للمرة السادسة: الأموال الساخنة تهبط بأصول مصر الأجنبية
بوابة الاقتصاد
سجلت 11.9 مليار دولار ومحللون: الودائع الخليجية ستعيد الأمور إلى طبيعتها والعبرة بسداد الالتزامات
للشهر السادس على التوالي، أظهرت بيانات البنك المركزي المصري صافي الأصول الأجنبية كقيمة سلبية بعد أن انخفضت بنحو 169.7 مليار جنيه (نحو 9.18 مليار دولار أميركي)، لتسجل 221 مليار جنيه (12 مليار دولار) قيمة سالبة في نهاية مارس (آذار) الماضي، بعد تراجع استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية منذ سبتمبر (أيلول) الماضي مع تلميحات الفيدرالي الأميركي لرفع أسعار الفائدة.
وصافي الأصول الأجنبية معادلة مصرفية يجري خلالها خصم التزامات القطاع المصرفي (بما فيها البنك المركزي المصري) تجاه غير المقيمين من إجمالي الأصول بالعملة الأجنبية، وهو ما يعكس زيادة الالتزامات على البنوك، لدرجة يتحول معها الصافي إلى سالب.
وهبوط صافي الأصول الأجنبية إلى هذا المستوى مستمر للشهر السادس على التوالي ليصل في مارس الماضي إلى أكبر تراجع له مع تفشي الجائحة العالمية في القاهرة في فبراير (شباط) 2020.
ووفقاً لبيان البنك المركزي المصري، هبط صافي الأصول الأجنبية إلى سالب 221.3 مليار جنيه (نحو 11.9 مليار دولار) في نهاية مارس 2022 من سالب 51.69 مليار جنيه (2.7 مليار دولار) في فبراير السابق له، متراجعاً من 186.3 مليار جنيه (9.8 مليار دولار) كقيمة موجبة هابطاً من 320 مليار جنيه (17 مليار دولار) في فبراير 2021.
المحللون الذين تحدثت إليهم “اندبندنت عربية”، عبروا عن قلقهم من التدهور في قيمة صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك، لكن في الوقت نفسه لم يتخطَّ القلق مرحلة الخطورة من وجهة نظرهم.
رهان الودائع الخليجية
وقال المتخصص في شؤون الاقتصاد الكلي، هاني توفيق، إن ظهور القيمة السالبة لصافي الأصول الأجنبية لـ6 أشهر على التوالي “أمر مقلق” بطبيعة الحال، مستدركاً، “لكن المطمئن في ذلك هو أن تلك البيانات تعود إلى مارس الماضي، قبل تدفق الودائع الخليجية من السعودية والإمارات وقطر”، مؤكداً أن المركزي المصري استخدم تلك الودائع “في تغطية تلك القيم السالبة وسداد الأصول إلى الدائنين”. وأشار إلى أن تقرير يونيو (حزيران) سيظهر بيانات أبريل (نيسان) بعد تعديل الموقف.
وأرجع توفيق تفاقم قيمة الأصول الأجنبية لدى الجهاز المصرفي لهذا الحد إلى “تخارج المستثمرين الأجانب بأموالهم الساخنة من القاهرة منذ بداية سبتمبر الماضي”، إذ إن تلك الفترة شهدت بداية تلميحات الفيدرالي الأميركي لـ”اتباع سياسة مالية ونقدية متشددة قبل أن يرفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة مئوية على دفعتين”.
وقبل شهرين، رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، لتصبح 0.5 في المئة، للمرة الأولى للزيادة منذ عام 2018، قبل أن يعاود الرفع مرة أخرى في مايو (أيار)، مما دفع المركزي المصري إلى رفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بمقدار 100 نقطة أساس (واحد في المئة) في جلسة استثنائية في 21 مارس الماضي، ثم أعقبه بخفض قيمة الجنيه بنحو 14 في المئة، بعد تراجع حاد في حجم السيولة من العملات الأجنبية بعد تخارج المستثمرين الأجانب من الاستثمار في أدوات الدين الحكومية، وعلى أثر ذلك تلقت القاهرة وديعة سعودية بقيمة 5 مليارات دولار أميركي، لدعم احتياطيها النقدي من العملات الأجنبية، الأربعاء 30 مارس مع وعود بضخ استثمارات سعودية وقطرية وإماراتية قد تصل إلى 15 مليار دولار.
