آخر الاخبارسياسة

مبدأ قانوني جديد وهام من محكمة النقض: القضاء العادي هو المختص بنظر المنازعات الجمركية

بوابة الاقتصاد

محكمة النقض تعدل عن مبدأ تبنته بعض دوائرها باختصاص مجلس الدولة بنظر تلك المنازعات باعتبارها “إدارية”

الحيثيات: أحكام قانون الجمارك تمثل أعمال مادية تُطبقها المصلحة بإرادة المشرع وليس بالإرادة الذاتية لجهة الإدارة

المحكمة الدستورية أكدت اقتصار حجية أحكامها في منازعات التنفيذ ودعاوى التنازع على أطرافها فقط وليس الكافة

أصدرت الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية بمحكمة النقض، أمس الأربعاء، مبدأ قضائيا جديدا ومهما ومن المنتظر أن يثير الكثير من الحراك القضائي وخلاف الأحكام، بين القضاء العادي ومجلس الدولة، وربما يصل مستقبلا إلى المحكمة الدستورية العليا لحسم هذا الملف.

حيث قضت الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية بمحكمة النقض باختصاص القضاء العادي بنظر المنازعات الجمركية، والعدول عن المبدأ الذي تبنته بعض أحكام محكمة النقض باختصاص القضاء الإداري بهذه المنازعات.

وتختص هذه الهيئة بالعدول عن مبدأ قانونى قررته محكمة النقض في أحكام سابقة، وذلك بهدف توحيد المبادئ القضائية، ويترأس الهيئة حاليًا المستشار محمد عيد محجوب، بصفته رئيس محكمة النقض.

وتصدر حاليا أحكام في قضايا المنازعات الجمركية من مجلس الدولة والقضاء العادي، ويعتبر كل منهما نفسه مختصا بنظر تلك المنازعات، خاصة بعدما حسمت المحكمة الدستورية العليا عام 2016 اختصاص مجلس الدولة بنظر المنازعات الضريبية كافة.

وأثارت الخلاف القضائي إحدى الدوائر التجارية والاقتصادية محكمة النقض عندما عرض عليها طعن أقامته إحدى الشركات (شركة النصر لتعبئة الزجاجات – كوكا كولا مصر) ضد وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك، ومدير عام مصلحة الجمارك بالإسكندرية، على حكم محكمة استئناف الإسكندرية برفض دعوى تطالب برد مبلغ 451 ألف جنيه اعتبرته زيادة في الرسوم الجمركية على مستلزمات استوردتها الشركة عام 2000، وصدر حكم أول درجة فيها عام 2003.

وجاء الخلاف في ظل تصدي بعض دوائر محكمة النقض للفصل في المنازعات الجمركية باعتبارها من اختصاص القضاء العادي، بخلاف دوائر أخرى قضت بعدم الاختصاص وأحالت النزاع إلى القضاء الإداري بمجلس الدولة استنادًا إلى أحكام المحكمة الدستورية في بعض دعاوى التنازع.

• اتجاهان داخل محكمة النقض:

قبل نظر الطعن تبينت الدائرة وجود اتجاهين داخل محكمة النقض.

ذهب الاتجاه الأول إلى أن المنازعات الجمركية هي منازعات ذات طبيعة مدنية محضة يختص بها القضاء العادي باعتبار أن السلطة القضائية هي سلطة أصيلة تستمد وجودها وكيانها من الدستور الذى ناط بها وحدها أمر العدالة، مستقلة عن باقى السلطات ولها دون غيرها ولاية القضاء، بما يكفل تحقيق العدالة وحق المواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي.

وبالتالي يكون القضاء العادي هو صاحب الولاية العامة بنظر كافة الأنزعة التي تنشب بين الأفراد أو بينهم وبين وحدات الدولة، إلا ما استثنى من ذلك بنص خاص مقررا بنص الدستور أو القانون لجهة أخرى استثناء لعلة أو لأخرى، وفقًا للاتجاه الأول.

أما الاتجاه الثانى، فقد انتهج في أحكامه نهجًا مغايرًا مؤداه، أن المنازعات الجمركية هي منازعات ذات طبيعة إدارية يختص بنظرها مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى.

وإزاء هذا الاختلاف قررت الدائرة بجلستها المنعقدة بتاريخ 18 يناير 2023 إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها -عملًا بقانون السلطة القضائية- للفصل في هذا الاختلاف وإقرار المبدأ الذي قررته أحكام الاتجاه الأول والعدول عن المبدأ الذي قررته أحكام الاتجاه الثانى من انعقاد الاختصاص بنظر المنازعات الجمركية إلى مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى.

وعلى مدار 3 جلسات تداولت الهيئة في المسألة المعروضة عليها من الدائرة المُحيلة، وأصدرت حكمها المُتقدم في الجلسة الرابعة.

• حيثيات حكم الهيئة:

وقالت الهيئة في حيثيات حكمها، إن السلطة القضائية هي سلطة أصيلة تستمد وجودها وكيانها من الدستور الذى ناط بها وحدها أمر العدالة مستقلة عن باقي السلطات ولها دون غيرها ولاية القضاء بما يكفل تحقيق العدالة وحق المواطن فى اللجوء إلى قاضيه الطبيعي، وكان القضاء العادى هو صاحب الولاية العامة في نظر المنازعات كافة ما لم تكن إدارية أو مستثناة بنص في الدستور أو القانون، وأى قيد يضعه المشرع للحد من هذه الولاية -ولا يخالف به أحكام الدستور- يُعد استثناء واردًا على أصل عام.

