علياء نصر تكتب لــ”بوابة الاقتصاد” الزوجة المصرية قديما وحديثا “عروس الإسماعيلية”
بوابة الاقتصاد
(مشهد ١،(هي التي من أجلها تشرق الشمس)..بيد الكاتب المصري على جدران معبد أبي سمبل و بأمر من الملك رمسيس الثاني،يحفر أول بيت من أبيات العشق فى تاريخ البشرية ،كلمات نبعت من قلب الملك المصري يتغزل بها محبوبته وزوجته نفرتارى تفيض رقة وعذوبة وعشقا،يسطرها التاريخ في شرف تبجيل الزوج المصري لزوجته شاهدا على سمو العلاقة الزوجية ورقي العلاقات الإنسانية المصرية فى أبهى صورها.
(مشهد ٢، عريس الإسماعيلية يضرب زوجته بثياب عرسها على قارعة الطريق أمام العامة،وعروس لا تقعد على الطريق ولا تشتكي (هي التي من أجلها ..نضطر لدراسة متلازمة استوكهولم)..
ما بين المشهدين آلاف السنين زمنيا،..وآلاف الأميال أخلاقيا..
يتقدم الزمن وتتقهقر الأخلاق..
فماذا أصاب الواقع المصري؟
وكيف أثرت الظروف الحالية على المصريين ليصل البعض منهم إلى الإصابة المرضية ب (متلازمة استوكهولم)
حقيقة ليس من السهل أبدا إقناع العبيد بأن الحرية حياة،وأن للكرامة اعتبارا يفوق كل اعتبار،وليس بالأمر الهين استعداء الضحية على الجانى، وهو خطأ كبير يقع فيه الأحرار والثوار،فإذا لم تتفهم نفسية العبيد فلا تأخذك الجلالة دفاعا عنهم،فليس من الحكمة أن تثور لكرامة من لا يعرف للكرامة معنى، فإن فعلت كنت أول من يناصبه الضحية العداء،ورأيت منه استماتة فى الدفاع عن جانيه يذهل لها من لا يفهم حقيفة تلك المتلازمة.. فلا تأس على القوم المهانين..
( العُبودية الخرساء هي تلك التي تُعلق الرجل بأذيال زوجة يَمقتها ،وتلصق جسد المرأة بِمضجع زوج تركها، وتَجعلهُما مِن الحياة بِمنزلة النَعل مِن القدم)حكمة بالغة للأديب الكبير جبران خليل جبران، و كم كان فيها متفائلا وبريئا حينما ذهب به الخيال مشرقا ومغربا فتفتق ذهنه عن صورة للعبودية رأى فيها مشاهد بائسة عن اتباع الرجل لزوجة يمقتها،ومضاجعة المرأة لزوج يهجرها،ولم يدر بباله ربما أن للعبودية صورا أفدح وأقبح،..يستمرئ فيها العبد معاشرة جلاده ومغتصب كرامته، بل ويسعد به ويذود عنه منتصرا له في غيه وطغيانه،..ربما انفعل الكثير لهذا المشهد الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي انتشار النار فى الهشيم لزوجة مصرية يقع عليها في ليلة عرسها من الضرب المبرح والمهين على مرأى ومسمع من الناس ما أثار استفزازا كبيرا للكثيرين،خصوصا أن هذا الاعتداء المزري وقع على العروس من الرجل الذي يفترض فيه أنه سندها ونصيرها ضد غوائل الزمن وحائط صدها ضد محن الحياة وتقلباتها،..مشهد مقزز على أقل توصيف، غير أن هناك مشهد آخر ربما كان أشد إثارة للتقزز والاشمئزاز من هذا المشهد،..وهو مشهد الزوج وهو يشرح ببساطة وثقة يحسد عليهما أن ما فعله بزوجته هو أمر (عادي)و(طبيعي جدا)، ويحكي بمنتهى الأريحية والهدؤ كيف أنه فوجئ بصدمة الجميع مما فعله بزوجته على مشهد من الناس،..يضحك الزوج ملء فمه مؤكدا أنه لم يضرب أحدا غريبا،إنما ضرب(زوجته)،مؤكدا أنه قبل أن تصير له زوجة كان يضربها أيضا كونها (ابنة عمه) ،الأمر الذي يعطيه الحق فى ضربها،واصفا ما وقع منه يوم زفافه بأنه انفعال طبيعي نتج عن(بعض التوتر)،حقيقة لم تستفزني قناعات الزوج بقدر ما استفزتني قناعات الزوجة،التي تسعد بضرب زوجها وتسعى جاهدة لإيجاد المبرر له مؤكدة أنها (لا تشعر بأى استنكار لما فعله)، وعلى ما يبدو أنها صادقة فيما تستشعر ممن بساطة الموقف،وأنا أتفهم تعجبها من استهجان الآخرين لما حدث،..و لا أحب أن أعلق على هذه الحالة تحديدا،ولا أرتضى شخصنة المسألة ،فهى ظاهرة أعمق كثيرا من اختزالها فى حالة كتلك التي صادفتنا مهما علا ضجيجها،..فبماذا يفسر هذا السلوك؟
