بعد أعوام من إخضاع هوليوود لإرادتها .. “نتفليكس” تسقط أرضا
بوابة الاقتصاد
كريستوفر جرايمز من لوس أنجلوس، وآنا نيكولاو من نيويورك
إنها معادلة أساسية في مجال الأعمال التلفزيونية، قم بعمل عرض ناجح، وجدده، واجذب جماهير أكبر من أي وقت مضى. لكن شركة نتفليكس، التي أمضت أكثر من 20 عاما في تعديل قواعد العمل الترفيهي، ربما وجدت طريقة لتحدي حتى هذا العرف.
في ربيع هذا العام، ستطرح خدمة البث المباشر أحدث المواسم التي طال انتظارها لاثنين من أكثر مسلسلاتها شهرة، “أوزارك” و”سترينجر ثينجز”. لكن بدلا من تعزيز قاعدة مشتركيها، قالت “نتفليكس” هذا الأسبوع إنها تتوقع خسارة نحو مليوني عميل يدفعون في الأشهر المقبلة، وذلك بفضل مزيج من المنافسة الشديدة، ونضوج سوق الولايات المتحدة وقرارها بزيادة الأسعار في وقت يواجه فيه المستهلكون ارتفاع معدلات التضخم.
بعد أعوام من إخضاع هوليوود لإرادتها، أخيرا سقطت “نتفليكس” أرضا هذا الأسبوع حيث كشفت أن سلسلة نمو الاشتراكات الشديدة لديها المستمرة منذ عقد من الزمان قد وصلت إلى نهايتها. انخفض سعر سهمها 40 في المائة تقريبا، تاركا قيمتها السوقية عند نحو 97 مليار دولار – انخفاضا من 300 مليار دولار في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
كانت الأخبار بمنزلة اختبار عميق لصناعة البث المباشر التي نمت في أعقاب “نتفليكس”. ألهم النجاح الاستثنائي للشركة عديدا من أكبر التكتلات الإعلامية الأمريكية لإطلاق أو شراء منصات بث خاصة بها، بما في ذلك “هولو” و”ديزني بلس” التابعتان لشركة ديزني، و”إتش بي أو ماكس” التابعة لشركة وورنر بروذرز دسكوفري، و”بيكوك” التابعة لشركة إن بي سي يونيفيرسال و”باراماونت بلس” من شركة باراماونت. أطلقت مجموعتا التكنولوجيا “أمازون” و”أبل” أيضا خدمات بث واستوديوهات محتوى خاصة بهما في محاولة لمحاكاة نموذج “نتفليكس” الرائد.
أحدث هذا النموذج تحولا في صناعتي التلفزيون والأفلام وأطلق العنان لحرب تنافسية شرسة لجذب أكبر عدد ممكن من المشتركين. لكن نمو صناعة بث المحتوى عبر الإنترنت كان يستند على فرضية أن هناك سوقا عالمية يتجاوز حجمها مليار منزل على استعداد للدفع مقابل الحصول على الخدمات. لكن بعض المحللين يقولون الآن إن السوق الفعلية قد تكون أصغر من ذلك بكثير – وقد حان الوقت لإعادة التفكير في أعمال بث المحتوى التجارية التي كانت “نتفليكس” رائدة فيها.
كان تحذير “نتفليكس” للمشتركين “بمنزلة اعتراف تقريبا (…) أن هذا العمل التجاري ليس بالرائع”، كما قال مايكل ناثانسون، محلل في شركة موفيت ناثانسون والمتشكك منذ فترة طويلة في النموذج الذي تتبعه “نتفليكس”. قال، “هذا يجعلك تتساءل حقا عما إذا كان ينبغي للشركات الإعلامية أن تتراجع عن بعض طموحاتها في أن تصبح مثل نتفليكس”.
سباق التسلح بالمحتوى
يبدو أن النتائج المروعة التي حققتها “نتفليكس” تشير إلى نهاية حقبة مترفة وتجريبية من البث عبر الإنترنت تتميز بالنمو السريع والإنفاق غير المحدود وجرعة صحية من الغطرسة.
في 2007، عندما أطلقت “نتفليكس” خدمة بث المحتوى عبر الإنترنت في الولايات المتحدة، كانت مكانتها باعتبارها منصة تقدم صيغة جديدة لتحرير المشاهدين من التقاليد القديمة لبرامج التلفزيون السائدة والتكاليف الباهظة والجداول الصارمة للبرامج التلفزيونية المتميزة.
في البداية، قدمت “نتفليكس” للمشتركين إمكانية الوصول إلى الأفلام والبرامج التلفزيونية الموجودة مسبقا والمرخصة من قبل منشئي المحتوى الآخرين. لكن في 2012 نفسه عندما أطلقت خدماتها في المملكة المتحدة، بدأت تطوير المحتوى الخاص بها، وحققت نجاحا سريعا بتقديمها للدراما السياسية”هاوس أوف كاردز”، الذي تدور أحداثه في العاصمة واشنطن. قلبت “نتفليكس” حينها النموذج التقليدي للتلفزيون رأسا على عقب من خلال إتاحة جميع حلقات البرنامج مرة واحدة للمشاهدين، بدلا من إصدار حلقاته مرة كل أسبوع، الأمر الذي مكن المشاهدين من “مشاهدة جميع حلقات المسلسل” في جلسة واحدة.
بذلك أثبتت المنصة نجاحها الكبير. وفي الأعوام العشرة التي تلتها، وصل عدد المشتركين فيها إلى ما يقرب من 222 مليون مشترك في 190 دولة، بزيادة أكثر من 750 في المائة، ثم بدأت تحقق أرباحا لأول مرة في أواخر العام الماضي.
كان صعود “نتفليكس” مدعوما بالسياسة النقدية المتساهلة لفترة طويلة وعملية الصعود التاريخية للسوق، ما سمح للشركة بالإنفاق بسخاء طالما كان المستثمرون يؤمنون باستراتيجيتها. هذه البيئة التي كانت فيها معدلات الفائدة منخفضة، قام المستثمرون الذين يبحثون عن العائدات بشراء سندات “نتفليكس” بكل ثقة، حيث مول ذلك فورة إنفاق الشركة على المحتوى.
في الفترة من 2018 إلى 2021، ضخت “نتفليكس” مبلغ 55 مليار دولار لإنتاج برامج تلفزيونية وأفلام في سباقها للتنافس مع الشبكات الإعلامية الكبرى واستوديوهات هوليوود. وقد أدى الضغط الذي تسببت به منصة نتفليكس إلى تحركات على مستوى الصناعة لتوسعة النفوذ، حيث كان على كل شركة أن تنفق مبالغ طائلة كي تحقق الأرباح. في 2019، أنفقت شركة أمازون مليار دولار لإنتاج برنامج تلفزيوني واحد – مقتبس من سلسلة أفلام “ذا لورد أوف ذا رينجز” الذي يقال إنه أغلى عرض تم إنتاجه في التاريخ.
وقال رئيس سابق لإحدى أكبر خدمات بث المحتوى عبر الإنترنت، “من الأسباب التي دفعت جميع الشركات إلى الاستثمار بكثافة في الفترة من 2017 إلى 2019 هو النظرية التي تقول بأنه في العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة، سيكون التركيز كله منصبا على كسب المشتركين”. قال، “لقد كانت تلك الفترة الزمنية هي التي كان فيها الناس على وشك إجراء التغيير لاختيار إحدى خدمات بث المحتوى. إذ كان يتحتم عليهم كسبهم. ونتفليكس كانت على دراية بهذا الأمر”.
لكن سباق التسلح بالمحتوى كان في تصاعد، حيث دخل لاعبون جدد في السوق بجيوب ممتلئة فيما عززت أعداد العالقين في منازلهم أثناء الجائحة من أرقام مشاهدات البرامج. من المتوقع أن تنفق المجموعات الإعلامية الأمريكية مجتمعة مبلغا يزيد على 100 مليار دولار على المحتوى هذا العام. أما حصة “نتفليكس” وحدها من ذلك المبلغ فهي 17 مليار دولار.
هذه المبالغ “تاريخية ولم يسبق لها مثيل”، كما يقول توم نونان، الأستاذ في كلية المسرح والسينما والتلفزيون في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، والمنتج المنفذ لفيلم “كراش” الحائز جائزة الأوسكار. أضاف، “هذه الأرقام تشبه أكثر المبالغ التي تنفقها وزارة الدفاع. لكن يكاد لا يمكن تصور هذا الحجم من الإنفاق من قبل شركات فردية كهذه – إلا أن هذه الأرقام تعد بالتأكيد غير مستدامة”.
المستثمرون يغيرون قنواتهم
حتى وقت قريب، كانت وول ستريت تبتهج بالإنفاق السخي على بث المحتوى. بعد أن كشفت “ديزني” النقاب عن قائمة من برامج ديزني بلس المبنية على ملكيات مأخوذة من أفلام مارفيل ومسلسل “ستار وورز” في كانون الأول (ديسمبر) 2020، مثلا، سجل سهمها رقما قياسيا مرتفعا لفترة وجيزة.
لكن المشاعر تجاه ذلك قد تغيرت في الوقت الحالي. التشاؤم حيال صناعة البث جاء مبكرا في شباط (فبراير) من هذا العام، وذلك عندما أعلن المسؤولون التنفيذيون في شركة باراماونت استثمارات كبيرة في خدمة باراماونت بلس للبث عبر الإنترنت حيث شهدوا انخفاضا في سعر السهم 20 في المائة تقريبا في اليوم التالي.
لم تكن وول ستريت مقتنعة آنذاك بأن التحول إلى البث عبر الإنترنت من شأنه أن يرفع صافي أرباح شركة باراماونت. لكن يبدو أن إعلان “نتفليكس” هذا الشهر أكد شيئا ما للمستثمرين، إنه بغض النظر عن مدى جودة إنتاج البرنامج، من غير المرجح أن تحقق صناعة البث عبر الإنترنت تلك الأرباح التي حققتها مجموعات التلفزيون والأفلام في فترة ما قبل البث عبر الإنترنت.
قال الرئيس السابق لإحدى الخدمات الكبيرة للبث عبر الإنترنت، “من المؤكد أنه نموذج اقتصادي أصغر من التلفزيون”. وأضاف، “إن تسعير الاشتراكات الذي يتعين فرضه من أجل تكرار أرباح سوق التلفزيون يعد فلكيا”.
أعلنت منصة نتفليكس عزمها اتخاذ عدد من الإجراءات هذا الأسبوع في محاولة لتجاوز التباطؤ في أعداد المشتركين الجدد. خلال مكالمة عبر الفيديو مع المستثمرين الثلاثاء، قال سبنسر نيومان، المدير المالي في شركة نتفليكس، إن الشركة “ستتراجع عن بعض الإنفاقات الزائدة لديها”، على الرغم من أن مسؤولي الشركة يقولون إنها ستستمر في الإنفاق على إنتاج أفلام ومسلسلات جديدة أكثر من منافساتها في الصناعة.
ستتخلى الشركة أيضا عن معارضتها العلنية ومنذ فترة طويلة للإعلانات على منصة نتفليكس. اقترح ريد هاستينجز، المؤسس المشارك لشركة نتفليكس، إمكانية توفير خدمة أرخص للاشتراك مدعومة بالإعلانات وذلك في غضون عام أو عامين.
قال هاستينجز الثلاثاء، “لقد كنت أعارض الطابع المعقد للإعلانات وكنت من أشد المعجبين بطابع الاشتراكات البسيطة”. تابع قائلا، “لكن بقدر ما أنا معجب بذلك، إلا أنني من أشد المعجبين بتوفير الخيارات للمستهلك”.
لكن هاستينجز أشار إلى أن أهم التحسينات التي تحتاج منصة نتفليكس إلى إجرائها هو تحسين جودة برامجها – حيث يشرف تيد ساراندوس، الرئيس التنفيذي المشارك، على هذا الجانب من الأعمال.