وأضافت الهيئة أنه من ثم يجب عدم التوسع فى تفسير الاستثناء والقيد، ويتعين ألا يخرج عن الإطار الذي ورد فيه، ولازم ذلك أنه إذا لم يوجد نص فى الدستور أو القانون يجعل الاختصاص بالفصل في النزاع لجهة أخرى غير المحاكم العادية، فإن الاختصاص بالفصل فيه يكون باقيا للقضاء العادي على أصل ولايته العامة، “فليست العبرة بثبوت العلة وإنما بوجود النص”.

وأشارت الهيئة إلى أن هذا الأصل العام يجد سنده فيما يتعلق بتحديد جهة القضاء المختصة بنظر المنازعات الجمركية من خلال استقراء مسلك المشرع في تنظيمه لكيفية الفصل في هذه المنازعات من زاويتين، وليس فقط من عدم النص على اختصاص القضاء الإدارى بها سواء في قانون الجمارك السابق رقم 66 لسنة 1963 وتعديلاته -المنطبق على واقعة النزاع- أو القانون الحالي رقم 207 لسنة 2020، والذى خلا كل منهما من نص على اختصاص القضاء الإدارى بنظرها، وبما يرتب نتيجة مباشرة لذلك هي اختصاص القضاء العادي بها.

  • ماذا يقصد المُشرع؟

وأوضحت الهيئة الزاويتين اللتين اسقرأت منهما مسلك المشرع في تنظيمه لكيفية الفصل في هذه المنازعات، الزاوية الأولى تأتي بالنظر إلى طبيعتها، تلك الطبيعة التي تتجلى من خلال الأحكام الواردة في قانون الجمارك، والتي تدور حول التعريفة الجمركية وقواعدها وفئاتها، تلك التي تصدر بقرار جمهورى بعد موافقة البرلمان، أو باقى الأحكام التي أوردها المشرع ونظمها فيه والمتعلقة بالنظم والإعفاءات الجمركية، ومقابل الخدمات وإجراءات بيع البضائع.

وتابعت أن أحكام قانون الجمارك التي تقوم جهة الإدارة (مصلحة الجمارك) بتطبيقها باعتبارها أعمالاً مادية رتب هذا القانون عليها آثارًا، هي من إرادة المشرع وليس من الإرادة الذاتية لهذه الجهة، وعليه فإن ما تقوم به مصلحة الجمارك لا يعد قرارا إداريًا أو منازعة ذات طبيعة إدارية.

أما الزاوية الثانية، قالت الهيئة إنها بالنظر إلى منهج المُشرع في تنظيم طرق الفصل في هذه المنازعات، والتي تبدأ بالتظلم منها وتنتهى بالتحكيم، وهو تنظيم استقر عليه المشرع في قانوني الجمارك السابق والحالي، مشيرة إلى أنه قد خلا هذا التنظيم من لجوء المتظلم إلى محكمة القضاء الإدارى للنظر في تظلمه أو الطعن عليه أمامها لدى رفض تظلمه.

وأضافت أن ذلك يأتي بخلاف ما انتهجه المشرع في تنظيم الفصل في المنازعات الضريبية في قانون الضرائب العقارية رقم 196 لسنة 2008، والقيمة المضافة رقم 67 لسنة 2016، والذي نص فيهما على اختصاص القضاء الإدارى بنظرها، لافتة إلى أنهما سبقا قانون الجمارك الأخير رقم 207 لسنة 2020 في الصدور بأعوام، وبما يدل على اتجاه إرادة المشرع في إسناد الاختصاص بنظر المنازعات الجمركية للقضاء العادي.

  • إشارة إلى حكم حديث من الدستورية:

ذكرت الهيئة أن ما انتهت إليه تأكد أخيرًا من خلال قضاء المحكمة الدستورية العليا في دعوى منازعة التنفيذ رقم 4 لسنة 34 قضائية بجلسة 15 أكتوبر 2022، والذي ورد بأسباب حكمها فيها أن قضاءها في منازعات التنفيذ ودعاوى التنازع لا تكون له حجية إلا بين أطراف تلك الدعاوى فقط، ولا تثبت الحجية المطلقة على الكافة، إلا لما ورد بأسباب هذه الأحكام من تقريرات دستورية تعرض لنصوص بذاتها من الوثيقة الدستورية لها محل من الإعمال على وقائع النزاع الموضوعي وتؤدي لزومًا إلى الفصل في موضوعه.

وأوضحت الهيئة أنه ما لم يصدر من المحكمة الدستورية “تقريرات دستورية” في أي من دعاوى منازعات التنفيذ أو التنازع، والتي استندت إليها بعض أحكام الاتجاه الثاني للتدليل على الطبيعة الإدارية للمنازعات الجمركية، وذلك على خلاف طبيعتها التي بينها المشرع في قانون الجمارك على نحو ما سلف، وبما مقتضاه اختصاص جهة القضاء العادى بنظرها كأصل عام.

وانتهت الهيئة بالفصل في المسألة المعروضة عليها إلى العدول عن المبدأ الذي تبنته هذه أحكام الاتجاه الثاني من اختصاص القضاء الإداري بنظر المنازعات الجمركية، وإقرار المبدأ الذي يقضي باختصاص القضاء العادي بنظر المنازعات الجمركية، وأعادت طعن الشركة إلى الدائرة التي أحالته إليها للفصل فيه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى