صناعة الرحلات البحرية تراهن على عودة الأوضاع إلى سابق عهدها
بوابة الاقتصاد
بارتفاع 18 طابقا ومساحة تتسع لسبعة آلاف راكب ومجهزة بجهازين لمحاكاة ركوب الأمواج وحبل الانزلاق يمتد فيها على ارتفاع عشرة طوابق، أبحرت باخرة ووندر أوف ذا سيز، أكبر سفينة سياحية في العالم، لأول مرة الشهر الماضي.
هذا الأسبوع، أطلقت شركة رويال كاريبيان للرحلات البحرية باخرة عملاقة أخرى، تدعى سيليبريتي بيوند، تتسع لـ3950 راكبا.
بعد عامين من تفشي كوفيد- 19 في السفن السياحية، ما تسبب في وفاة مئات الأشخاص وتعرض الركاب لحجر صحي غير مريح على متن السفن، بدأ المسؤولون التنفيذيون في الرحلات البحرية يشعرون بغمرة انتعاش جديدة.
قالت شركة كارنيفال كروز لاين، التابعة لشركة كارنيفال كوربوريشن، إن الأسبوع المنتهي في الثالث من نيسان (أبريل) كان الأكثر نشاطا في الحجوزات عبر تاريخ الشركة الممتد على مدار 50 عاما. في الشهر المقبل، ستعود آخر السفن في أسطولها المكون من 23 سفينة إلى الخدمة للمرة الأولى منذ أن تسبب كوفيد بتوقف الصناعة بأكملها بشكل مؤقت.
“إن صناعة الرحلات السياحية البحرية تستعد للعودة إلى سابق عهدها! يجب أن تكون جزءا منها! أريدك أن تغتنمها!”، كما صرحت كاتريونا بارسونز، رئيسة الرحلات البحرية في وكالة هايز ترافيل البريطانية للسفر، خلال مؤتمر لأصحاب الامتياز للمجموعة الشهر الماضي.
لكن خلف هذا التفاؤل، توجد مخاوف كثيرة. أسعار الوقود تتصاعد، وهناك نقص في اليد العاملة والإصابات بكوفيد ترتفع مرة أخرى.
أثر انتشار متحور أوميكرون من فيروس كورونا في الحجوزات خلال موسم “موجة” كانون الثاني (يناير) الحاسم – عادة ما يكون أكثر أوقات العام شيوعا لحجوزات الرحلات البحرية للعملاء – لكن الصناعة تتوقع انتعاشا سريعا مع تزايد شعورها بالثقة.
ضخت شركات الرحلات البحرية الأموال في إنشاء مرافق طبية. قالت شركة إم إس سي كروزز، أكبر مشغل أوروبي، إن لديها الآن نحو ثلاثة أطباء وسبع ممرضات على متن كل رحلة بحرية وقد خصصت مناطق للعزل في غرف ذات ارتفاع مضاعف ولها شرفات للضيوف الذين تثبت إصابتهم بالمرض.
قالت شركة كارنيفال إنها أدخلت تحسينات عبر “الطيف الإكلينيكي بالكامل”، كتزويد السفن بالأكسجين الإضافي ومزيد من معدات العناية المركزة.
تختلف متطلبات الفحص حسب الشركة والمنطقة ووضع التطعيم للضيوف. لكن بشكل عام، يتوقع من العملاء أن يكونوا قد أجروا فحصين على الأقل للمستضد أحدهما قبل الصعود على متن السفينة والثاني قبل الهبوط منها. كما تفرض بعض الشركات فحوصا في منتصف الرحلة وستجري فحصا لأي شخص تظهر عليه الأعراض.
قالت الرابطة الدولية لخطوط الرحلات البحرية إن “إجراءات صناعة الرحلات البحرية تتجاوز الوقاية وتشمل تركيزا مكثفا على تحديد الإصابات المحتملة وعزلها بسرعة، وتتبع الاحتكاك بين المصابين وغير المصابين، وتوفير الرعاية الطبية، وعدد كبير من إجراءات الاستجابة الإضافية”.
