الريف هو الحياة
بقلم: خالد مطر
جملة «البلد وحشة» تتردد كثيرا على لسان بعض أبناء القرى الذي اصطلحوا على تسمية قراهم باسم «البلد»، بعد أن غادروها وعاشوا في المدن، وهم في وصفهم لقراهم بذلك يناقضون أنفسهم؛ لأنهم وصفوها بالبلد بمجرد أن غابوا عنها واعتبروا أنفسهم في مراكزهم ومناصبهم الجديدة سكانا فقط بشكل مؤقت في مكان محدد، فيقول أحدهم حينما يذهب إلى المدينة «أسكن في حي كذا»، وحينما يعود إلى القرية يقول: «أنا راجع البلد».
لست متعصبا للقرى ولكنني أقولها قولة حق: بصراحة شديدة إن من يرى قريته «وحشة» أو «سيئة» فهو «الوحش» و«السيئ»؛ والأمر ببساطة لأن «كل إناء ينضح بما فيه»؛ كما أن تعميم الأحكام على الناس هو الظلم في أقسى صوره وحكم يصدر من قاض جلاد.
إن ترديد عبارات الكراهية ضد الريف؛ إنما هو تمهيد عملي لقطيعة الرحم وانظر إلى من استهوته وظيفته أو سكنه في مدينة بعيدة عن قريته وملاعب صباه الأولى حينما ينقطع عشرات السنواتت عن قريته ويعود إليها بعد إحالته إلى التقاعد أو المعاش.. يجد نفسه غريبا في أرض نبت فيها؛ فلا أحدا يعرفه ولا طفلا يصافحه. وكأن الأرض تلفظ كارهيها وتثأر لكرامتها.
إن التمرد على أصولنا وأريافنا هو الجهل بعينه ولست مبالغا إن قلت: إنه يناقض الهدي النبوي الكريم، وتذكرون جميعا عبارات خرجت من أطهر فم على وجه الأرض حينما قال الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – لما خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة: «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرضٍ إليَّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك».
وقد يقول قائل: «إنك لا تعرف الريف وما فيه من تدخلات في شؤون الناس وحسد وحقد … إلخ»، وهذا القول مردود عليه بأن تلك الداءات الاجتماعية موجودة في الريف والمدن على السواء والمعيار الأساسي في حماية عرضك وصون سرك هو أنت وليس الآخرين.
إن الذين اتهموا الريف وسبوه قد سبوا أنفسهم بجهل مقيت؛ لأنهم نسوا حقيقة واضحة وضوح الشمس ومفادها أنهم خرجوا من رحم ذلك الريف؛ ولو أن كل إنسان كتب الله له النجاح في المدينة جعل لقريته التي تربى على يد مدرسيها وحفظ ما منَّ الله عليه به من كتاب الله في كتاتيبها وأكل من خيرات حقولها؛ أقول: لو أن كل إنسان نجح وجعل لقريته نصيبا من نجاحه؛ حتى لو بتوجيه النصح أو تعليم الأطفال أو إماطة الأذى عن طرقاتها؛ لتحولت قرانا إلى أجمل بقاع الأرض.
أيها السابون للريف جهلا عودوا إلى صوابكم .. الريف هو صلة الرحم والكتاتيب والأهل والحقول بخيراتها وبساطة العيش.. والفلاحون الذين يعيشون على الفطرة ولا يعرفون التكبر أو الخبث أو المكر.
إقرأ اهم الاخبار والقرارات الاقتصادية في نشرة لوجيستك نيوز