آخر الاخباربورصة و شركات

انحسار طفرة أسهم النمو يجعل المستثمرين يتصيدون الصفقات

بوابة الاقتصاد

يبحث الجميع عن عروض جيدة حين يتسوقون في زمن التضخم وينطبق هذا بشدة على سوق الأسهم هذا العام.

إنه انقلاب في تنافس شرس بين أسهم النمو وأسهم القيمة كما كان في الرياضة بين فريقي “يانكيز” و”ريد سوكس”. هل الأفضل شراء أسهم شركات ذات آفاق مبهرة وإن كانت موضع شكوك أحياناً بسبب توقعات المبيعات ونمو الأرباح؟ أم التركيز على الأسهم التي تبدو رخيصة استناداً لقيمة أصول الشركة حتى لو كان نمو أرباحها متواضعاً نسبياً؟

هل تكسّرت موجة التضخم؟ علينا أن نتوقع المزيد

عاد الاستثمار في أسهم القيمة إلى أقصاه بعد تخلفه عن الاستثمار في أسهم النمو خلال معظم العقد الماضي. لنأخذ مثلاً مؤشر “ستاندرد آند بورز بيور فاليو” (S&P Pure Value Index)، الذي يتتبع الشركات ذات التقييمات المنخفضة بناءً على نسب أسعار أسهمها إلى قيمها الدفترية وأرباحها وإيراداتها. كانت عوائد المؤشر منذ منتصف نوفمبر نحو 8% مع توزيعات الأرباح، بينما خسر المستثمرين في مؤشره الشقيق “ستاندرد آند بورز بيور غروث” (S&P Pure Growth) نحو 25% خلال الفترة نفسها.

بوابة الاقتصاد

كان عائد مؤشر النمو الذي دانى 650% يعادل ضعف عائد مؤشر القيمة خلال 12 عاماً سبقت ذلك. كان تحول الحظوظ المفاجئ طفرةً للمستثمرين الذين يركزون على الأسهم الرخيصة. لدى الصناديق المتداولة في البورصة وحدها، شهدت الإستراتيجيات التي تستهدف أسهم القيمة تدفقات داخلة بقيمة 55 مليار دولار حتى الآن هذا العام، مقارنةً بصافي تدفقات خارجة قدرها مليار دولار لصناديق أسهم النمو، وفقاً لبيانات “بلومبرغ إنتليجنس”، فهل حان الوقت لتباهي مديري أموال القيمة؟

سبب الانقلاب


قال روب أرنوت، مؤسس شركة إدارة الأصول العالمية “ريسيرش أفيليتس” (Research Affiliates) الذي طالما دافع عن الاستثمار في القيمة: “لا جدوى من ذلك بعدما كنا نبدو كالأغبياء لفترة،” مشيراً إلى أنه حافظ على تركيزه على البحث بدل التباهي. كان أرنوت يدرس الأرقام بتمعن ليعرف ما الذي تسبب بالضبط بتفوق أسهم النمو على أسهم القيمة لفترة طويلة وبنشأة حجة أن الأداء المتفوق للقيمة مستدام. قال أرنوت إن ذلك قد يستمر عدة سنوات أخرى، حتى فيما ينتظر عديد من المستثمرين الآخرين بفارغ الصبر عودة أسهم النمو للمقدمة.

يعزو أحد التفسيرات الشائعة ارتفاع أسهم النمو المطول وصحوة أسهم القيمة أخيراً لأسعار الفائدة. يُعتقد أن الفائدة المنخفضة تساعد أسهم النمو بشكل تلقائي تقريباً: فالأموال الأرخص تجعل المستثمرين أميل للمخاطرة على أمل الحصول على عائد أكبر. لكن أرنوت يقول إن الأمر أعقد وإن القصة الأعمق هي التضخم. ويرى أن التركيز على أسعار الفائدة فقط خطأ يسهل ارتكابه لأن ارتفاع الفائدة عادة، وليس دائماً، يصاحبه زيادة في التضخم.