كما يجادل كثير من المديرين التنفيذيين بأن الذهاب في رحلة بحرية بات الآن أكثر أمانا من الذهاب لقضاء عطلة على الشاطئ على الرغم من التحذيرات الصادرة عن السلطات الصحية مثل المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، التي سحبت نصائحها لتجنب الرحلات البحرية الأسبوع الماضي لكنها حافظت على نظام التصنيف الملون الذي يشير إلى مستوى التحوطات من كوفيد على متن كل سفينة على حدة.
بشكل عام، لم يعد الركاب القلقون مصدر تخوف وجودي لهذه الصناعة. قالت “سي إل آي أيه”، التي تمثل جميع شركات الرحلات البحرية التي تعمل في المحيط، إن 7.5 مليون مسافر أبحروا منذ تموز (يوليو) 2020 وأنه وفقا لاستطلاعاتها، فإن الأشخاص الذين لم يسافروا في رحلة بحرية من قبل لكنهم كانوا مهتمين بالذهاب فيها زادت نسبتهم عن مستويات 2019 إلى 69 في المائة، على الرغم من كثرة عناوين الأخبار السلبية على مدى العامين الماضيين.
قالت “سي إل آي أيه”، “توقعاتنا أننا سنحقق، نأمل بالطبع أن نتجاوز، أعداد المسافرين قبل تفشي الجائحة، وذلك بحلول نهاية 2023”.
قال أرنولد دونالد، الرئيس التنفيذي لشركة كارنيفال، “هذه مجرد بوادر إيجابية هائلة يصحبها كثير من الزخم (…) للأيام التي شهدت حجوزات قياسية، التي نتوق إليها”.
قالت شركة رويال كاريبيان إنها تتوقع عودة أعداد الركاب على متن بواخرها إلى مستويات تاريخية بحلول الربع الثالث، بينما قالت شركة كارنيفال إنها تأمل في عودة جميع سفنها إلى الخدمة بحلول نهاية العام – وذلك في حال توافرت الأحواض الجافة التي تسمح بإجراء تجديدات على السفن التي لم تبحر منذ الأزمة.
قالت شركة نورويجان، ثالث أكبر مجموعة رحلات بحرية، إنها ستصل إلى “منعطف حاسم” هذا الربع حيث أصبح صافي النقد من العمليات إيجابيا وأن أسطولها عاد بكامله إلى الخدمة.
على الرغم من انخفاض معدلات الإشغال على متن السفن، إلا أن المشغلين استفادوا من الطلب المكبوت وزيادة الإيرادات على متن السفن ما أدى إلى ارتفاع الأسعار التي سمحت لهم بالحفاظ على هوامشهم.
إيرادات شركة كارنيفال لكل رحلة بحرية للركاب – التي تقيس المبيعات بالنسبة لكل يوم يكون فيه الركاب على متن السفن – ارتفعت 7.5 في المائة في الربع الأخير من العام الماضي مقارنة بإيراداتها ” القوية في 2019″ بفضل الطلب المكبوت على تناول الطعام والترفيه والمنتجعات العلاجية. قالت “رويال كاريبيان” إن عائداتها لكل رحلة بحرية للركاب ارتفعت 10 في المائة في الفترة نفسها “مدفوعة بأداء قوي للإيرادات على متن السفن”.
مع ذلك، أدت الأزمة في أوكرانيا إلى تفاقم الارتفاع المفاجئ في أسعار الوقود التي تشكل ما يقرب من 9 إلى 12 في المائة من قاعدة التكلفة النموذجية للسفن. كما أن تكلفة المواد الغذائية آخذة في الارتفاع والضغط التصاعدي على الأجور يجبر الشركات على زيادة رواتب الموظفين.
كما لاحظ المسؤولون التنفيذيون حالة نقص خاصة في أعداد الموظفين المتوافرين على السواحل والطواقم الطبية للمرافق الصحية التي تمت توسعتها في السفن، حيث تتكيف أسواق العمل في أعقاب الجائحة.
حذر ديفيد كاتز، محلل في “جفريز”، من أن الإنفاق المكبوت يمكن أن يصل لهذا المستوى فقط. قال إنه مع تفاقم التضخم، يمكن بسهولة أن تتضرر المجالات التي تتطلب إنفاقا كبيرا كالعطلات.
قال كاتز، “نعتقد أن زبون الرحلات البحرية هو بطبيعته مشتر للقيمة، ونتيجة لذلك يصبح من الصعب بشكل منتظم على أمثال شركة كارنيفال رفع الأسعار في مثل هذه الظروف”.
وكلاء السفر في الولايات المتحدة الذين شملهم الاستطلاع أجراه محللون في “مورجان ستانلي” كانوا “أكثر حذرا” من شركات الرحلات البحرية، واعتقدوا أن الأمر سيستغرق “أعواما عوضا عن أشهر” حتى تتعافى أعداد العملاء.
للتخفيف من ارتفاع التكاليف بشكل حاد، تتطلع شركات الرحلات البحرية إلى خفض استهلاكها للوقود عن طريق تعديل مسارات الرحلات وخفض سرعات السفن وتسريع الاستثمار في السفن الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وإيقاف السفن القديمة عن العمل عندما يحين وقتها.
قالت ليندسي كيبل، الشريكة الإدارية في شركة واتسون فارلي آند ويليامز للمحاماة، “عندما يتعلق الأمر باستخدام الوقود النظيف، فإن صناعة النقل البحري في الواقع متفوقة (…) على الطيران، وهو في الأغلب ما يكون أمرا مفاجئا”.
لكنها حذرت من أن السعي لبناء سفن تعمل بالغاز الطبيعي المسال، وهو الوقود الأحفوري الأنظف من حيث الاحتراق، لن يساعدها على المدى القصير بسبب ارتفاع الطلب عليه بفعل الأزمة في أوكرانيا.
عادة ما يستغرق بناء سفن الرحلات البحرية أكثر من خمسة أعوام. لذلك، تتدافع الشركات نحو السفن الجديدة التي من غير المرجح أن يطالها التقادم. على الرغم من الميزانيات العمومية الممتدة، فإنها تستثمر في تكنولوجيات جديدة مثل الوقود الحيوي وأنظمة تخزين البطاريات.
أضافت شركة رويال كاريبيان، التي قالت في شباط (فبراير) إنها احتاطت لـ54 في المائة من تكاليف الوقود في 2022، أن تسعير التزود بالوقود – وهو المبلغ الذي تدفعه شركة الشحن لتعويض تكاليف الوقود المتقلبة – سيزيد 12 في المائة على أساس ربع سنوي إلى 615 دولارا لكل طن متري صافيا من تكلفة التحوط.
شركة كارنيفال للرحلات البحرية الكبيرة، وهي الوحيدة التي لا تتحوط من تكاليف الوقود لأن إدارتها تعتقد أنها اقتصاد زائف، ليس لديها خطط لفرض رسوم إضافية بسبب الوقود، لكن إذا استمر ارتفاع “الأسعار” فستفكر في فرض رسوم إضافية.
في حين ركزت الشركة بدلا من ذلك على تقليل استهلاكها للوقود – وخفضته 30 في المائة تقريبا منذ 2007 – وتهدف إلى تنفيذ تخفيض إضافي 10 في المائة هذا العام مقارنة بـ2019.
لكن دونالد من شركة كارنيفال يقول إن أسعار الرحلات البحرية سترتفع حتما. أضاف، “من الناحية النفسية يشترط التضخم أن يكون الناس مستعدين للإنفاق أكثر لأنهم يرونه في كل مكان (…) يجب أن نكون قادرين على رفع أسعارنا والاستمتاع ببعض الإيرادات جراء ذلك”.