فاطمة عبدالرؤوف تكتب: العلاقة بين التدين والمرض النفسي
فاطمة عبدالرؤوف
يبدو من السذاجة والتسطيح بمكان اعتبار المرض النفسي مجرد مرض عضوي كالضغط والسكري لا يحتاج في علاجه إلا مجموعة من العقاقير ولو كان الأمر كذلك فما قيمة العلاج المعرفي السلوكي مثلا في العلاج؟
ثم السؤال المهم هل الاعتلال في كيمياء المخ هو سبب أم نتيجة للمرض النفسي؟ أيهما السابق وأيهما اللاحق.. أفتقد شخص قريب لقلبي فتختل كيمياء المخ فأعاني من الحزن الشديد لدرجة تعوقني عن القيام بأبسط الأنشطة أم أفتقد شخص قريب لقلبي فأعاني من الحزن المفرط فتختل كيمياء المخ؟
أما السؤال الأهم على الإطلاق هل المرض النفسي أنواع ودرجات وأن ما يمكن أن يفسر الدرجات البسيطة والمعتدلة لا يفسر الدرجات الشديدة والحادة؟ وأن المرض النفسي الذي يستبصر به الإنسان غير المرض النفسي الذي لا يستبصر به؟
ألا يمكننا القول أن الخط الأحمر الفاصل بنسبة كبيرة في أنواع الأمراض النفسية هو وجود هلاوس وضلالات فعندما يصل المرض لدرجة سماع أصوات غير حقيقية ورؤية أشياء غير موجودة أو سيطرة فكرة ضالة قهرية على العقل فإن المشكلة العضوية هي الأساس والعلاج الدوائي أو بالجلسات الكهربية أو غيرها من طرق العلاج هي الحل الأساسي وأن ما يقوم به الشخص الواقع تحت تأثير الهلاوس والضلالات خارج عن نطاق الإرادة الإنسانية وخارج عن نطاق العقل.
أما المريض المستبصر بمشكلته الذي يعاني الحزن الشديد أو القلق ذلك المريض المفتقد لمتعة الحياة والذي قد تساوره فكرة التخلص من حياته للتخلص مما يعاني منه هذا المريض هل يكفي لعلاجه الدواء؟
أليس من صميم التجربة الروحية للإنسان (عندما يتصل الإنسان حقيقة بخالق هذا الكون يدعوه ويذكره ويناجيه ويبث له ألمه وحزنه وليس مجرد صلاة طقسية أو صيام بلا تواصل) أن تمنح السكينة والسلام الداخلي والطمأنينة (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
لماذا يتشنج بعضهم إذن ويشن حملة شعواء إذا تحدث بعض العلماء عن أثر التدين في تحسين المزاج أو أثر الذكر في بعد الإنسان عن المرض النفسي أو كيف أن الإنسان المتدين بصورة حقيقية أقل إصابة بالمرض النفسي ؟!
هل يتساوى إنسان أصابته صدمة ما في حياته فلم يجد من يشكو له ويحكي له عما يعانيه ويرهقه وبين إنسان آخر له صلة بخالق هذا الكون وخالق هذا القلب فيهرع إليه يشكو إليه ويبثه حزنه وهمه أو قلقه ومخاوفه؟
هل يتساوى إنسان يعتقد أن هذه الحياة غير عادلة تخبط خبطات عشواء وتنتهي للعدم في نهاية المطاف بإنسان يؤمن بالله تعالى وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره؟
بالطبع لا يمكن أن يتساويا في التعامل مع الضغوط والألم لابد أن استجابة كل منهما ستختلف (على الأقل في حدة الأعراض)
يمكن لهؤلاء أن يتحدثوا بلا حرج عن أثر ممارسة اليوجا والتأمل في تحسين الحالة المزاجية للإنسان ولن يجدوا أي غضاضة في ذلك ولا للدعوة باعتبار ذلك نمط حياة يقلل من الضغوط النفسية لكن إذا تحدث أحد العلماء عن دور الدين في التخفيف والتقليل من المرض النفسي سلقوه بألسنة حداد لماذا؟
قد يقول البعض أن ربط التدين بالصحة النفسية يحمل وصمة للمريض النفسي أنه لم يكن متدينا بالدرجة الكافية وأنه يستحق لذلك المرض النفسي الذي يعاني منه وهذا فهم مغلوط فالمرض النفسي ابتلاء.. الهم والحزن ابتلاء.. الصدمات ابتلاء وكل منا يبتلى بشكل مختلف ولا يمكن وصم مبتلى ولا السخرية منه ولا التقليل من حدة ما يعانيه كل ما يمكن أن نقدمه له في هذا الصدد بالإضافة لمراجعة المتخصصين في المجال ( رغم أن لدي ملاحظات على مسار هذا العلم منذ فرويد وحتى الآن ليس هذا موضع مناقشتها.. يكفيني القول إنها مجرد نظريات لا يوجد فيها يقين الحقائق ولا يقين النتائج ولا يمكن فصل هذا العلم عن الذات المعرفية الحضارية) أن ندله على ما يمنحه القوة النفسية في مواجهة هذا البلاء الذي وقع به ألا وهو الصلة بالله تعالى الذي خلق هذه النفس ويعلم ما يؤلمها وبيده وحده منحها الشفاء والطمأنينة والسكينة.