آخر الاخباراتصالات و تكنولوجيااقرأ لهؤلاء

د.عادل محمد عبدالقادر يكتب: ينابيع التكافل والإغاثة في التشريع الإسلامي

بوابة الاقتصاد

من أعظم القيم التي أرساها الإسلام في المجتمع واعتبرها أسًا وركنًا ركينًا من أعمدة بنائه هو التكافل بين أبنائه وتضامنهم فيما بينهم، الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم أجمع بالطبع ألقت بتداعياتها السلبية علي كافة الشعوب سواء كانت متقدمة أم نامية متمثلة في الارتفاع الجنوني للأسعار علي مستوي كل السلع والمستلزمات الحياتية المختلفة..

محمد عبدالقادر
محمد عبدالقادر

من هنا تظهر أهمية التكافل الاجتماعي لدعم المحتاجين وقت الأزمات. يقصد بالتكافل المجتمعي: تَحَمُّل القادرين في المجتمع أعباءَ ومسئوليات العاجزين فيه، وتخفيف معاناتهم، والتيسير عليهم، وتفريج كرباتهم وضوائقهم. تتعدَّد الينابيع التي تُغَذِّي جانب التكافل والإغاثة في التشريع الإسلامي، وهذا شيءٌ طبيعي؛ لأنَّ الإسلام لم يكن لِيَحُثَّ على التكافل والتعاون والإغاثة دون أن يُوجِدَ القنوات التي من خلالها يستمرُّ الدعم، ومن هذه المنابع المتجدِّدة التي حرص الإسلام عليها، وجعلها كفيلةً ببقاء التكافل والإغاثة واقعًا عمليًّا في المجتمع: الزكاة، والصدقة، والوقف، والنذور، والكفَّارات، والأضاحي.

وقد يظن البعض أن هذه الأعمال من الفضائل فقط، وهذا فهم خاطئ، فهذا تكليف شرعي يصل في بعض أحواله إلى درجة الفرض، وفقدانه يقدح في الإيمان، وهو ما يمكن الوقوف عليه فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث ينفي فيها الإيمان أو كماله عن أشخاص ربما كان لهم حظ ونصيب وافر في التدين الظاهري لكن تحجرت قلوبهم فلم تلن لرؤية جائع ولا لتأوهات مريض ولا لفزعة مكروب، أخرج البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع)، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لقد أتى علينا زمان، أو قال حين، وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم، ثم الآن الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة، يقول: يا رب هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه وفي توجيه نبوي للأمة يحذر فيه أصحاب الفوائض والمدخرات من الضن بمالِهم على المحرومين والعجزة وأصحاب الفاقة فيأمر كل صاحب فضل في ماله ومركبه وملبسه وغيره أن يجود بفضل ما عنده على هؤلاء، وهو ما أخرجه مسلم وغيره عَنْ أَبي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: (بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفر مَعَ اَلنبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، إِذْ جَاءَ رَجُل عَلَى رَاحِلَة لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالاً، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْل مِن زَاد فَليَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ، قَالَ: فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ اَلْمَالِ مَا ذَكَر، حَتُّى رَأَيْنَا أَنَهُ لاحق لأَحَدٍ منا فِي فَضْل وهذا الحديث الشريف يفتح الباب على مصراعيه للتكافل المجتمعي بحيث يغلق الباب على بعض المتقاعسين عنه بحجة أنهم لا يملكون ما لا يكفلون به غيرهم، فالحديث يذكر أصنافا من الفضل في الطعام والشراب، واللباس، والمركب، والعلم، والطب، والدواء، والسكن وغير ذلك مما لا حصر له من كل ما تشتد إليه حاجة المحتاجين.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ) يعلمنا الحديث الشريف أن من أسباب رفع البلاء على شخص أو أمة أو البشرية كلها: تراحم الناس بعضهم بعضًا، وتكافلهم فيما بينهم. الزكاة: تُعَدُّ الزكاة المنبع الأساسي الأوَّل لتغطية جانب التكافل والتعاون والإغاثة، لذلك تقوم الدولة عليها، وتوفِّر لها نظامًا إداريًّا خاصًّا بجمعها وتصريفها في مصارفها الخاصَّة؛ فهي الفريضة الثالثة من فرائض الإسلام، والزكاة تُطَهِّرُ نفس صاحبها وتزكِّيه؛ فهي منفعةٌ له قبل أن تكون منفعةً لمن تُنفَق عليه، قال الله عز وجل: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]. وما مِن شكٍّ أنَّ الزكاة كما تَنْزِع من نفس المزكِّي الحرصَ والبُخْلَ والشُّحَّ؛ تَنْزِعُ كذلك من نفس الفقير والمحتاج والمستحقِّ للزكاة الحقدَ والضغينةَ والبُغْضَ للأغنياء وأصحاب الثراء، وتُوجِدُ جَوًّا من الألفة والمحبَّة والتعاون والتراحم بين أفراد المجتمع الذي تُؤدَّى فيه هذه الفريضة العظيمة .

وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَى أَغْنِياءِ المُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِم قَدْرَ الذِي يَسَعُ فَقَرَاءَهُم، وَلَنْ يَجْهَدَ الفُقَرَاءُ إِلا إِذَا جَاعُوا وَعَروا مِمَّا يَصْنَعُ أَغْنِياؤُهُم، أَلا وَإِنَّ اللهَ مُحَاسِبُهُم يَومَ القِيامَةِ حَسَابًا شَدِيدًا وَمُعَذِّبهم عَذَابًا أَلِيمًا) تتعدَّد موارد الزكاة في الإسلام لتشمل الموارد الطبيعيَّة كالزروع والثمار، وكذلك الثروة المعدنيَّة، وما يخرج من باطن الأرض كالركاز والبترول في العصر الحديث، ويدخل العمل الكسبي ضمن موارد الزكاة ويُطلق عليه الموارد الكسبية؛ كالتجارة، والمهن الحرَّة، وكسب العمل الوظيفي، والمبادرات التي تقوم بها الدولة مثل مبادرة “حياة كريمة” لتوفير حياة كريمة للأسر والفئات الأولي بالرعاية والأكثر احتياجًا. فهي من المبادرات التي ساهمت في التخفيف عن الفقراء وتدخل في دائرة التراحم والرحمة والتي قصدها الإسلام قصدا من خلال إيجاد مؤسسات تقوم علي هذه المعاني لأنها ستؤدي إلي الرفق بالمواطنين وتخفيف العبء عنهم .

= . .جامعة السلطان عبدالحليم معظم شاه الإسلامية العالمية unishams

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى