آخر الاخباراقتصاد وأسواق

محافظو البنوك المركزية لا يمكنهم تجاهل وطأة الألم في قطاع السلع

بوابة الاقتصاد

كارين بيترو من واشنطن*
في خضم الفوضى هناك تقلبات باستمرار، ويشعر قطاع السلع بوطأتها حتما. أدى هذا إلى تنامي التوقعات بأن البنوك المركزية ستتدخل إذا أظهرت تقلبات الأسعار غير المسبوقة علامات على التأثير في النظام برمته. لا أعلم أي محافظ بنك مركزي قد يرغب في إنقاذ سوق السلع، لكن إذا تحولت ضغوط السوق إلى ضغوط شاملة، فسيتصرفون إزاءها. بالفعل، حتى لو بدا الضغط قابلا للإدارة، فقد يتدخلون إذا اعتقدوا أن المصلحة العامة في خطر عندما تنتقل السلع الأساسية من مرتفعة الثمن إلى باهظة الثمن.
في الولايات المتحدة، سيقاوم الاحتياطي الفيدرالي الدعوات لدعم شركات السلع أو متداوليها طالما أمكنه ذلك بالإشارة إلى ما يعتقد أن ولايته المحدودة فيما يتعلق بالأسعار والتوظيف – حتى عندما يجادل بأن سياساته لمكافحة التضخم ستعمل على استقرار الأسواق. لكن كل ما يمكنه فعله بشأن التضخم سيستغرق وقتا، وأيا كان ما سيقوم به سيؤدي أيضا إلى تفاقم ضغوط سوق السلع.
على الرغم من أن أسواق السلع قد عادت الآن إلى حد كبير ضمن حواجز الحماية بعد صدمة الجائحة، إلا أن الأزمة في أوكرانيا تزيد بشكل حاد من احتمالات تدخلات السياسة التي تدفع مخاطر السوق إلى مستويات غير مسبوقة. هناك ثلاثة مصادر للمخاطر الهيكلية في الأسواق المالية مثيرة للقلق على وجه الخصوص. حتى إذا لم يؤد أي منها إلى تدخل البنك المركزي، فمن المؤكد أن كلا منها سيؤدي إلى جولة جديدة من التنظيم الشامل. تستند الدروس المستفادة من هذه الأزمات إلى تلك التي تم تعلمها بالطريقة الصعبة خلال كوفيد – 19 والأزمة المالية في 2008 – 2009.
أولا، هناك ضغوط السيولة الناتجة عن طلبات دور المقاصة للضمانات. أدى هذا إلى قيام متداولي أسهم شركات الطاقة بمخاطبة البنك المركزي الأوروبي الشهر الماضي، وهي بالخطورة نفسها في الولايات المتحدة. كلما زادت تقلبات أسواق السلع، زادت طلبات الهوامش من جانب دور المقاصة وصعب على المتداولين الامتثال لها.
على الرغم من أن المصارف تقدم الآن بعض السيولة لمتداولي السلع التي يحتاجون إليها، إلا أن هناك إشارات على أن الحاجة الماسة للأموال تتسارع نتيجة ضغوط الهوامش نفسها التي أكد عليها تحليل الجهات التنظيمية العالمية لأزمة كوفيد في 2020، إلى جانب تقييمات الاحتياطي الفيدرالي للمخاطر المنهجية المحتملة.
كان أداء دور المقاصة جيدا في 2020، على الرغم من أن السوق تجمدت بشكل كبير لدرجة أنه تم حشد تريليونات الدولارات من دافعي الضرائب. قد يحدث هذا مرة أخرى، أو في تطور جديد، يمكن أن تخفق المصارف التي توفر السيولة للسوق.
يكمن الخطر الثاني في الميزانيات العمومية في سائر أرجاء العالم، المخفية عادة عن الأنظار. يذكرنا هذا بشكل مخيف بانهيار شركة لونج تيرم كابيتال مانجمنت في التسعينيات، حيث كان انهيار صندوق التحوط آركجوس العام الماضي درسا في أن التعرض الضئيل في ظاهره للمضاربين ذوي الرافعة المالية قد يكلف المصارف على النطاق النظامي مبالغ طائلة.
يكمن الخطر الثالث بشكل أكثر مباشرة حتى في الميزانيات العمومية للمصارف الكبرى. يعود تاريخ الإطار المالي لمخاطر السوق إلى 1996. ويعتمد المنظمون في ذلك الوقت والآن على قيمة المخاطرة لتحديد مقدار رأس المال الذي يجب على المصارف الاحتفاظ به مقابل انكشاف سجلاتهم الخاصة بهم، على الرغم من فشل قيمة المخاطرة في أخذ أحداث الإجهاد الشديد في الحسبان. تقيس اختبارات الإجهاد التي تجريها المصارف الكبرى في الولايات المتحدة بعض مخاطر السوق، لكن لا يقترب أي منها من تقلب الأسعار في أسواق السلع الأساسية الحالية أو مخاطر الائتمان النهائية.
من الواضح أن هذا يمثل ضغطا كبيرا على النظام المالي في خضم أزمة جيوسياسية لم يكن أحد مستعدا لها. أي اضطرابات إضافية في السوق تقترب حتى من العتبات النظامية سيكون لها آثار عميقة على المصلحة العامة. قد يجد الملايين حول العالم أنه من المستحيل إطعام أطفالهم، وسيكون العمل الأساسي للاستقرار الاقتصادي بعيدا عن متناولهم. سيخفض ملايين آخرون إنفاقهم للتعامل مع الاستهلاك الأساسي.
لذلك فإن الضغط الحاد في الأسواق المالية – حتى لو لم يكن شاملا – ستكون له تكاليف اجتماعية ورفاهية عامة واسعة النطاق، مع عواقب سياسية وخيمة على الحكومات والبنوك المركزية التي تتجاهل الوضع. لن يبحث الاحتياطي الفيدرالي إلى ملجأ بموجب تفويضه المزدوج وضمانات مكافحة التضخم – الذي يراقب بإصرار الزيادات الحذرة في أسعار الفائدة والتخفيضات الحذرة للمحافظ الاستثمارية – ما لم أو إلى أن يتفكك كل شيء من حوله إلى انهيار اقتصادي كلي وغضب سياسي.
كما هي الحال مع تصاعد معدل التضخم خارج نطاق سيطرة الاحتياطي الفيدرالي، فإن المضاربة على السلع هي جزئيا من صنع البنك المركزي نفسه، بعد أعوام من انتشال الأسواق المالية عبر عمليات الإنقاذ التي نفذها لكن المصارف الكبرى فقط كانت منظمة بشكل هادف لمنع الانتكاس. يجب أن نجد طرقا أفضل لضمان الاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي دون مخاطر أخلاقية، لكن الأزمة الجيوسياسية ليست الوقت المناسب للتجربة.

  • شريكة إدارية في شركة فيدرال فاينانشال آنالاتيكس، ومؤلفة كتاب “محرك عدم المساواة، الاحتياطي الفيدرالي ومستقبل الثروة في أمريكا”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى