أحمد فضل يكتب: تجريم العنصرية في الإسلام.. الجزء الأول
بوابة الاقتصاد
العنصرية: معناها التفرقة أو التمييز فى المعاملة بين الناس على أساس من الجنس أو اللون، او اللغة، أو الدين، أو حتى المستوى الإجتماعى والطبقى؛ هذه العنصرية متجذرة فى البشرية منذ القدم، فهى من موروثات البشرية القديمة.
فالبوذية صنفت البشر إلى طبقات عدة حسب إعتقادهم الباطل، فهم يزعمون أن البشر ليسو سواء، بل مختلفون فى الخلق، فمن خلق من الفم هم أشراف الناس ورجال الدين عندهم، ومن خلق من الذراع هم رجال القوة والحرب، ومن خلق من القدم هم العبيد والخدم، كذلك قسمت الحضارة اليونانية الناس إلى أشراف وبربر، ومثلها فعلت الحضارة الرومانية، أما الإعتقاد اليهودى فى البشر فمعروف ومشهور ومسجل فى بروتوكولاتهم، فهم يعتقدون انهم شعب الله المختار، وغيرهم أمميون لا قيمة لهم، ولا وزن ولا حق لهم فى الحياة.
ولم يبتعد العرب قبل الإسلام عن هذه النعرة، فكانت القبلية سائدة، والتقسيم الطبقى خاضرا، فهذا من الأوس، وذاك من الخزرج، وهذا من السادة وذاك من العبيد، وكانت الحروب والنزاعات تقوم بينهم لعشرات السنين لاتضع الحرب أوزارها لأسباب قبلية عنصرية تافهة.
ورغم التقدم المزعوم فى هذا العصر؛ إلا أننا لسنا بمنأى عن هذه العصبية المقيتة، والعنصرية الفجة التى تقوم على أساس من الدين أو العرق أو اللون، والأحداث شاهدة على ذلك، فما يحدث فى فلسطين أساسه العنصرية، وما يحدث فى بورما ضد المسلمين أساسه العنصرية، وما يحدث للمسلمين فى الإيغور من قبل قوات البطش الصينية المستبدة أساسه العنصرية، والمتابع للأحدث العنصرية المتفرقة فى امريكا بين البيض والسود يقف على ما تعانية امريكا بل والغرب من أزمات أساسها العنصرية والطبقية.
فالبشرية فى عالمنا المعاصر تئن من آلام هذا المرض المتفشى باحثة عن علاج وحلول تخلصها من معاناتها ومتاعبها التى طالما أحدثت شروخا وتصدعات فى الجنس البشرى وخلفت حروبا بين الإنسان وأخيه من بنى الإنسان.
ومن هنا وجب على الجميع إذا ما ارادوا أن يتخلصوا من العنصرية والطبقية بشتى أنواعها وأشكالها أن يتبعوا دين الله الإسلام_ ذلكم الدين الذى حارب العنصرية بكل أشكالها وأنواعها وبين فيه رب العباد أن كل الناس سواسية ولا يميز بين البشر على أساس اللون أو الشكل أوالقبيلة او المادة او أى شئ من مظاهر العنصرية المقيتة، ولا فضل لأحد على أحد إلا بتقوى الله عز وجل، فقد أعلنها الله عز وجل فى القران العظيم فى قوله تعالى ((،يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ*)) ومعنى ذلك أن الله عز وجل خلق الناس من أب واحد وهو أدم، وأم واحدة وهى حواء فلا تفاضل بين الناس ولا تفاخر بينهم، بل بين ربنا تبارك وتعالى أنه جعل الناس شعوبا وقبائل من أجل ان يتعارفوا لا من اجل ان يختلفوا وينبذ بعضهم بعضا.
وأخبرنا تبارك وتعالى أن الاختلاف فى طبيعة الجنس البشرى، وتعدد صوره وأشكاله: هو أية من آيات الله فى هذا الكون، قال نعالى((وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ*)) فاختلاف اللغة واختلاف ألوان الناس أية من الآيات الدالة على قدرة الله وعظمته فى تنوع خلقه فى اللغة واللون، فكل الناس هم خلق الله عز وجل خلقهم الخالق الذى أحسن كل شئ خلقه حيث قال تعالى((الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ*))، كما ينبغى على البشرية أيضا إذا ما أرادت أن تتخلص من وباء العنصرية والطبقية أن تنصت لرحمة الله للعالمن الداعى إلى صراط الله المستقيم محمد ابن عبد الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم مبددا ومحطما كل انواع العنصرية فى بيانه الحكيم لما قال صلى الله عليه وسلم (( يا أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربى على أعجمى ولا لأعجمى على عربى، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، ((إن أكرمكم عند الله أتقاكم))، ألا هل بلغت؟)) قالوا: بلى يا رسول الله قال: (( فليبلغ الشاهد الغائب)) ومن هنا يظهر لنا جليا أن الإسلام يحرم العنصرية ويجرمها، ذلك لأن كل الناس عند الله سواء ولا يفرق بينهم إلا بتقوى الله والعمل الصالح، فكل الناس لأب واحد خلقهم الله عز وجل الذى خلق فسوى والذى قدر فهدى وااذى قال فى محكم تنزيله((الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ* ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ*))
ولما نشب خلاف قبلى بين بعض الآنصار من الأوس والخزرج بعد هجرة النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وسمع رسول الله بهذا الخلاف القبلى قال: (( أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم دعوها فإنها منتنة)) ولما عير أحد أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم صاحبه بأمه وقال له يا ابن السوداء، قال له النبى صلى الله عليه وسلم ((أعيرته بأمه؟! إنك امرئ فيك جاهلية)) فهذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على العنصرية والطبقية بأنها منتنة وأنها من الجاهلية التى وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت قدمه لما قال فى خطبة الوداع (( كل امر من أمور الجاهلية تحت قدمى موضوع)) فهذا دليل على تحريم وتجريم العنصرية التى هى من الجاهلية التى قال فيها الله عز وجل(( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ*))
وإلى لقاء أخر فى الجزء الثانى إن شاء الله.
….أحمد فضل…..