لماذا لا تسعى شركات النفط الأميركية لإنقاذ أوروبا؟
بوابة الاقتصاد
شكوك حول استمرار ارتفاع الأسعار تدفع المستثمرين للتراجع عن زيادة الإنتاج
على الرغم من قدرة الولايات المتحدة الأميركية على طرح مزيد من النفط والغاز في السوق، لمساعدة أوروبا على إنهاء اعتمادها على الطاقة الروسية، فإن معظم الشركات لا يزال إنتاجها ثابتاً بشكل أساسي، ومن غير المرجح أيضاً أن يزيد بشكل كبير لمدة عام أو عامين آخرين على الأقل، وفي حال توقفت القارة العجوز عن شراء النفط والغاز الطبيعي الروسي كما وعد بعض قادتها، فلن يتمكنوا من استبدال تلك الطاقة بالوقود من أميركا في أي وقت قريب.
وكان إنتاج الولايات المتحدة من النفط قد ارتفع بأقل من 2 في المئة، إلى 11.8 مليون برميل يومياً، منذ ديسمبر (كانون الأول) ولا يزال أقل بكثير من الرقم القياسي 13.1 مليون برميل يومياً، المحدد في مارس (آذار) 2020 قبل أن يتسبب الوباء في شل الاقتصاد العالمي.
ويتوقع مراقبون أن يبلغ متوسط إنتاج النفط الأميركي 12 مليون برميل فقط يومياً في عام 2022، ويزيد بمقدار مليون برميل آخر تقريباً في 2023. وهذا سيكون أقل بكثير من الأربعة ملايين برميل التي تستوردها أوروبا من روسيا يومياً.
حذر شركات النفط الأميركية
جيم كرين، خبير الطاقة في جامعة رايس، قال لصحيفة “نيويورك تايمز”: “كان لديهم تلك الصناعة المتفجرة التي تروج لنفسها على أنها تجسيد للروح الابتكارية الأميركية، والآن بعد أن أصبح بإمكانهم القفز إلى العمل لتقديم النفط الذي تشتد حاجة العالم إليه، فإنهم يتوخون الحذر بشكل غير معهود”.
السبب الأكبر لعدم زيادة إنتاج النفط هو أن شركات الطاقة الأميركية ومستثمري “وول ستريت” ليسوا متأكدين من استمرار ارتفاع الأسعار لفترة كافية، لتحقيق ربح من حفر الكثير من الآبار الجديدة. ويتذكر الكثيرون كيف انهارت أسعار النفط بشكل مفاجئ وحاد قبل عامين، مما أجبر الشركات على تسريح آلاف الموظفين، وإغلاق الآبار، وحتى طلب الحماية من الإفلاس.
وقدم المسؤولون التنفيذيون في 141 شركة نفطية شملها الاستطلاع من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي في دالاس بمنتصف مارس (آذار) أسباباً عدة لعدم ضخ مزيد من النفط، حيث قالوا إنهم يفتقرون إلى العمال والرمل، الذي يستخدم لكسر الصخر الزيتي لإخراج النفط من الصخور، لكن السبب الأكثر بروزاً – وهو السبب الذي قدمه 60 في المئة من المشاركين – هو أن المستثمرين لا يريدون أن تنتج الشركات الكثير من النفط، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى التعجيل بنهاية أسعار النفط المرتفعة.
متوسط الأسعار
ووجد مسح مجلس الاحتياطي الفيدرالي في دالاس أن الشركات الأميركية تحتاج إلى أن يصل متوسط أسعار النفط لـ56 دولاراً للبرميل فقط لتحقيق التعادل، أي أكثر بقليل من نصف السعر الحالي، لكن البعض قلق من أن السعر قد ينخفض إلى ما لا يقل عن 50 دولاراً بحلول نهاية العام.
بن شيبرد، رئيس جمعية نفط حوض بيرميان في ميدلاند، بتكساس، قال: “لا تزال الذاكرة تحتفظ بقدر هائل مما فعله كوفيد والانخفاض الكبير في الأسعار”. وأضاف: “إذا كنا مقتنعين بأن أسعار النفط ستستقر عند مستويات 75 دولاراً للبرميل أو أكثر لمدة ثلاث سنوات أخرى، فسترى مستوى أعلى لنشر رأس المال”.
شركات النفط الأميركية ليست وحدها في هذه الرؤية، حيث رفضت السعودية والإمارات وأعضاء آخرون في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ضخ المزيد من النفط منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا في أواخر فبراير (شباط) الماضي.
ويقف هذا الإحجام عميق الجذور على النقيض من الطريقة التي تتصرف بها صناعة النفط عادة عندما ترتفع الأسعار، فعلى مدى العقدين الماضيين، استجابت شركات النفط دائماً للأسعار المرتفعة من خلال الاستثمار وضخ المزيد. وترافق جنون الحفر مع ارتفاع الأسعار في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومرة أخرى في الانتعاش الذي أعقب الأزمة المالية لعام 2008، حيث تضاعف إنتاج الولايات المتحدة من النفط منذ عام 2006، وأصبحت البلاد مصدراً رئيساً للنفط والغاز الطبيعي والمنتجات البترولية مثل البنزين والديزل.
انهيارات ضخمة
لكن كل طفرة في الأسعار أعقبها انهيار ضخم، فقد كانت هناك ثلاثة انهيارات في آخر 14 عاماً. ورفعت عشرات الشركات قضايا إفلاس. وقبل عامين فقط، تراجعت أسعار النفط بأكثر من 50 دولاراً للبرميل في يوم واحد إلى أقل من الصفر، مع انتشار الوباء ولم يكن لدى المنتجين مكان لتخزين النفط الذي لا يحتاج أحد لشرائه.
وانخفض سهم شركة “إكسون موبيل” بدرجة كبيرة، حتى إنها طردت من مؤشر “داو جونز” الصناعي، وهي المسجلة فيه منذ عام 1928، وأصبح رحيلها رمزاً لنفور “وول ستريت” المتزايد من مخزون الوقود الأحفوري، حيث يطالب المزيد من المستثمرين الشركات بتقليل الانبعاثات المسببة للتغير المناخي.
ويستشهد المسؤولون التنفيذيون والمستثمرون في مجال النفط بعدد من النتائج التي يمكن أن تنخفض الأسعار بموجبها مرة أخرى بسرعة. فعلى سبيل المثال، قد تخسر روسيا الحرب وتضطر إلى التراجع. ويمكن لتفشي “كوفيد-19” وحالات الإغلاق في الصين أن تعوق اقتصاد ذلك البلد، مما يؤدي إلى انخفاض النمو العالمي والطلب على الطاقة. ويمكن لاتفاق نووي جديد مع إيران أن يفتح حنفية لصادرات النفط.
ولم تعد شركة “بايونير ناتشورال ريسورسز”، وهي منتج رئيس في تكساس استحوذت العام الماضي على شركتين نفطيتين أخريين، تهدف إلى زيادة الإنتاج بنسبة 20 في المئة، كما فعلت في السنوات الماضية. وهي تهدف الآن إلى النمو بنسبة 5 في المئة فقط. وقال الرئيس التنفيذي للشركة، سكوت شيفيلد، إنه يهدف إلى إعادة 80 في المئة من التدفق النقدي الحر (النقد المتبقي بعد أن تدفع مصاريف التشغيل ونفقات رأس المال) إلى المساهمين، مضيفاً: “لقد تغير النموذج تماماً”.
التضخم يقوض جهود إنتاج النفط
ويجادل المسؤولون التنفيذيون في قطاع النفط أيضاً بأنهم ينفقون الكثير من الأموال على إنتاج النفط والغاز الجديد، لكن التضخم يقوض جهودهم، حيث يتوقع أن يرتفع الإنفاق على الاستكشاف والإنتاج بأكثر من 20 في المئة هذا العام، لكن نحو ثلثي هذه الزيادة سيوجه نحو دفع أسعار أعلى للعمالة والمواد والخدمات، من بين تكاليف أخرى، وفقاً لشركة الأبحاث “آر بي إن إنرجي” في هيوستن.
وقال جيف ميللر، الرئيس التنفيذي لشركة هاليبرتون، التي تحفر الآبار وتؤدي خدمات أخرى لشركات النفط، للمحللين في مؤتمر عبر الهاتف: “إنها نوع من الصدمة لأننا نشهد تضخماً في جميع أنحاء القطاع”.
وتعد الشركات الخاصة الأصغر، التي تمولها الأسهم الخاصة، المسؤولة عن جزء كبير من النشاط الجديد، وفقاً لمسح مجلس الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، وكان من المتوقع أن يبلغ متوسط معدل النمو للشركات التي تنتج أقل من 10 آلاف برميل يومياً 15 في المئة هذا العام، مقارنة بـ6 في المئة فقط للشركات التي تنتج أكثر.
وتشتكي شركات النفط الكبرى من أنها حتى لو أرادت الاستثمار أكثر، فسيكون ذلك صعباً، لأن “وول ستريت” ليست حريصة على تمويل مشاريع الوقود الأحفوري الجديدة. ويضع بعض المستثمرين المهتمين بتغير المناخ أموالهم بدلاً من ذلك في الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية وغيرها من الأعمال التجارية. بالتالي، ليس الأمر أن المستثمرين أصبحوا دعاة حماية البيئة، حيث خلص الكثير منهم إلى أن القفزة الأخيرة في أسعار الوقود الأحفوري ستكون قصيرة الأجل وأنهم أفضل حالاً في الاستثمار في الشركات والصناعات التي يعتقدون أنها تتمتع بمستقبل أكثر إشراقاً.
إيمي مايرز جاف، المديرة الإدارية لمختبر سياسة المناخ في مدرسة فليتشر بجامعة تافتس، تساءلت: “إذا كنت مستثمراً، فهل تغيرت وجهة نظرك للسنوات الخمس إلى العشر القادمة بالفعل؟”. وأضافت “أعتقد أن الإجابة هي لا”. وتابعت، “يخبرنا التاريخ أن صدمات النفط تسرع التحول إلى الطاقة البديلة، وليس العكس”.
مستقبل صناعة النفط محاطة بالغموض
ويشتكي العديد من المديرين التنفيذيين في مجال النفط من أن مستقبل صناعتهم يحيط به الغموض السياسي والتنظيمي. وهم يعترفون بأن الرئيس بايدن كان يدعوهم إلى إنتاج المزيد، لكنهم يخشون أن تعود إدارته إلى تأكيد الحاجة إلى تقليل النفط والغاز عندما تنخفض الأسعار.
وقال كيرك إدواردز، الرئيس التنفيذي لشركة “لاتيجو بتروليوم”، وهي شركة منتجة في غرب تكساس: “خلال يوم الأرض، قال الرئيس إنه يتعين علينا التخلي عن النفط، وفي الوقت نفسه يطلب منا مليوني برميل إضافي لإرسالها إلى أوروبا”. وأضاف: “لا يمكنك السير في كلا الاتجاهين”.
ومن غير المحتمل أن يزول التعارض بين المزايا الاستراتيجية لإنتاج النفط والغاز المحلي والتكاليف البيئية لاستخدام الوقود الأحفوري قريباً. ويشعر دعاة حماية البيئة بالقلق من أن منح المزيد من التصاريح للتنقيب عن النفط في الأراضي العامة وبناء محطات جديدة لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا سيزيد من اعتماد العالم على الوقود الأحفوري، لكن المسؤولين في الإدارة ردوا بأن تركيزهم على زيادة إنتاج النفط والغاز لن يثني الجهود طويلة المدى للانتقال إلى طاقة أنظف.
وقال إيفان إليس، الباحث في الكلية الحربية الأميركية والمخطط السابق بوزارة الخارجية: “لا يمكننا الانتقال إلى الطاقة الخضراء بطريقة تجعلنا وحلفاءنا نعتمد على نفط خصومنا الجيوسياسيين”. وأضاف: “إن قدرة الولايات المتحدة على طرح المزيد من النفط والغاز في السوق ستكون سلاحاً مفيداً، وستمكن الأوروبيين من فطام أنفسهم عن الطاقة الروسية”.
وقال ديفيد برازيل، الرئيس التنفيذي لشركة “آر بي إن إنرجي”، إن الولايات المتحدة لديها القدرة على تصدير أكثر من ستة ملايين برميل من النفط يومياً، أي ضعف ما تصدره الآن تقريباً. وقال إنه بينما سيستغرق تكثيف الإنتاج وقتاً، يمكن أن تنتج الصناعة 16 مليون برميل يومياً بحلول عام 2027، أي أربعة ملايين برميل أكثر من الآن، بافتراض استمرار ارتفاع الأسعار وزيادة الاستثمارات.
وأضاف برازيل: “لدينا الكثير من القدرة على استخراج النفط الخام الإضافي”. وتابع: “يمكننا أن نفعل الآن أكثر بكثير مما نفعله حالياً”.