كيف قضت حرب أوكرانيا على فرص انتعاش قطاع السياحة في مصر وعدة دول؟
بوابة الاقتصاد
تركيا ومصر وبولندا أكثر المتضررين لكن الخسائر تطاول بقية دول العالم
بدأت تأثيرات الحرب الروسية في أوكرانيا تنعكس بشكل واضح على قطاعات كثيرة في الاقتصاد العالمي، ومن بين أكثر تلك القطاعات تضرراً قطاع السياحة والسفر الجوي. واضطرت المؤسسات الدولية إلى تعديل توقعاتها لنمو قطاع السياحة بالخفض الشديد في ظل استمرار الحرب وتشديد العقوبات المفروضة على روسيا.
هذا الأسبوع، خفضت وحدة الاستخبارات التابعة لمجموعة “الإيكونوميست” توقعاتها لنمو قطاع السياحة في أوروبا بسبب “العقوبات على روسيا وارتفاع معدلات التضخم العالمية وفقدان القطاع السياح من روسيا وأوكرانيا”. ونشرت تقريراً مفصلاً حول الأضرار التي مُني بها القطاع، وكانت توقعاتها السابقة تقدر أن يعود إلى مستويات ما قبل وباء كورونا في العام المقبل 2023. وخلص التقرير إلى أن ذلك الهدف أصبح بعيد المنال الآن.
ويتوقع أن تزيد معاناة قطاع السياحة الأوروبي نتيجة غياب السياح الروس والأوكرانيين والقيود التي فُرضت أخيراً على خطوط الطيران واستخدام المجال الجوي في عدة مناطق وارتفاع أسعار الوقود والغذاء والضربة الكبيرة التي تلقتها ثقة المسافرين، إضافة إلى تراجع دخل الأسر بشكل عام.
ويقدر أن تعاني تركيا وبولندا من أكبر تراجع في أعداد السائحين إلى البلدين، لكن وجهات سياحية أوروبية أخرى مثل قبرص ولاتفيا ستعاني بشدة أيضاً لاعتمادها الكبير على زيارة السياح الروس الذين يعتبرون أيضاً الأفضل إنفاقاً.
لاجئون بدلاً من السياح
يعد فصل الصيف موسم السياحة الأكبر في أوروبا، وكان المأمول أن يكون صيف هذا عام 2022 أول موسم تعافٍ واضح لقطاع السياحة والسفر بعد عامين من الركود بسبب القيود التي صاحبت أزمة كورونا. لكن الآن، مع حرب أوكرانيا هناك الملايين خرجوا من أوكرانيا إلى دول أوروبا، إنما كلاجئين، وليسوا كزوار سائحين.
أما بالنسبة لروسيا، فإن السائحين الروس لن يكونوا فقط غير مرحب بهم كزوار في كثير من دول أوروبا، بل إنه سيكون من الصعب عليهم أصلاً السفر للسياحة بسبب الحظر المفروض على الطيران المدني الروسي والقيود على استخدام المجال الجوي.
يضاف إلى ذلك أن الحرب في أوكرانيا أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة، بالتالي تعاني شركات الطيران من ارتفاع تكلفة وقود الطائرات، وهي ما زالت ترزح تحت عبء ديون نتيجة خسائرها من توقف أعمالها في أزمة كورونا.
كما أن ارتفاع معدلات التضخم والزيادة الهائلة في أسعار السلع الأساسية أدّيا إلى تآكل دخل الأسر. وبسبب الغلاء وقلة الوفرة من الدخل أصبح التخطيط لعطلة والقيام بها بنداً خارج ميزانيات الكثيرين، ما يعني تراجعاً شديداً على الطلب في مجال السفر للسياحة.
لتوضيح تأثير غياب السائحين من روسيا وأوكرانيا على قطاع السياحة العالمي عموماً، تشير أرقام منظمة السياحة العالمية إلى أنه قبل اضطراب قطاع السفر والسياحة بسبب وباء كورونا كانت روسيا في المرتبة 11 عالمياً كمصدر لأعداد السائحين، بينما كانت أوكرانيا في المرتبة 13 عالمياً.
وفي عام 2019 بلغ عدد السائحين من البلدين 75 مليون سائح يشكلون 5 في المئة تقريباً من إجمالي عدد السائحين عالمياً. وأهمية السياحة الوافدة من روسيا وأوكرانيا لا تقتصر فقط على الأعداد، بل إن مساهمات السائحين من البلدين في عائدات قطاع السياحة في غاية الأهمية. فقد بلغت العائدات للوجهات السياحية من السائحين من البلدين في عام 2019 (50 مليار دولار)، تشكل نسبة 8 في المئة من إجمالي عائدات السياحة عالمياً.
الوجهات المتضررة
بحسب أرقام منظمة السياحة العالمية الواردة في تقرير وحدة “الإيكونوميست” فإن تركيا وبولندا هما الدولتان الأكثر تضرراً من غياب السائحين من روسيا وأوكرانيا. ففي عام 2018 اجتذبت تركيا حوالى 6 ملايين سائح من روسيا و1.4 مليون سائح من أوكرانيا. وشكّل هؤلاء ما نسبته 16 في المئة من إجمالي السائحين الذين زاروا تركيا في ذلك لعام. وتلي بولندا وإيطاليا تركيا في الأهمية كوجهة سياحية للروس والأوكرانيين. وإذا كان السائحين الروس ما زال بإمكانهم زيارة وجهات آسيوية مثل الصين وتايلاند، وبعض دول الجوار مثل كازاخستان، إلا أن قدومهم إلى الوجهات الأوروبية ليس وارداً بالطبع.
ومن الوجهات الأوروبية الأخرى التي ستتضرر بشدة من غياب السائحين من روسيا وأوكرانيا بلدان مثل قبرص التي شكل السائحون الروس إليها عام 2019 نسبة 20 في المئة من إجمالي السائحين الذين زاروا قبرص ذلك العام. أيضاً الجبل الأسود، التي استقبطت سائحين روساً شكّلوا نسبة 29 في المئة من عدد السائحين إليها. وكذلك لاتفيا، التي بلغ عدد السائحين الروس إليها عام 2019 ما يمثل نسبة 36 في المئة من زوارها.
كما أن الوجهات التي تجتذب السائحين الأثرياء من الأوكرانيين والروس ستكون أكثر تضرراً مع خسارتها الإنفاق السياحي الكبير الذي كان هؤلاء مصدره بإنفاقهم على الفنادق الفخرة والمطاعم الغالية والسلع والبضائع الكمالية والترفيهية. من تلك الوجهات ميلان الإيطالية ولندن البريطانية وباريس الفرنسية، إضافة إلى منتجعات الاستجمام الصحية في بلدان مثل جمهورية التشيك وألمانيا.
أضرار عالمية
إلى جانب غياب السائحين من روسيا وأوكرانيا، بدأت شركات السفر والسياحة تسجل تراجعاً شديداً في أعداد حجز العطلات لدول أوروبا الشرقية من أميركا الشمالية. وكانت تلك الحجوزات شهدت ارتفاعاً مطلع العام الحالي مع تخفيف قيود السفر التي كانت مفروضة بسبب وباء كورونا، بل إن بعض شركات الطيران بدأت في إلغاء بعض رحلاتها التقليدية المنتظمة إلى دول مثل فنلندا والسويد وأغلب دول أوروبا الشرقية لقربها من مناطق الحرب.
كما أن روسيا وأوكرانيا سيفقدان أغلب السياحة التي كانت تفد إليهما سنوياً، وتشكل نسبة معقولة من حركة قطاع السياحة والسفر العالمي. ونتيجة العقوبات وحظر الطيران المصاحب لها، ستخسر روسيا قدراً كبيراً من السياحة الوافدة إليها، إذ كانت تستقبل سنوياً حوالى 25 مليون سائح. وكان القادمون من أوكرانيا يشكلون النسبة الأكبر من السائحين الزائرين لروسيا.
في المقابل، تخسر أوكرانيا تقريباً كل عائدات السياحة، حيث كانت تستقبل سنوياً 14 مليون سائح أغلبهم قادمون من روسيا. فكل سبل السفر للعطلات بين البلدين شبه متوقفة الآن، ولا يتوقع أن يُعاد فتحها قريباً. كما أن السائحين من مصادر أخرى سيُحجمون عن السفر إلى أي من البلدين لفترة حتى مع توقف الحرب.