د. صلاح عبدالجابر يكتب: هل كان النبي لا يعرف القراءة والكتابة وهل تعلم على يدي ورقة بن نوفل؟
بوابة الاقتصاد
من الافتراءات التي الصقت بالنبي محمد انه حسب ادعاء البعض كان جاهلا لا يعرف الكتابة ولا القراءة مستدلين على ذلك بجزء من الآية الكريمة (158) من سورة الاعراف : (( … النبي الأمي الذي يؤمن بالله …)) أي أنهم يجزمون بأن النبي لا يقراً ولا يكتب، كما استدلوا بقول النبي عندما قال له ملاك الوحي وهو في غار حراء (اقرأ) فيدعون انه قال ما أنا بقارئ ، فهذا غير محتمل فيفترض الإجابة لا أعرف القراءة أو ما أقرأ وهي نفي لمعرفته بالقراءة أو استفهام وليس ما أنا بقارئ، وهي الجملة التي يعرف أي دارس مبتديء للغة العربية أن ما هي نافية والجملة تفيد أن النبي رد عليه بانه يرفض القراءة والتلاوة خلفه، كما أن هذا محال عقلاً فكيف يكون أعلم وأتقى الخلق لا يقرأ ولا يكتب، أي أنه إنسان جاهل، وكيف يستقيم هذا المنطق مع الآية القرآنية الكريمة رقم (2) من سورة الجمعة : (( هو الذي بعث في الأميين رسول منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)) والسؤال هنا لو كان النبي امياً وحاشاه فكيف يبعث الله امياً للأميين ليعلمهم الكتاب والحكمة، فهذا محال عقلاً وشرعاً ويعتبر من باب العبث.
والمقصود بالأميين في الأية الكريمة غير اليهود من العرب وغيرهم فكان اليهود يسمون غيرهم الأميين أو الاممين أي غير اليهود، ولذلك فمحمد أمي نسبة إلى الأمم الأخرى غير اليهود، وليس أمي بأنه يجهل القراءة والكتابة، وكيف يستقيم أن يكون محمد جاهلا وجده عبدالمطلب كان زعيم قريش وحاكم مكة، وهو الذي تولاه بالتربية والتنشئة بعد أن توفي ابنه عبدالله والد محمد، وقد كان فتيان قريش وابنائها ممن هم دونه في المنزلة – فهو حفيد زعيم مكة وحاكمها- يتعلمون ويعرفون القراءة والكتابة وكانت مكة تهتم بهذه الأمور أشد الاهتمام نظرا لحاجتها لهذه الأمور في التجارة وهي نشاطها الأساسي الذي تعتمد عليه حياتها، ومن الضروري لكل تاجر أن يكتب ما له عند غيره من مال وما عليه من أموال للغير، وإلا فان تجارتهم سوف تنتهي الى الخراب والبوار، فكيف إذن لزعيم مكة أن يترك حفيده المحبب إلى نفسه جاهلا دون أن يعلمه القراءة والكتابة مثل غيره من فتيان مكة.
وقد كان عبدالمطلب بن هاشم حريصا على تنشئة محمد مثله مثل غيره من أطفال قريش فيعطيه لبني سعد وهم من القبائل البدوية حتى ينشأ محمد في صباه فصيحا وحتى لا تؤثر على نطقه للعربية الفصحى لحن القول في مكة وهي المدينة التجارية الممتلئة بالناس من العرب والعجم، وقد قال الرسول الكريم عن نفسه :”وأوتيت جوامع الكلم”، كما قال :”أنا أفصح العرب بيد أني من قريش واسترضعت في بني سعد” فكيف يكون أفصح العرب ومن أوتي جوامع الكلم جاهلا لا يقرأ ولا يكتبـ وكيف لعبدالمطلب الذي يجيد القراءة والكتابة كما كان ابناؤه كلهم يجيدون القراءة والكتابة أن يترك محمدا دون أن يعلمه؟
أذن فقد تعلم محمد الفصاحة في صغره وطفولته من البدو في بني سعد، مثله مثل غيره من أطفال كبراء مكة، وعندما عاد الى مكة بعد هذه الفترة وكان قد بلغ عشر سنوات أو قليلا عاد ليتعلم مثل غيره القراءة والكتابة بالحروف السوريانية الآرامية والتي كانت تكتب بها مكة وتعرفها وتتعامل بها، وكما يقول أهل اللغة اللغة العربية هي مكسور السوريانية الآرامية والتي هي لغة العرب شمال الجزيرة من الأنباط، ورغم أن هذه الفترة من عمر النبي لم يكتب أهل السير فيها إلا أقل القليل عن محمد الصبي ثم الفتي، إلا أنه من المؤكد أنه عاش حياته مثل غيره من صبيان وفتيان مكة فتعلم القراءة والكتابة مثل غيره ثم عمل بالرعي بعد وفاة عبدالمطلب وتوزعت ثروته بين ابنائه ومنهم أبو طالب الذي تكفل بمحمد بعد جده عبدالمطلب، وقد عمل بالرعي لأن أبا طالب كان كثير العيال قليل المال رغم أنه كان زعيم بني هاشم بعد وفاة عبدالمطلب أي أنه زعيم قبيلته من بني هاشم، وإن كانت زعامة مكة كلها قد انتقلت من بني هاشم الى بني أمية في شخصية أبو سفيان بن حرب.
