الاقتصاد العالمي يدفع الثمن .. أزمة معقدة وغير مسبوقة في سماتها
بوابة الاقتصاد
الأزمة التي يمر بها الاقتصاد العالمي حاليا غير مسبوقة في سماتها ومعقدة في أسبابها بما يجعلها تختلف عما مر به العالم من أزمات منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الـ20، في وقت زادت فيه العقوبات الغربية على موسكو حالة الغموض.
ويرى جاري شيلينج، المحلل الاقتصادي الأمريكي في تحليل نشرته وكالة “بلومبيرج” للأنباء أمس، أن أسباب الأزمة الراهنة متعددة ومتشابكة، بعضها يعود إلى أعوام عديدة مضت مثل التوسع في العولمة وبعضها إلى أسابيع قليل مثل الحرب الروسية ضد أوكرانيا، مشيرا إلى أن التغيرات الحالية في القوى المؤثرة على حركة الاقتصاد العالمي ستكون لها عواقب كبيرة.
ويقول شيلينج، الذي ينشر تحليلاته في صحيفتي “وول ستريت جورنال” و”نيويورك تايمز” ومجلة “فوربس” الاقتصادية إن العولمة ظهرت في البداية على أساس استخدام التكنولوجيا الغربية لإنتاج السلع في الدول الأقل تكلفة ثم إعادة تصديرها إلى أمريكا الشمالية وأوروبا. وكان النموذج الصيني منذ أواخر سبعينيات القرن الـ20 التطبيق الأمثل لهذا التعريف، حيث توسعت الشركات الغربية في إقامة المصانع بالصين للاستفادة من العمالة الرخيصة المنضبطة، قبل أن يتكرر الأمر في دول آسيوية أخرى مثل فيتنام.
وأدى هذا التحول الاقتصادي إلى تراجع الوظائف التصنيعية ذات الأجر المرتفع في الغرب، حيث تراجع عدد هذه الوظائف في الولايات المتحدة من 19.6 مليون وظيفة في 1979 إلى 12.6 مليون وظيفة في الشهر الماضي.
ومع الخروج الكبير للوظائف الصناعية من الولايات المتحدة إلى دول جنوب شرق آسيا والصين تقلصت نسبة العمال المنظمين نقابيا في القطاع الخاص الأمريكي من 24 في المائة في 1973، إلى 6.1 في المائة حاليا.
في الوقت نفسه، شجعت العولمة على قيام سلاسل إمداد دولية كثيفة لكنها معقدة بهدف تقليل النفقات، حيث يمكن إنتاج أشباه الموصلات في تايوان ثم يتم إرسالها إلى ماليزيا لتجميعها بصورة ما، ليتم إرسالها بعد ذلك إلى الصين لاستخدامها في الإنتاج النهائي للسلع التي يتم تصديرها إلى الغرب.
وعندما تفشت جائحة فيروس كورونا المستجد ثم الحرب الروسية اضطربت سلاسل الإمداد بشدة وتفجرت مشكلات اقتصادية تضررت منها أغلب دول العالم.
ويستبعد شيلينج اختفاء المشكلات الخاصة بسلاسل الإمداد العالمية في وقت قريب، ما دام هناك تفاوت في تكلفة الإنتاج بين دول العالم المختلفة، حيث ستظل الشركات الغربية حريصة على وجود الجزء الأكبر من أنشطتها الإنتاجية في الدول الأقل نموا والأقل تكلفة.
في المقابل يمكن للولايات المتحدة حل المشكلة جزئيا، من خلال زيادة الاعتماد على الإنتاج في دول قريبة مثل المكسيك، أو التوسع في أنظمة الإنتاج الآلية الأقل اعتمادا على العنصر البشري في الداخل، وهو ما يعني أن الفائزين في هذه الحالة هم المكسيك وشركات صناعة معدات وبرامج أنظمة الإنتاج الآلية، في حين سيكون ذلك على حساب الوظائف الصناعية والعمالة المنظمة نقابيا في الغرب.
ومع الآثار الجانبية للتوسع في عولمة الإنتاج الصناعي، يأتي ارتفاع أسعار الطاقة على خلفية الأزمة في أوكرانيا، وفي ظل العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب حربها ضد أوكرانيا أصبح على الولايات المتحدة ودول أخرى تلبية الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي في أوروبا.
وأخيرا على صعيد سلاسل الإمداد، كانت روسيا وأوكرانيا مركزا لصناعة عديد من المكونات، التي تستخدمها الشركات الأوروبية في إنتاجها، وتوقفت الإمدادات القادمة من الدولتين إلى المصانع في باقي أنحاء أوروبا، ما أدى إلى اضطراب حركة الإنتاج، كما أن روسيا أكبر مصدر للغاز الطبيعي إلى أوروبا وثاني أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم.
وبالتالي، فإن العقوبات الدولية، التي تم فرضها على موسكو، ورغم أنها لم تطل قطاعي النفط والغاز، فإنها أوجدت قدرا كبيرا من الغموض الذي يحيط بانتظام تدفق إمدادات النفط الروسي إلى الأسواق، ما أسهم في الضغط بشدة على الاقتصاد العالمي.
وجاء ذلك بالتزامن مع تأكيدات ديفيد مالباس، رئيس البنك الدولي، أن الحرب الروسية على أوكرانيا أدت إلى سلسلة من ردود الفعل في الاقتصاد العالمي، مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، ما قد يزيد من الفقر والجوع وأعباء الديون.
وحض مالباس الدول المتقدمة على إبقاء الأسواق مفتوحة وعكس السياسات، التي تركز على الثروة.
وذكر رئيس البنك الدولي خلال كلمة ألقاها في وارسو في بولندا أخيرا، أن الحرب جاءت فيما يحاول الاقتصاد العالمي التعافي من جائحة كوفيد – 19، وفيما تؤدي عمليات إغلاق جديدة في الصين إلى إيجاد حالة من عدم اليقين بشأن هذا التعافي.
وأوضح مالباس خلال مؤتمر عقد في معهد وارسو للاقتصاد “لم يسبق أن عانى كثير من الدول ركودا في آن واحد، وخسرت رؤوس أموال ووظائف وسبل عيش. وفي الوقت نفسه، يستمر التضخم في التسارع”.
وفي حديثه قبل الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي الأسبوع المقبل، تعهد مالباس مجددا بمساعدة أوكرانيا على إعادة البناء بعد الحرب. وقدم كل من البنك الدولي وصندوق النقد بسرعة مساعدات لأوكرانيا، كما أن البنك الدولي بصدد حشد ثلاثة مليارات دولار إضافية للبلاد.
وأشار إلى أن “الاقتراح سيرسل الآن إلى مجلس إدارة البنك الدولي للموافقة عليه”.
كذلك، أعلن مالباس أن البنك الدولي حصل على دعم من مانحين بقيمة مليار دولار في إطار المؤسسة الدولية للتنمية “التي تقدم قروضا معفاة من الفائدة أو بفائدة منخفضة”، إضافة إلى 100 مليون دولار لمولدافيا.
في سياق متصل، قال مسؤول في البنك الدولي إنه على الرغم من إمكانية ألا يحافظ الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العام الماضي نفسه، إلا أن الزخم طويل الأجل هو أن تواصل الشركات وجودها هنا في السوق الصينية.