يتفق المحللون مع هذا الرأي. كتب ريتش جرينفيلد، محلل في مركز لايتشيد لأبحاث الإعلام والتكنولوجيا والاتصالات، في مذكرة بحثية هذا الأسبوع، “يجب على نتفليكس إنتاج مزيد من المسلسلات التلفزيونية والأفلام التي تجب مشاهدتها وستصبح امتيازات مستمرة”. قال، “إن المحتوى على منصة نتفليكس، خاصة المكتوب باللغة الإنجليزية، لا يتردد صداه بما يتناسب مع مستوى الإنفاق”.
هنا تواجه شركة نتفليكس أشد منافسة من خدمات البث عبر الإنترنت المنافسة التي تديرها شركات تطوير محتوى راسخة من أمثال “إتش بي أو” و”ديزني” و”إن بي سي يونيفيرسال” و”باراماونت” – فضلا عن “أمازون” و”أبل” الثريتين، اللتين من غير المرجح أن تحتاجا إلى كبح جماح الإنفاق في أي وقت قريب.
لكن ساراندوس، الذي عمل بجد لدمج منصة نتفليكس في نسيج هوليوود، بدا أنه في موقف دفاعي هذا الأسبوع بشأن حاجة الشركة إلى تحسين نوعية البرامج. ادعى أن أفلامها مثل “دونت لوك أب” و”ريد نوتيس” و”آدم بروجيكت” هي من بين “الأفلام الأكثر شهرة والأكثر مشاهدة في العالم” على الرغم من أن الشركة لا تصدر أي أرقام لأعداد المشاهدات، لذا سيتعين على المستثمرين تصديقه.
ذكر المستثمرون بأن الشركة لا تزال حديثة عهد من حيث إنشاء المحتوى. قال، “نحن نقوم بهذا العمل منذ عقد من الزمان”. أضاف، “الوقت الذي أمضيناه هو أقل نحو 90 عاما من الوقت الذي قضته جميع منافساتنا في المجال”.
لكن صبر وول ستريت ربما كان قد نفد. حيث يقوم الآن بعض المحللين بحث منافسي الشركة على إعادة التفكير في إنفاقهم على برامج البث عبر الإنترنت. في إشارة إلى أن شركة سوني كانت تجني الأموال من خلال بيع أفلامها وبرامجها التلفزيونية لشركات البث عبر الإنترنت – فيما يسمى باستراتيجية “تاجر الأسلحة” – وكان جرينفيلد قد اقترح أن تفكر بعض الاستوديوهات التقليدية في التخلي عن البث وأن تصبح عوضا عن ذلك شركات تورد المحتوى.
كتب جرينفيلد، “في حين أنه من الصعب فهم التخلي عن طموحات البث عبر الإنترنت مع تكريس مبالغ كبيرة من رأس المال لإنتاج برامج بث أصلية خلال أعوام عديدة مقبلة، إلا أننا نتساءل عما إذا كان هذا هو القرار الصعب الذي يجب أن تتخذه فرق الإدارة في شركات مثل إن بي سي يونيفيرسال وباراماونت؟”.
معركة شركات البث المباشر:
أمازون ضد أبل
أمازون برايم فيديو
تكلفة الاشتراك: 14.99 دولار في الشهر
المشتركون: 175 مليون مشترك – حسب تقديرات نيسان (أبريل) 2022
أنجح العروض: السيدة مايزل الرائعة، ريتشير، جود أومينز
أبل تي في بلس
تكلفةالاشتراك: 4.99 دولار شهريا
المستخدمون: 20 مليون مستخدم شهريا – حسب تقديرات تموز (يوليو) 2021
أنجح العروض: كودا الحائز جائزة الأوسكار، تيد لاسو، ذا مورنينج شو، سيفيرانس
نتفليكس ضد ديزني
نتفليكس
تكلفة الاشتراك: 9.99 دولار شهريا
عدد المشتركين: 221 مليون مشترك – في آذار (مارس) 2022
بعض العروض الناجحة: بريدجيرتون، سترينجر ثينجز، أناتومي أوف أيه سكاندال
ديزني بلس
تكلفة الاشتراك: 7.99 دولار شهريا
عدد المشتركين: 130 مليون مشترك – في كانون الثاني (يناير) 2022
بعض العروض الناجحة: أفلام مارفيل وستار وورز والبرامج التلفزيونية، وجميع أفلام ديزني وبيكسار، وبرامج فوكس تي في.