ثم يأتي دور عمه أبو طالب ليعلمه مثل غيره أساليب التجارة ويأخذه معه في رحلاته التجارية في رحلتي الشتاء والصيف إلى الشام واليمن وربما غيرهما، فهو قد أخذ حقه من الاهتمام به وتنشئتى مثل غيره من ابناء أبي طالب وجميعهم يعرفون القراءة والكتابة ومنهم الشعراء والفصحاء كعلي وجعفر وغيرهما من أبناء أبي طالب.
ثم تعرف النبي بخديجة بنت خويلد التي كانت تعرف القراءة والكتابة وبل وتعرف الديانات والثقافات الأخرى فهي تعمل بالتجارة وابن عمها ورقة بن نوفل قسيس مكة او بطريرك مكة والذي كان على المذهب النسطوري المنتشر في وقتها في الشام والجزيرة العربية، فالعرب لم يكونوا جاهلين قبل الإسلام إنما فيهم المثقفون والشعراء البارعون والذين لا يهتمون بشؤون مناطقهم والمناطق المحيطة بهم فقط بل كانوا يتناقلون أخبار الفرس والروم وهما الامبراطوريتين اللتين تحيطان بهما وتفرضان سيطرتهما على مناطق في الجزيرة العربية ومنها شمال الجزيرة وشرقها وجنوبها في اليمن، وهما امبراطوريتان لديهما علوم كثيرة وليس القراءة والكتابة فقط.
ولا شك أن النبي قد التقى خلال سفرياته الكثيرة مع عمه أبو طالب بأناس من هذه البلاد وتعامل معهم واحتك بهم وتعلم منهم الكثير وهو المتطلع منذ صغره لأن يكون له شأن عظيم سواء كان ذلك زعامة عائلته من بني هاشم في أقل تقدير أو زعامة قريش كجده عبدالمطلب، أو حتى النبوة ليكون زعيما للعرب وليس لقريش وحدها، وقد جاء في كتب السير حديث بحيرى الراهب الذي التقي بقافلة لقريش فيها أبو طالب وابن أخيه محمد في صحارى الشام ويقال أنه تنبأ لمحمد بأنه نبي هذه الأمة ونصح أبو طالب بأن يرجع به الى مكة حتى لا يصاب بضرر، وهو في هذا الوقت قد بلغ عمره عشرين عاما أو ازيد قليلا، فكيف يتركون هذه الشخصية الفريدة في بني هاشم دون تعليم يتركونه جاهلا دونا عن بقية ابنائهم الذين يتعلمون؟
وقد تعرف النبي محمد بخديج قبل أن يتزوجها بعام أو عامين أو ثلاثة وعمل لديها في تسيير تجارتها والتجارة لها ثم تزوجها كما يقول الرواة في عمر الخامسة والعشرين وكانت هي في عمر الاربعين أول أقل قليلا، وكانت قد تزوجت قبله برجلين وأنجبت منها لكنها تعلقت بمحمد وأحبته حتى يقال أنها هي من بعثت إليه بجاريتها أو قريبة لها تعرض عليه الزواج منها، وكان أن قبل طلبها، فهي سيدة الأعمال كما يقال في أيامنا وصاحبة الثروة الكبيرة كما كان يقال في قريش أيامها، ثم هي تهب إليه مالها كله بعد الزواج وتحرم أبنائها الذكور الذين أنجبتهم من زوجيها السابقين من هذا المال، فلا يعود للعمل بالتجارة والكد فيها بعد الزواج كما كان قبله، وإنما يتفرغ للتعلم والعلم من الحنفاء المنتشرين في مكة وحولها حينا، ومن ورقة بن نوفل الأسدي قسيس مكة الذي يتبع المذهب النسوري وابن عم خديجة والذي كان لديه ترجمة للتواراة والانجيل وكتب اليهود والنصارى، فقد كانت العلاقة بين خديجة وزوجها النبي المحبب إليها والمدلل عندها وابن عمها ورقة بن نوفل قوية يتزاورن ويسمرون وكان بيت ورقة يشبه الكنيسة ولديه أتباع في مكة منهم عبيد روميين نصارى على المذهب النسطوري والذي هو بالمناسبة يشبه أو يتوافق مع نظرة المسلمين الى المسيح وأمه مريم حتى أن المؤرخون وكتاب التاريخ من المسلمين المتأخرين يطلقون على مؤسسه ولي الله عبدالله نسطور، ولا شك ان النبي قبل البعثة وهو الرجل الذي لا يرضى بما يؤمن به أغلب اهل مكة من عبادة الأوثان والأصنام ويبحث عن العبادة الصحيحة لله، فيبحث حينا على ذلك بين الأحناف ثم عند هذا القسيس النسطوري ورقة بن نوفل، ولا شك أن ورقة بن نوفل مثله مثل غيره من القساوسة والمبشرين يبشرون بالمسيحية على المذهب النسطوري والمسيحية ديانة تبشرية تسعى لهداية العالم وتحرص على ذلك أشد الحرص.
ولا نشك في النبي وهو الرجل الذي لمعرفة الله والتعبد له عبادة صحيحة اتخذ في هذه الفترة ورقة بن نوفل معلما له، وقد وجد فيه ورقة بن نوفل تلميذا نجيبا حريص على التعلم والتفقه في التوراة والانجيل وغيرها من كتب اليهود والنصارى الموجودة لدى ورقة والمترجمة للعربية، ثم إن ورقة يطمع في أن يكون محمد خليفته على كنيسة مكة، وهذا الرأي ليس فيه تشكيك في نبوة الرسول محمد فقد كان جميع الانبياء من بني إسرائيل يقرأون ويكتبون ويتعلمون توراة موسى وأسفار الأنبياء الذين سبقوهم ثم هم يضيفون إليها أسفارهم الخاصة بعد أن يتعلموا ويتفقهوا في الأسفار السابقة عليهم.
ولا نشك أيضا في فترة تلمذة وتعلم النبي محمد من ورقة بن نوفل قد بلغت على أقل تقدير 15 عاما هي فترة زواجه من خديجة قبل البعثة وقد تزوج خديجة وهو عمر 25 عاما ثم بعث وهو عمر الأربعين عاما، فالفترة التي تعلم فيها من ورقة بن نوفل تبلغ 15 عاما ولا نجد في كتب السير والحديث أن النبي محمد قد استأنف عمله بالتجارة فيها بعد زواجه من خديجة وإنما تفرغ للعلم والتعلم على دى ورقة ثم للتحنث والتعبد في غار حراء في جبال مكة في شهر رمضان من كل عام بعيدا عن الزحام وهو فعل لا يزال الرهبان يفعلونه حتى اليوم، وقد تعلم الصلاة التي هي دعاء عند النصارى كما تعلم الصوم في هذا الوقت وكانت زوجته خديجة ترسل له الطعام والشراب في الغار مع خادمها ميسرة.
ولا نشك أيضا أن محمدا ظل مواظبا قبل بعثته على التعليم والزهد والعبادة في جبال مكة، حتى أمتلأ قلبه بالأيمان العميق، وأصبح وجدانه ممتلىء بالأيمان بالله الواحد، وقد تفقه في الكتب السابقة فوجد أن اليهود لديهم أنبياء كبار مثل موسى وهارون واللذين أمتلأت صفحات القرآن بذكرهما وذكر بني إسرائيل بعد ذلك، وأنبياء صغار لم يورد لهم ذكر في القرآن، فاراد أن يكون نبيا مثلهم، وقد علم وتعلم من ورقة أن المسيحية ليس فيها أنبياء وإنما فيها رسل أرسلهم المسيح إلى الأمم الأخرى فأراد أن يكون رسولا مثلهم، لذلك فإنه عندما أعلن عن نفسه جمع بين الأثنين فقال إنه نبيا رسولا، وهو ما لم يقل به أحد قبل نبي الإسلام محمد.