إعلانات الأرباح قد تقوّض الأسهم بدل إنقاذها

قال أرنوت: “التضخم المرتفع مفيد لأسهم القيمة”، فهو يُزيد عدم اليقين حيال المستقبل ويصعب التخطيط على الشركات فتصبح “الأعمال المملة والثابتة” في مثل هذه الأوقات أكثر جاذبية. فيما يأمل كثيرون في وول ستريت أن يتباطأ التضخم من 8% إلى مستوى أقرب لهدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، يراهن أرنوت على أن زيادات أسعار المستهلكين ستظل مرتفعة لفترة،. أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو ارتفاع أسعار المنازل 39% منذ نهاية 2019، وفقاً لمؤشر “ستاندرد أند بورز كورلوجيك كيس شيلر” (S&P CoreLogic Case-Shiller) لأسعار المنازل الأمريكية. يعتقد أرنوت أن هذا لا بد أن يستمر بتغذية ما يُعرف بمعادل الإيجار للمالكين، الذي يمثّل نحو ربع مؤشر أسعار المستهلك.

تراجع وليس انهياراً


كانت القصة الشائعة الأخرى التي دفعت جنون أسهم النمو هي أن الشركات الحصيفة تقنياً ستعطل أي قطاع تدخله وتقضي على كبريات الشركات واحدةً تلو الأخرى. كانت بعض أهم الشركات في مؤشر النمو “بيور غروث” حين بلغ ذروته في نوفمبر هي “نفيديا” (Nvidia) التي انخفضت 43% منذئذ و”تسلا” التي تراجعت 37% و”إتسي” (Etsy) التي هوى سهمها 72%. فيما حققت الأسهم الكبرى في مؤشر القيمة “بيور فاليو” مكاسب من خانتين مثل أسهم “بيركشاير هاثاواي” (Berkshire Hathaway) و”سيغنا” (Cigna) و”آرتشر-دانيلز-ميدلاند” (Archer-Daniels Midland). ثبت أن قصة الاضطراب مبالغ فيها قليلاً، فقد قال أرنوت: “هل انهارت شركات القيمة؟ لا فقد تضاءلت تقييماتها أما أعمالها فتسير بشكل جيد”.

حصفاء لا يرون الركود التضخمي وشيكاً

في النهاية ورغم كل ذلك، فإن القيمة التي يراهن عليها المستثمرون هي أن أسهم النمو والقيمة ستعود علاقتهما التاريخية. وفقاً لحسابات أرنوت، طبيعي أن تكون أسهم النمو أغلى بخمس مرات من أسهم القيمة من حيث القيمة الدفترية، وهي قيمة أصول الشركة مطروحاً منها التزاماتها. حتى بعد انعكاس الأشهر الستة الماضية، يُقدِّر أرنوت أن أسهم النمو ما تزال أغلى بثمانية إلى تسعة أضعاف.

إن إيمان أرنوت بنهضة طويلة لأسهم القيمة بعيد كل البعد عن الاعتقاد السائد في وول ستريت. فرغم كل شيء، نحن بصدد تحسن عمره بضعة أشهر مقارنة مع سنوات عديدة من نزعات اقتصادية نحو أسهم النمو. إذا بدا أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيكون قادراً على تحقيق “استقرار هادئ” والتعامل مع التضخم عبر رفع الفائدة دون التسبب في ركود، فقد قال بعض المستثمرين إنهم سيفكرون في التحرك تجاه أسهم النمو، ومنهم سايرا مالك، كبيرة موظفي الاستثمار للأسهم العالمية في شركة “نوفين” (Nuveen).

