّوَكُّلُ، وَقَالَ آخَرُونَ: كُلُّ أَمْرٍ بَيَّنَ اللهُ لِعِبَادِهِ طَرِيقًا لِيَسْلُكُوهُ إِذَا عَرَضَ لَهُمْ فَالتَّوَكُّلُ إِنَّمَا يَقَعُ مِنْهُمْ فِي سُلُوكِ تِلْكِ السَّبِيلِ، وَالتَّسَبُّبُ بِهِ إِلَى الْمُرَادِ؛ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ مُتَوَكِّلِينَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَنْ يُنْجِحَ سَعْيَهُمْ وَيُبَلِّغَهُمْ مُرَادَهُمْ كَانُوا آتِينَ الْأَمْرَ مِنْ بَابِهِ، وَمَنْ جَرَّدَ التَّوَكُّلَ عَنِ التَّسَبُّبِ لِمَا جَعَلَهُ اللهُ سَبَبًا فَلَمْ يَعْمَلْ لِمَا أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَأْتِ الْأَمْرَ مِنْ بَابِهِ”، إذا فالتوكل على الله تعالى طريق للعقيدة الصحيحة السليمة في قلب العبد المسلم، أيده القرآن الكريم والأحاديث النبوية وآثار من كلام التابعين منهم سعيد بن جُبَير حين قَالَ: التَّوَكُّل على الله نصف الْإِيمَان، وحين نقرأ كلام ابن القيم عن حُسن التوكل على الله تعالى مع الأخذ بالأسباب نراه يقول:”تضمنت الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات، وإبطال قول من أنكرها والأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعًا، وأن تعطيلها يقدح بمباشرته في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى من التوكل، فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلاً للأمر والحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ولا توكله عجزًا”.
وللحديث بقية عن دور الأخلاق في حماية العقيدة الإسلامية –إن شاء الله تعالى-