أصداء إغلاقات الصين ستتردد في الاقتصاد العالمي
بوابة الاقتصاد
روبن هاردينج من لندن
أحد أصعب الأمور التي يمكن تحملها من إغلاق شنغهاي، كما تقول واحدة من الذين تواصلنا معهم وعلقت في شقة صغيرة مع والدها خلال الأسبوعين الماضيين من الإغلاق، هو عدم اليقين. تقضي أيامها على مجموعات رسائل “وي شات”، في محاولة لتنسيق طلبات طعام كبيرة، أو تنظر من النافذة لترى أين وضعت السلطات الخطوط الحمراء للطوق الصحي، الذي يجب على السكان عدم تجاوزه. هناك القليل من المعلومات الأخرى.
تظهر وسائل التواصل الاجتماعي مدينة على حافة الهاوية. السكان يصرخون من شرفاتهم ويطلبون الطعام. تبث الطائرات دون طيار رسائل تطالبهم بالعودة إلى الداخل. ويحشر آلاف من الأشخاص الذين ثبتت إصاباتهم في مراكز العزل.
الثلاثاء، أمرت وزارة الخارجية الأمريكية العمال غير الأساسيين بمغادرة قنصليتها في المدينة بسبب “التطبيق التعسفي للقوانين المحلية وقيود كوفيد – 19”.
إنها أحد أقسى عمليات الإغلاق خلال الجائحة بأكملها. ستؤثر في اقتصادات شنغهاي والصين والعالم بأسره. لكن هذا يحدث في الوقت الذي يدخل فيه كثير من الناس الجولة الثالثة أو الرابعة من الإصابة بالفيروس في أوروبا والولايات المتحدة، وهم مستعدون لتجاهل الأمر برمته. لذلك، هناك خطر من أن تفوتهم العواقب الكبيرة لما يحدث في أكبر مدينة في الصين.
تبرز ثلاثة تأثيرات اقتصادية من ذلك: على سلاسل التوريد، وعلى نمو الصين، وعلى النقاش الداخلي في البلاد حول الإصلاح.
كانت أحد أكبر الصدمات التضخمية التي ضربت الاقتصاد العالمي في الأيام الأولى للجائحة هي اضطراب سلسلة التوريد الناجم عن تأخر الشحن في الموانئ. شنغهاي هي أكبر ميناء في العالم. على الرغم من أن محطاتها تعمل في فقاعة “حلقة مغلقة” – حيث لا يكون للموظفين أي اتصال في العالم الخارجي – إلا أن هناك مشكلات تتعلق باللوجستيات في جميع أنحاء المنطقة، لذلك بدأت السفن في الوقوف في طوابير في المياه البحرية بينما تنتظر التحميل أو التفريغ. سيتعين على المصانع في جميع أنحاء آسيا انتظار المكونات. ستشعر أوروبا والولايات المتحدة بالاضطراب بفاصل زمني يصل إلى بضعة أسابيع أو أشهر.
سيتجلى ذلك في شكل صدمة تضخمية في الوقت الذي يوجد فيه بالفعل كثير من الأمور التي تتعامل معها الاقتصادات الغربية، من قفزة في أسعار السلع الأساسية التي سببتها الحرب في أوكرانيا إلى اضطرابات سوق العمل بعد الجائحة.
سيكون التأثير أقل حدة مما كان عليه في 2020 أو 2021، لأن التأخيرات الجديدة ستسبب صدمة مع انحسار النقص السابق في الإمدادات، لكنها ستضيف، على الأقل، مزيدا من عدم اليقين إلى بيئة الأسعار المربكة بالفعل للبنوك المركزية المضطربة.
داخل الصين، سيكون لإغلاق عاصمتها التجارية تأثيرا متصاعدا على النمو، وقد دق رئيس الوزراء لي كه تشيانج ناقوس الخطر مرارا وتكرارا خلال الأسبوع الماضي. استخدم الخبير الاقتصادي جينجينج تشين من جامعة تسينجهوا وزملاؤه بيانات تتبع من 1.8 مليون شاحنة من شاحنات المسافات الطويلة لدراسة التأثير الاقتصادي لعمليات إغلاق مدينة تلو الأخرى في الصين. تنخفض حركة الشاحنات إلى إحدى المدن نحو 60 في المائة عندما تدخل المدينة في حالة إغلاق كامل؛ ووضع هذه التأثيرات في نموذج تجاري سمح بتقدير التكاليف غير المباشرة في مكان آخر.
الإغلاق لمدة شهر في شنغهاي – كما يحدث الآن – سيكلف 4 في المائة من الدخل القومي للشهر المعني، وفقا لنموذجهم. هذا يكفي بالفعل بحد ذاته ليكون له تأثير ملموس على النمو السنوي، لكن في الحالة القصوى حيث يتم إغلاق جميع المدن الصينية، سينخفض الدخل القومي بأكثر من النصف في ذلك الشهر – وهي تكلفة هائلة وغير مستدامة.
كلما زادت عمليات الإغلاق بسبب كوفيد التي تؤثر في نمو الصين، سيجد صانعو السياسة أنه من الصعب أن يلتزموا بخططهم لتقليص المديونية في قطاع العقارات، الذي تجسد صعابه شركة التطوير العملاقة “إيفرجراند”.
السؤال الأكثر أهمية هو كيفية تفسير صانعي السياسة الصينيين لمعاناة شنغهاي وما الذي سيفعلونه بعد ذلك.
قد يكون أحد التفسيرات هو أنه لا يمكن توقع أن تمر شنغهاي أو أي مدينة أخرى بمثل هذا الإغلاق مرتين، لذلك يجب على الصين الاستعداد لإنهاء استراتيجية صفر كوفيد والتعايش مع الفيروس. التفسير الآخر – الذي من المرجح أن يسود بين المسؤولين المحليين دون إشارة واضحة من السلطات العليا – هو أن خطأ شنغهاي كان تأخير إغلاقها حتى فات الأوان.
سجلت قوانجتشو 27 حالة فقط الإثنين، لكنها نقلت المدارس إلى التعلم عبر الإنترنت وقيدت الحركة داخل وخارج المدينة. فرضت جميع المدن الصينية الأكثر إنتاجية التي يبلغ عددها 100، باستثناء 13 مدينة، درجة معينة من الحجر الصحي، وفقا لتحليل أجرته شركة الأبحاث جافيكال. نظرا لمدى سرعة انتشار المتحور أوميكرون، فقد يعني ذلك إغلاقات متكررة في جميع أنحاء الصين لبقية العام – وهو خطر سلبي بالكاد تحتسبه الأسواق.
قد يكون الخيار السياسي الأفضل للرئيس شي جين بينج، حيث يهدف إلى تأمين فترة ولاية ثالثة في هذا الخريف، هو اتخاذ موقف متشدد بشأن الإغلاقات. من الواضح أن أفضل خيار لاقتصاد الصين هو زيادة تغطية اللقاح إلى الحد الأقصى، ويفضل استخدام لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال الأكثر فعالية، ثم التخلص من سياسة صفر كوفيد. هذا الخيار – السياسة أو النمو – سيقود الاقتصاد العالمي لبقية هذا العام.