اسامة الهتيمي يكتب: بين رحيل الزميلة شيرين وحال الصحفيين المصريين..
بوابة الاقتصاد
يقيني أن الزخم الذي تحياه الآن قضية الصحفية الفلسطينية الراحلة شيرين أبوعاقلة لن يتجاوز عدة أيام لتصبح مجرد ملف في أرشيف ذاكراتنا نستدعيه عندما تدفع التطورات إلى ذلك وعليه فإن غاية ما يمكن أن تحظى به هذه القضية هو ذكرها بين الحين والآخر بشكل عرضي في غيبة لمشاعرنا الثائرة وعواطفنا الجياشة ورغبتنا الملحة في الثأر لها أو حتى الإصرار على توظيفها من أجل لفت الأنظار وتسليط الأضواء على أشرف وأطول وأعقد قضية في التاريخ القديم والحديث.
وبداية أؤكد أن ما أشرت إليه في السطور السابقة ليس تجنيا على حالنا أو افتراء على سلوكنا لكنه توصيف دقيق لما آلت إليه ردود أفعالنا وأضحت عليه عاداتنا مع كل قضايانا التي أصبح الحديث عنها لا يحرك شعرة واحدة في أجسادنا بعد أن تجمدت في عروقنا الدماء.
وهنا يحلو لي أن أسوق لكم موقفا حقيقيا عايشته بنفسي مع أحد المفكرين العرب الكبار – رحمه الله – والذي أراد أن يلفت نظرنا إلى أن حماسنا لبعض القضايا هو حماس وقتي يفتر سريعا مع الأيام بل ويصبح كل تطور يتعلق بهذه القضية أو تلك هو أمر عادي لا يلقى سوى ردود فعل أغلبها يكون روتيني وشكلي.
ففي أحد الاجتماعات السياسية التي حضرتها مع هذا المفكر الراحل في نهاية التسعينيات من القرن الميلادي الماضي فاجأنا رحمه الله بسؤالنا هل علمتم ما حدث بالأمس؟.. فرددنا جميعا.. خير؟.. فرد قائلا “لقد ادعت “إسرائيل” أن لها حقا في مكة المكرمة وأنها ستعمل على استرداده”.. ففزعنا جميعا مما قال فوقف البعض وفتح آخرون أفواههم من صدمة الخبر فيما احمرت وجوه الآخرين غضبا وغيظا ثم وبعد أن تركنا على حالنا هذه لفترة قصيرة.. قال: “كان ذلك حال العرب والمسلمين يوم أن وقعت فلسطين في أسر الاحتلال ثم يوما بعد يوم نسوا القضية وأصبحت أخبارها كالخضار المسلوق لا طعم لها”.. عندئذ أدركنا المراد وفهمنا المقصود..
نعم تألمت وتألم الملايين غيري في أنحاء المعمورة لموت البطلة شيرين أبو عاقلة فقد جسد موتها بعضا من مأساتنا كما ذكرنا اغتيالها بأن الهوان حط علينا إلى أقصى درجة حتى أعجزنا عن الفعل فلم يعد بمقدرونا سوى الصراخ والعويل والشجب والإدانة والاستنكار وهو حتى السلوك الذي استكثره البعض علينا بكل أسف فحاولوا نزع الإحساس به بافتعال جدل مقيت وعقيم يخل بالأولويات ولا يخدم إلا العدو.
لكني وفي مقابل ذلك وبشكل براجماتي رأيت أنه من الضروري أن لا أضيع الفرصة وأن أحسن استغلال حالة التهاب المشاعر والتفاعل الواسع مع قضية شيرين بشكل خاص والصحفيين بشكل عام لأذكر الجميع بمأسأة أخرى لا تقل عن مأساة شيرين بل تفوقها فقد طال أمدها واتسعت رقعتها وطفت على السطح آثارها السلبية على المستوى الشخصي والمجتمعي.
والحقيقة أنني لست الأول ولن أكون الأخير الذي يدق ناقوس الخطر بشأن ما يمر به عدد كبير من الصحفيين المصريين والذي لم يعد أمرا خافيا أو مجهولا فظني أن الجميع بات يعلم بما هو واقع لكن الأمر لا يخرج عن أحد احتمالين فإما عجز عن التعاطي مع هذا الملف وإما تجاهل له حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا..
كما أن إثارتي لهذه القضية ليس افتئاتا على نقابتنا الغراء أو تجاوزا لدور نقيبنا وأعضاء مجلسها الموقر والذين يفترض بهم أن يكونوا جنودا يقظين وباستمرار في خندق الدفاع عن المهنة والعاملين عليها وبالتالي فإن كلماتي ليست إلا محاولة من غيور وعملا بقول الله عز وجل “وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين”.
لقد كتبت مرارا أن الصحفيين المصريين ثروة قومية يجب المحافظة عليها وأن إهمالهم إهدار لهذه الثروة فحركة الوعي الجماهيري ترتكز بشكل كبير على الدور الذي يقومون به وعليه فإنهم المعنيون الأول بالدفاع عن حقوق الوطن وتوضيح مواقفه ومواجهة قوى الشر والفساد ومحاربة الإرهاب وإقامة حائط صد ضد كل الأفكار الهدامة والدفاع عن حقوق المواطنة والانتصار للمظلومين وترسيح قيم العدالة والحرية وصوت الشعوب وسجل تطلعاتها فضلا عن تبصير المعنيين بتفاصيل الكثير من الملفات والقضايا ومن ثم فإن الحفاظ على هذه الثروة أضحى واجبا وطنيا لا يمكن التفريط فيه أو التغافل عنه مهما كانت الظروف..