حقيقة هي أزمة سلوكية نفسية تعرف لدى المتخصصين ب (متلازمة ستوكهولم) ،ترى أنت كشخص سوي قهرا كبيرا يقع على ضحية فتغضب للضحية و تنفعل حقدا على الجاني،لتفاجأ ذاهلا إن لم تكن عالما بتلك المتلازمة أنك حين تسعى لإنقاذ الضحية ومعاقبة الجاني، أن من يناصبك العداء هو الضحية التي تثور لأجلها،وكم سيبهتك (شهر عسل المشاعر) الواقع بين الضحية والجاني،فقط حينما تتفهم حقيقة تلك المتلازمة وطبيعة المصابين بها ودوافعهم الشعورية واللاشعورية لن تعود لتغضب لمن لا يغضب لنفسه ابتداءا،وستدرك أنه من الحكمة ألا تتورط فى محاولة تقديم يد العون لمن لا يحتاجه على الحقيقة،ممن لا يعرف لقيم الكرامة والحرية والحقوق اعتبارا ولا يقيم لها قدرا،..فلكل من تأثروا بهذا المشهد وأمثاله ،وتعاطفوا مع ضحايا العنف والعدوان عموما،..خفض عليكم، إنما البكاء على من يستشعر الألم،..فلا يستشعر الحرق إلا صاحب الخلايا الحية،فمن ماتت خلاياه كيف يستشعر آلام الحريق؟ فالنار على هؤلاء تقع بردا وسلاما .
فاعلم يا من انتفخت أوداجه غضبا لأجل من وقع عليهم الظلم من أمثال هؤلاء،أنك أشد تأثرا بما جرى لهم منهم،وأن الصفعة التي وقعت عليهم فاستشعرت أثرها على وجهك إنما يقع أثرها عليك وحدك ،وأن تصورك الواهم عن معاناتهم ومكابدتهم إنما ذاك من أوهام مثالياتك وقناعاتك التي لا أثر لها فى وجدانهم ومشاعرهم،وقديما قالها أفلاطون…(لو أمطرت السماء حرية،..لرفع العبيد مظلة). فلا تعول على ضحية مصابة بمتلازمة استوكهولم أن تأثر لكرامتها..،ولا تعول على ذكر (ذكر ولا أقول رجل) ذهب عنه حياؤه يطابق حاله ما استهجنه الحديث الشريف “يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد”..ثم يضاجعها،..ألا يستحي؟،هذه غضبة محمد الرسول نقمة منه على سلوك بعض أعراب مكة منذ ما ناهز الألف وخمسمائة سنة ،هؤلاء الذين ننعتهم بالأجلاف والأفظاظ الذين انتشلهم الإسلام من ظلمات العنف والهمجية،فكيف يستساغ هذا السلوك من مصري فى زماننا هذا وقد تجاوزنا الألفية الثانية؟،وحال أجدادنا من الرقي_ مما نجد أثره فيما ذكرته وصايا حكمائهم (بتاح حتب)وغيره ،ومما أظهرته آثارهم ونقوشهم من تقدير عظيم للزوجة _،ما لايخفى إلا على جاهل بحقيقة مصر التي سطرت للعالم آية من آيات الحضارة الأخلاقية و الإنسانية.
فالمواساة المستحقة فى هذا المشهد لا تكون إلا للحالمين الذين اغتمت نفوسهم لمرأى هذا المشهد الهمجي الثيراني اللاأخلاقي.ولا عتاب لذكر همجي فالعتاب لا يكون إلا في أهله،..ولا عزاء عندي للعروس المهانة المتكيفة مع مهانتها،فإن أنت لم تعرف لنفسك قدرها هوانا بها كانت على الناس أهون.
ولكن العزاء الحق هو للمثاليين المتألمين للإنسانية،والمتحسرين على الأخلاق .
والعزاء كل العزاء لصورة مصر،.. وكل الاعتذار لتاريخها ومجدها.
علياء نصر