وقد كان النبي محمد خلال فترته تلك يطلع على أشعار العرب ومنهم الحنفاء ومن هؤلاء الحنفاء أمية بن أبي الصلت وهو الشاعر الذي كان مسيحيا وكان أيضا يطمح أن يكون نبيا، وقد قال القصائد الكثير التي تشبه في كثير من ألفاظها ومعانيها آيات القرآن ومنها قصيدته في مريم العذراء وابنها المسيح والتي قالها اظهار النبي وإعلانه لنبوته ورسالته وحتى لا يتهمنا أحد بالتجني نورد لكم القصيد لتقارنوا بينها وبين سورة مريم التي نزلت في مكة، والتي يقول فيها أمية بن أبي الصلت:
وَفي دينِكُم مِن رَبٍ مَريمَ آيةٌ مُنَبِّئَةٌ بِالعَبدِ عِيسى اِبنِ مَريمِ (1) اَنابَت لِوَجهِ اللَهِ ثُمَّ تَبتَّلَت فَسَّبَحَ عَنها لَومةَ المُتَلَوِّمِ (2) فَلا هِيَ هَّمَت بالنِكاحِ وَلا دَنَت إِلى بَشرٍ مِنها بِفَرجٍ وَلا فَمِ (3) ولَطَّت حِجابَ البَيتِ مِن دُونِ أَهلِها تغَيَّبُ عَنهُم في صَحاريِّ رِمرِمِ (4) يَحارُ بِها السارِي إِذا جَنَّ لَيلُهُ ولَيسَ وإِن كانَ النَهارُ بِمُعلَمِ (5) تَدّلى عَليها بَعدَ ما نَامَ أَهلُها رَسولٌ فَلم يَحصَر ولَم يَتَرَمرَمِ (6) فَقالَ أَلا لا تَجزَعي وتُكذِّبي مَلائِكَةً مِن رَبِ عادٍ وجُرهُمِ (7) أَنيبي وأَعطي ما سُئِلتِ فاِنَّني رَسولٌ مِن الرَحمنِ يَأتِيكِ بابنَمِ (8) فَقالت لَهُ أَنّى يَكونُ ولَم أَكُن بَغيّاً ولا حُبلى ولا ذاتَ قَيّمِ (9) أَأُحرَجُ بالرَحمنِ إِن كُنتَ مُسلِماً كَلامِيَ فاقعُد ما بَدا لَكَ أَو قُمِ (10) فَسَبَّحَ ثُمَّ اغتَرَّها فالتَقَت بِهِ غُلاماً سَوِيَّ الخَلقِ لَيسَ بِتَوأَمِ (11) بِنَفخَتِهِ في الصَدرِ مِن جَيبِ دِرعها وما يَصرِمِ الرَحمَنُ مِلأَمرِ يُصرَمِ (12) فَلمّا أَتَمَتَّهُ وجاءَت لِوضعِهِ فآوى لَهُم مِن لَومِهم والتَنَدُّمِ (13) وَقالَ لَها مَن حَولَها جِئتِ مُنكَراً فَحَقٌّ بأَن تُلحَي عَلَيهِ وتُرجَمي (14) فَأَدرَكَها مِن ربّها ثُمَّ رَحمَةً بِصِدقِ حَديثٍ مِن نَبيٍّ مُكَلَّمِ (15) أَنيبي وأَعطي ما سُئِلتِ فاِنَّني رَسولٌ مِن الرَحمنِ يَأتِيكِ بابنَمِ (16) وأُرسِلتُ لَم أُرسَل غَويّاً ولَم أَكُن شَقيّاً ولَم أُبعَث بِفُحشٍ وَمَأثَمِ (17)
قارنها بسورة مريم ستلاحظ التشابه الكبير الذي يصل الى أبعد الحدود: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34).
وقد كان أمية بن عبد الله أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي شاعر جاهلي، حكيم، من أهل الطائف. قدم دمشق قبل الإسلام وكان مطلعاً على الكتب القديمة، يلبس المسوح تعبداً وهو ممن حرموا على أنفسهم الخمر ونبذوا عبادة الأوثان في الجاهلية، ورحل إلى البحرين فأقام ثماني سنين ظهر في أثنائها الإسلام. وعاد إلى الطائف فسأل عن خبر محمد، وقدم مكة وسمع منه كلاماً من القرآن وسألته قريش رأيه: فهل تتبعه؟ فقال: حتى أنظر في أمره. ثم خرج إلى الشام وهاجر النبي محمد إلى المدينة وحدثت غزوة بدر وعاد أمية يريد الإسلام لكنه علم أن محمداً وأصحابه قد قتلوا في تلك الغزوة ابنا خال له والكثير من سادة قومه فامتنع وأعرض الأيمان بمحمد، وأقام في الطائف إلى أن مات سنة خمس للهجرة. وأخباره كثيرة وشعره من الطبقة الأولى. وهو أول من جعل في مطالع الكتب باسمك اللهّم، فكتبتها قريش.
ونكتفي بهذا في هذا المقال بعد أن طال كثيرا ونستكمل في مقال قادم بدء الوحي وتبشير ورقة بن نوفل للنبي بأنه نبي هذه الأمة وغيرها من الأأمور.