ترتيبا على ما سبق فسأسمح لنفسي حق الرصد لما يعايشه بعض الزملاء الصحفيين فلربما تصادف كلماتي أذنا صاغية وقلوبا مفتوحة ونفوسا غيورة من المحبين لهذا الوطن – وهم كثر- فتستحضرها وتصدر بها لتصبح محورا للنقاش حول واقع الوطن ومستقبله في أية حوارات.
هل يعلم السيد نقيب الصحفيين والزملاء أعضاء مجلس النقابة – وهم بالتأكيد يعلمون- أن حال عدد كبير من الزملاء الصحفيين يشبه إلى حد كبير حال من أحيلوا للمعاش المبكر في ذروة قدرتهم على العطاء لأسباب متعددة منها غلق أو وقف أو إفلاس المؤسسات الملحقين بها أو غير ذلك من الأسباب وهو ما أثر بالسلب على حالتهم النفسية فما أقسى أن يستشعر المرء وخاصة المثقف أنه أصبح عالة على المجتمع وأن لديه ما يمكن أن يعطيه دون أن يلتف إليه أحد.. إنه بكل تأكيد شعور قاتل..
هل يعلم السيد النقيب والزملاء أعضاء المجلس – وهم بالتأكيد يعلمون- أن الكثير من الزملاء ترك العمل بالمهنة بالفعل وتحول مضطرا إلى أعمال أخرى فبعضهم اتجه للعمل بالتدريس وإعطاء الدروس الخصوصية وبعضهم فتح محال تجارية أو العمل في التسويق العقاري أو الإعلانات فيما أن بعض الزميلات اتجهن للعمل في حضانات أطفال أو دور تحفيظ القرآن بل إن أحدهم أخبرني أنه لو استطاع من الناحية الصحية للعمل كحارس أمن فلن يتردد مع كل تقدير واحترام بطبيعة الحال لكل المهن والعاملين فيها..
هل يعلم السيد النقيب والزملاء أعضاء المجلس – وهم بالتأكيد يعلمون – أن الكثير من الزملاء باعوا ممتلكاتهم فباع بعضهم سياراتهم الخاصة أو شققهم السكنية ليغطوا احتياجات أسرهم المادية في ظل أوضاع اقتصادية متردية تفاديا لذل المسألة وحفظا لماء وجهوههم في مجتمع لا زال ينظر نظرة إكبار وتقدير للصحفيين حتى أخبرني أحدهم أيضا أنه باع ما ورثه عن والده من أرض زراعية حتى لا يحقرنه الناس الذين ينادونه أغلبهم بـ يا “باشا”..
هل يعلم السيد النقيب والزملاء أعضاء المجلس – وهم بالتأكيد يعلمون – أن بعض الزملاء يعمل في بعض المكاتب البحثية والخدمات الإعلامية وأن بعضهم للأسف رضخوا لمطالب أصحابها أو القائمين عليها بكتابة الأبحاث والدراسات والمقالات لتنسب لغيرهم فيبيعون بذلك جهدهم بثمن بخس..
هل يعلم السيد النقيب والسادة الزملاء أعضاء المجلس – وهم بالتاكيد يعلمون – أن بعض الزملاء أصيب بالإحباط الذي تطور إلى حالة من الاكتئاب النفسي وفقدان الثقة في الذات والشعور بالدونية أمام واقع قاسي يفرم المثقف فرما بلا رحمة أو هوادة خاصة عندما يكون هذا الصحفي قبلة الكثير من الناس يشكونه حالهم معتقدين أنه سيكون صوتهم المعبر عنهم ولا يحسبون أبدا أن حالهم بالنسبة لحاله جنة يتطلع إليها ويحلم بها..
يا سيادة النقيب ويا أيها الزملاء أعضاء المجلس لست مبالغا عندما أبلغكم أنني ولفترة طويلة – سابقة – لم يكن يمر علي يوم دون أن يتواصل معي زميل أو أكثر طالبا مني مساعدته في الحصول على فرصة عمل مظنة أن ذلك بإمكاني فيصيبني الخجل من إخباره بأنني نفسي أعاني مما يعاني منه قطاع كبير من زملائنا..
معالي النقيب والسادة أعضاء المجلس بالطبع أدرك أن ما أشرت إليه هو بعض صورة ربما تكون تفاصيلها المعلومة لديكم أسوأ مما ذكرت بكثير فلديكم معلومات دقيقة حول عدد الزملاء الذين تقدموا بطلبات الحصول على القرض الحسن الذي لا يزيد عن عشرة آلاف جنيه ليس إلا لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الطارئة لأسر الصحفيين ولديكم معلومات دقيقة عن عدد الصحفيين الذين تقدموا بطلبات الحصول على بدل البطالة والذي لم يتم البت فيه بعد على الرغم من مرور شهور على فتح باب التقدم له فضلا عن أن لديكم معلومات عن مدى اللهفة التي تتلبس الكثير من الزملاء مع نهاية كل شهر انتظارا لبدل التكنولوجيا وتلك القضايا المرفوعة من قبل بعضهم للمطالبة بأن تكون زيادته دورية ليست متعلقة بانتخابات النقيب ولديكم معلومات دقيقة عن هؤلاء الزملاء الذين يضطرون للقيام بما لا يليق بالصحفيين حتى يمكن أن يفوا بالتزاماتهم ولديكم الكثير والكثير..
معالي النقيب والسادة الزملاء أعضاء المجلس ما سبق ليس إلا إلقاء ضوء على جانب واحد من معاناة أبناء مهنتكم التي يبدو أنه لم يعد لها بواكي فلم نتطرق للحديث عن العديد من المشكلات والقضايا الأخرى والتي يأتي ملف الحقوق والحريات في مقدمتها فهل يسمعنا أحد؟.