28 مليار دولار فاتورة خسائر العرب من الحرب الروسية في عامين
بوابة الاقتصاد
صندوق النقد يحذر من خفض توقعات النمو لـ143 دولة وارتفاع معدلات التضخم والتشديد المالي
فيما تتزايد التحذيرات من حدة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على قطاع السلع والأغذية عالمياً، توقع تقرير حديث، زيادة عدد الفقراء في المنطقة العربية بمقدار 3.7 مليون شخص خلال العام المقبل، ليصل إلى رقم قياسي يقارب 126 مليون شخص. ورجح أن تقفز خسائر دول المنطقة العربية إلى ما يقرب من 28 مليار دولار خلال العامين الحالي والمقبل، بسبب تداعيات الحرب.
لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا الـ”إسكوا”، قالت إن هذه التوقعات تأتي نتيجة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة على المنطقة العربية؛ بسبب الحرب في أوكرانيا التي يتأثر بها العالم منذ 24 فبراير (شباط) الماضي.
وأوصت الدراسة التي أعدتها المنظمة الأممية تحت عنوان “آثار الحرب في أوكرانيا على المنطقة العربية”، بضرورة خفض الحواجز التجارية والإجراءات والرسوم الجمركية لتسهيل تجارة الأغذية والحبوب والمواد الغذائية الأساسية في ما بين الدول العربية، داعية إلى دعم إنشاء صندوق عربي لطوارئ الأمن الغذائي لمواجهة الأزمة الحالية والأزمات المستقبلية.
وفيما أكدت الدراسة أن الحرب لها تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة في المنطقة العربية، خصوصاً في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي تستورد الطاقة والغذاء وتواجه أعباء ديون عالية، فقد رجحت أن تخسر الاقتصادات العربية حوالى 11 مليار دولار خلال العام الحالي و16.9 مليار دولار خلال العام المقبل، وأن تخسر البلدان العربية المتوسطة الدخل 2.3 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي المتوقع للعام الحالي، بينما ستسجل الدول العربية الأقل نمواً خسارة نسبتها 0.6 في المئة.
وأوضحت أن البلدان المصدرة للطاقة وحدها ستشهد زيادة في ناتجها المحلي الإجمالي بنحو 0.7 في المئة نتيجة لزيادة الطلب على الطاقة وارتفاع أسعارها، مرجحة أن يتجاوز العجز المالي في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل المستوردة للنفط ما توقعته هذه البلدان عند إعداد ميزانياتها للعام الحالي، بمعدل يتراوح بين نقطتين وست نقاط مئوية. كما ستواجه البلدان المتوسطة الدخل زيادة في خدمة الدين بنحو 500 مليون دولار.
وأشارت إلى أن الحرب أثارت مخاوف تتعلق بالأمن الغذائي؛ لكون روسيا وأوكرانيا مصدرين مهمين لواردات الحبوب والزيوت النباتية، حيث انخفضت إمدادات الحبوب والنفط إلى المنطقة بشكل كبير بسبب الاضطرابات في سلاسل التوريد والعقوبات.
واعتبرت المنظمة الأممية، أن الحرب هددت عمليات توزيع المساعدات من قبل المنظمات الإنسانية، بما يعرّض ملايين اللاجئين والنازحين في المنطقة العربية لخطر الجوع.
خفض توقعات النمو لـ143 دولة
في الوقت نفسه، توقعت كريستالينا غورغيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، خفض الصندوق توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي في عامي 2022 و2023، إلا أن النمو بالنسبة لمعظم الدول سيظل في النطاق الإيجابي. وأوضحت أن الحرب الروسية- الأوكرانية أضافت أزمة قوية على الأزمة العالمية التي يُعانيها العالم منذ تفشي جائحة كورونا نهاية عام 2019، لتدفع بآثارها السلبية نحو المساهمة في خفض التوقعات الاقتصادية إلى 143 دولة حول العالم، ما يُمثل نحو 86 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
وأشارت إلى أن الانتعاش العالمي كان قد بدأ يفقد زخمه بالفعل قبل الحرب على أوكرانيا، وعزت ذلك جزئياً إلى الاضطرابات المرتبطة بمتحورة “أوميكرون”، حيث خفض الصندوق توقعاته للنمو العالمي إلى 4.4 في المئة لعام 2022، ومنذ ذلك الحين تدهورت التوقعات بشكل كبير بسبب الحرب وتداعياتها.