هبوط الاستثمارات الأجنبية
وهبطت استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية إلى 28.8 مليار دولار في ديسمبر (كانون الأول) الماضي من 34.1 مليار دولار في سبتمبر 2021، وارتفع الدين الخارجي للبلاد منذ عام 2012 بنسبة 275 في المئة، ليصل إلى 145.5 مليار دولار في عام 2021، مرتفعاً من 38.8 مليار دولار في عام 2012، وبلغ متوسط الزيادة السنوية للدين الخارجي لمصر في السنوات الثلاث الأخيرة 16 مليار دولار وفقاً لوكالة “بلومبيرغ”.
من جانبه، أكد رئيس قطاع البحوث بالجامعة الأميركية في القاهرة، هاني جنينة، أن هناك عدة أسباب تهبط بقيمة صافي الأصول الأجنبية، موضحاً أن أول الأسباب المباشرة هو “تراجع استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية من أذون وسندات خزانة”، مشيراً إلى عدة أسباب أخرى منها “التغير في قيم الصادرات والواردات، وسداد الالتزامات الدولية على القاهرة للخارج، أو تباطؤ قيمة تحويلات المصريين العاملين بالخارج أو قناة السويس أو حتى تراجع حصيلة السياحة”.
هل يحدث السيناريو الأخطر؟
وأضاف أن أخطر سيناريوهات تحول القيمة من موجبة إلى سالبة هي أن “يطالب كل الدائنين الحكومة المصرية بأصولهم دفعة واحدة وبشكل لحظي”، لكنه استبعد هذا السيناريو، مستنداً إلى أن القاهرة “لديها من المرونة الكافية للسداد حتى لو طلب كل الدائنين أموالهم في الوقت ذاته، وبشكل لحظي عبر تدوير المديونية بالاستدانة من آخرين”، لافتاً إلى أن الأرجنتين تعاني هذا الموقف في الوقت الحالي، وسريلانكا في جنوب الهند، علاوة على تركيا في أوقات سابقة.
ويتظاهر السريلانكيون منذ أسابيع عدة، متهمين الرئيس راجاباكسا وشقيقه رئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا، بإدخال البلاد في أزمة اقتصادية متفاقمة، ويطالبون باستقالتهما. أدى انقطاع التيار الكهربائي والنقص الحاد في الغذاء والوقود والأدوية لأشهر عدة إلى معاناة واسعة النطاق في جميع أنحاء الجزيرة الواقعة في جنوب آسيا، التي تشهد أسوأ تباطؤ اقتصادي على الإطلاق.
وفي تصريحات سابقة لـ”اندبندنت عربية”، قال المتخصص في القطاع المصرفي محمد عبد العال، إن صافي أصول البنوك الأجنبية “يتسم بالمرونة والحركة”، فهو قابل للزيادة والانخفاض بحسب الالتزامات الموسمية والدورية المطلوبة من الجهاز المصرفي وحجم التدفقات من العملة الأجنبية.
وأكد عبد العال أن مرونة تحرك صافي الأصول الأجنبية بالزيادة أو الانخفاض “يعد أمراً صحياً، وليس هناك ما يدعو إلى القلق، إذ يعبر ذلك عن سداد التزامات مطلوبة في وقت آجالها”، مستدلاً أنه في أوقات أخرى، “يرتفع صافي هذه الأصول”.
ويرى عبد العال أن انخفاض صافي الأصول الأجنبية في الفترة الأخيرة يرجع إلى عوامل مختلفة، منها “وجود زيادة في معدلات التجارة الخارجية أو التزامات حانت آجالها، وحان سدادها على أي بنك، أو ارتفاعات أسعار السلع المستوردة، بسبب زيادة التضخم العالمي”، مشيراً إلى أنها ليست المرة الأولى التي يمر بها الجهاز المصرفي بتحول صافي الأصول الأجنبية إلى السالب، فقبل تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي وتحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي (التعويم) في نوفمبر 2016، كان يعاني الجهاز المصرفي من تسجيل معدل سالب آنذاك، موضحاً أنه سجل أول معدل موجب بعد قرار (التعويم).
وسجل صافي الاحتياطيات الدولية بالبنك المركزي المصري، الذي يعرف باحتياطي النقد الأجنبي، زيادة طفيفة خلال أبريل الماضي، ليصل إلى 37.124 مليار دولار أميركي.ووفقاً لبيان رسمي، قال المركزي المصري، إن صافي الاحتياطي الأجنبي سجل في نهاية مارس الماضي 37.082 مليار دولار، وهو ما يشير إلى زيادة خلال الشهر التالي له أبريل بمقدار 42 مليون دولار.