تصنيف قطاعي


إن أحد الأشياء التي تُعقِّد الصورة هو التحول المفاجئ فيما يُعتبر قيمة وما يُعتبر نمواً، فغالباً ما يفكر المستثمرون من منظور قطاعي مثل جعل الطاقة والأسهم الصناعية على ضفة القيمة وأسهم الكمبيوتر على ضفة النمو. لكن أسلوب الاستثمار يُحدَّد أيضاً من خلال الأسعار النسبية التي يتعيّن على المستثمرين دفعها. قد أدى مزيج الغزو الروسي لأوكرانيا وإعادة فتح الاقتصاد بعد إغلاق “كوفيد-19” بالفعل لإعادة تقييم بعض الأسهم الرئيسية. فيما كانت شركات الطاقة منذ فترة طويلة على قائمة مؤشرات القيمة، فقد عزز الارتفاع في أسعار النفط توقعات أرباحها لدرجة أن أهم أثقال مؤشر “بيور غروث” الآن أصبحت شركات “إن آر جي إنيرجي” (NRG Energy) و”دياموند باك إنيرجي” (Diamondback Energy) و”ديفون إنيرجي” (Devon Energy). في الوقت نفسه، فإن هبوط أسهم شركة “ميتا بلاتفورمز” إلى جانب معدل نموها البطيء، يعني أن السهم الذي طالما كان من أسهم النمو قد يبدأ بالانتقال إلى مؤشرات القيمة.

الأسهم الأمريكية تغرق وسط مخاوف بشأن الأرباح والنمو بينما تعزز السندات مكاسبها

كتب كليف أسنس، المؤسس المشارك ورئيس قسم المعلومات في شركة الاستثمار الكمي “إيه كيو آر كابيتال مانجمنت” (AQR Capital Management)، في نشرة حديثة عبر إحدى المدونات: “في وسائل الإعلام وحسابات الخبراء، غالباً ما يبدو أن الاستثمار في القيمة متعلق إما ضمنياً أو صراحةً بقطاع التقنية مقابل كل شيء آخر… يقوم معظم مديري القيمة أو المحللون الكميّون الذين يتبنون عامل القيمة ما هو أكثر من ذلك، ويحاول البعض منا بالفعل تجنب الرهانات على الصناعة/ القطاع على الإطلاق”. أي أن حتى مستثمرو القيمة يبحثون في قطاع التقنية.

كانت الثروات المتغيرة في السوق مصحوبة بتحول بؤرة الشك. حاول المستثمرون لسنوات تجنب ما يُعرف باسم “فخ القيمة”، أو الأسهم التي تبدو وكأنها صفقات ولكن أعمالها التجارية آخذة في التدهور. رغم ذلك يُتداول مصطلح “فخ النمو” في هذه الأيام، الذي يشير في كثير من الأحيان إلى الشركات التي يبدو أن لديها آفاقاً غير محدودة لكنها تفشل بالارتقاء إلى مستوى التوقعات العالية. كتب بن إنكر، رئيس تخصيص الأصول في شركة الاستثمار “جي إم أو” (GMO)، في مذكرة بحثية أخيراً: “ما هو الشيء المشترك بين كل من (نتفليكس) و(بيلوتون إنتراكتيف) (Peloton Interactive) و(كوين بيس) و(بالانتير تكنولوجيز) (Palantir Technologies)؟”. كان يشير إلى الأسهم شديدة الارتفاع التي فقدت جميعها أكثر من 50% منذ بلوغها ذروة في 2021. وقال إنكر: “جميعها أفخاخ نمو”.

“جيه بي مورغان”: حان الوقت لشراء أسهم النمو والقيمة

يستمتع مستثمرو القيمة بالأضواء حالياً. قال ميب فابر، الرئيس التنفيذي لشركة “كامبري إنفستمنت مانيجمنت” (Cambria Investment Management): “المستثمرون لديهم من الحكمة ما يمنعهم من التبختر لأنهم قد سُحقوا على مدى العقود الماضية مقابل النمو”. شهد صندوق المؤشرات المتداولة الخاص بعوائد المساهمين (Cambria Shareholder Return ETF)، التابع لشركته والذي يميل نحو أسهم القيمة، تدفقات من الأموال من المستثمرين لمدة 10 أشهر متتالية، وهي أطول فترة في تاريخه الممتد لتسع سنوات. يمكن أن تتبدد هيمنة القيمة مع التغيرات الحادة التالية للسوق المتقلبة. قال فابر: “لكنني أعتقد أنه ما يزال أمامه طريق طويل ليقطعه”.

زر الذهاب إلى الأعلى