وألمحت مديرة صندوق النقد الدولي، إلى ارتفاع معدلات التضخم والتشديد المالي وعمليات الإغلاق واسعة النطاق والمتكررة في الصين، والتي تُحدث اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية. وقالت إن أزمة الحرب في أوكرانيا –المُدمر للاقتصاد الأوكراني- أضافت للعالم أزمة جديدة، ألا وهي أزمة الغذاء العالمي؛ لتزيد من الاضطرابات التي تُعاني منها دول العالم وتُرسل صدمات اقتصادية في جميع الأنحاء.
وقالت غورغيفا إن الحرب تسببت في عواقب اقتصادية بعيدة المدى؛ لتُصيب مختلف الدول حول العالم بالضعف الاقتصادي، وفي ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وللمرة الأولى منذ سنوات أصبح التضخم خطراً واضحاً وقائماً في العديد من الدول. مشيرة إلى أنه “عند قراءة الوضع الاقتصادي الحالي فمن الناحية الاقتصادية أصبح النمو ينخفض حول العالم وترتفع معدلات التضخم، بينما من المنظور الإنساني ما نشهده حالياً هو انخفاض في دخل الأفراد وزيادة المصاعب التي يواجهونها في حياتهم اليومية”.
وأوضح صندوق النقد، أن “هذه الأزمة المزدوجة ما بين الجائحة والحرب وقدرتنا على التعامل معها تزداد تعقيداً بسبب تزايد خطر آخر، ألا وهو تجزئة الاقتصاد العالمي إلى كتل جيوسياسية بمعايير تجارية وتقنية مختلفة وأنظمة دفع وعملات احتياطية مختلفة”. ولفت إلى أن هذا التحول سيتسبب في الإضرار بسلاسل الإمداد والتوريد والبحث والتطوير وشبكات الإنتاج، وستتحمل في النهاية البلدان الفقيرة وطأة هذه الاضطرابات.
وأشار إلى أن هذا التدهور في الحوكمة العالمية هو أخطر تحد للقواعد التي حكمت العلاقات الدولية والاقتصادية لأكثر من 75 عاماً، وساعدت في تحقيق تحسينات كبيرة في مستويات المعيشة لجميع الدول، فهو يضعف بالفعل قدرتنا على العمل معاً لحل الأزمتين اللتين نواجههما. وشدد الصندوق على أنه قبل الحرب، قدمت روسيا وأوكرانيا نحو 28 في المئة من صادرات القمح العالمية، حيث قدمت روسيا وبيلاروس 40 في المئة من صادرات البوتاس، وهو سماد حيوي، فيما تشهد أسعار الحبوب الآن بعد الحرب ارتفاعاً في الأسعار؛ بسبب التراجع الحاد في الإمدادات العالمية.
تهديد عنيف للاستقرار المالي
وأشار صندوق النقد إلى أن أسعار الغذاء والطاقة، إلى جانب مشكلات سلاسل التوريد تستمر في دفع التضخم إلى الارتفاع، حيث وصل بالفعل إلى أعلى مستوى له في أربعة عقود بالنسبة للاقتصادات المتقدمة، ومن المتوقع أن يظل مرتفعاً لفترة أطول مما كان متوقعاً في السابق.
وشددت مديرة الصندوق، على أن العالم يواجه أولوية عاجلة وهي ضرورة إنهاء الحرب في أوكرانيا والتصدي للجائحة ومعالجة أزمة الديون والتضخم. وأشارت إلى أن “التجربة العالمية تُظهر لنا أن الصراعات والحروب هي العدو الدائم للتنمية والازدهار؛ إذ أصابت التكلفة الباهظة للحرب العديد من البلدان بالشلل، لذا يجب علينا بذل كل ما في وسعنا لمساعدة أوكرانيا وجميع الدول المتضررة”.
وحذرت من الارتفاع المتزايد لمعدلات التضخم بوصفه تهديداً للاستقرار المالي وضريبة على الأشخاص العاديين الذين يكافحون لتغطية نفقاتهم، ففي العديد من الدول، أصبح هذا مصدر قلق رئيس، وأصبح هناك أيضاً خطراً متزايداً من أن تُصبح توقعات التضخم غير ثابتة، مما يصعب السيطرة عليه.
وفي مواجهة هذا التحدي، طالبت مديرة الصندوق البنوك المركزية بأن تتصرف بشكل حاسم وأن تُعدل السياسة المالية بشكل يتناسب مع المعدلات الحالية، وأن يعطي صانعو السياسات الأولوية للإنفاق بعناية على شبكات الأمان والصحة والتعليم وتوجيهها إلى الفئات الأكثر ضعفاً. وشددت على أن العلاج الوحيد الفعال للمخاطر التي تواجه العالم الآن هو التعاون الدولي.