آخر الاخباراقتصاد وأسواق

الألمنيوم الرابح الأكبر بين المعادن الصناعية .. 242 مليار دولار حجم السوق بحلول 2027

بوابة الاقتصاد

هل تعرف أين تقع مدينة بايس؟ لم يطرح هذا السؤال ضمن المسابقات الرمضانية، حيث يتنافس المتنافسون لربح الجوائز، رغم أنه يقينا لو طرح فسيصعب على كثيرين الإجابة عنه.
مع ذلك باتت مدينة “بايس” فجأة وبدون سابق إنذار محط أنظار كثيرين، خاصة من المتعاملين في سوق المعادن.
بايس مدينة صغيرة غير معروفة تقع في جنوب الصين، بالقرب من الحدود مع فيتنام، وعلى الرغم من أن المدينة لا يتجاوز عدد قاطنيها 3.5 مليون نسمة، إلا أنها تلقب بـ”عاصمة الألمنيوم” في جنوب الصين، حيث تعد مركزا لتعدين الخام وإنتاج المعدن، ويقدر إنتاجها السنوي بنحو 2.2 مليون طن من الألمنيوم، أي أكثر من 80 في المائة من إنتاج منطقة قوانجشي الصينية، التي تعد المنطقة الرئيسة لإنتاج خام الألومينا في الصين.
يبدو الأمر اعتياديا حتى الآن، فالمدينة باختصار شهيرة في إنتاج معدن مهم وضروري لإنتاج عديد من السلع الرئيسة، مثل السيارات والمنتجات الاستهلاكية، إضافة إلى استخدامه الكثيف في عمليات البناء والتشييد.
لكن في شباط (فبراير) الماضي اتجهت أنظار كبار الصناعيين في العالم إلى مدينة بايس الصينية، لمتابعة أخبارها ساعة بساعة ولحظة بلحظة، أما سبب الاهتمام فيعود إلى إغلاق الصين المدينة لمدة أسبوع.
أسبوع واحد من الإغلاق كان كفيلا برفع أسعار الألمنيوم على مستوى العالم إلى أعلى مستوى منذ 14 عاما، أما سبب الإغلاق فيعود إلى تبني الصين استراتيجية صفرية تجاه وباء كورونا، أي إغلاق أي مدينة يتم رصد عدد ولو محدودا من الإصابات بوباء كورونا بين سكانها.
وعلى الرغم من أن بايس لم يكن فيها أكثر من 190 حالة إصابة بالفيروس، إلا أن السلطات الصينية قامت بعملية إغلاق صارم للمدينة، وفرضت قيودا على السفر والحركة، ما أثار الذعر في الأسواق العالمية بوجود تقليص تدريجي لإمدادات الألمنيوم القادمة من الصين أكبر منتج للألمنيوم في العالم.
لم يكن إغلاق مدينة بايس الصينية السبب الوحيد وراء الارتفاع في أسعار الألمنيوم عالميا، فالحرب الروسية الأوكرانية، انعكست على أسعار المعدن ودفعته إلى الأعلى، بحيث بات الألمنيوم أكثر المعادن الصناعية الرئيسة انكشافا في الأسواق.
فالعقوبات المفروضة على روسيا أثارت المخاوف من أن تقوم روسيا سادس أكبر منتج للألمنيوم في العالم باللجوء إلى إجراءات تقيد من خلالها صادراتها للتأثير في الأسواق، أخذا في الحسبان التداعيات التي يمكن أن تلحق عديدا من الصناعات الاستراتيجية الدولية إذا توقفت شركة روسال الروسية عن الإنتاج، إذ إنها أكبر منتج للألمنيوم في العالم خارج الصين، وتنتج ما يعادل 6 في المائة من الإنتاج العالمي.
بدوره، يقول لـ”الاقتصادية” آدم آرثر الخبير في بورصة المعادن في لندن، “قدر حجم سوق الألمنيوم العالمية بنحو 164 مليار دولار 2019، ومن المتوقع أن يصل إلى 242 مليار دولار بحلول 2027 وبمعدل نمو سنوي 5.7 في المائة، وعلى الرغم من أن صادرات روسيا من الألمنيوم ثابتة نسبيا حتى الآن، فإن الأسعار ارتفعت بشدة، وأغلب التوقعات أنها ستواصل الارتفاع في الفترة المقبلة”.
وحول أسباب ذلك، يضيف “هناك عدة أسباب، فالتجار يخشون أن تتأثر الصادرات من روسيا إذا ما زادت الولايات المتحدة وحلفاؤها من حجم ونطاق العقوبات المفروضة عليها، حيث يمكن في هذه الحال أن تتوقف شركة روسال الروسية عن إمداد الأسواق العالمية باحتياجاتها من الألمنيوم، لكن هناك سببا أكثر تأثيرا ويلعب الدور الرئيس في زيادة أسعار الألمنيوم، إذ إن إنتاج الألمنيوم يستلزم كثيرا من الطاقة، ونحن نشهد ارتفاعا في أسعار الطاقة جراء الحرب الروسية – الأوكرانية والعقوبات الأمريكية والأوروبية والبريطانية على موسكو”.
ويؤكد أنه حتى قبل تلك الحرب عندما ارتفعت أسعار الغاز والكهرباء في كل من الصين وأوروبا في النصف الثاني من 2021، أصبح من غير المربح على نحو متزايد لمنتجي الألمنيوم الاستمرار في تشغيل مصاهرهم، لذلك انخفض الإنتاج في وقت كان فيه الاقتصاد العالمي في طريقة إلى الانتعاش وكانت هناك زيادة في الطلب على الألمنيوم، كما أن إمدادات الألمنيوم حول العالم انخفضت من مستويات عالية جدا خلال وباء كورونا إلى أدني مستوياتها الآن منذ نحو 15 عاما، ولهذا ارتفعت الأسعار بشدة.
من ناحيتها، لا تنفي الدكتورة فيرا هيدسون أستاذة التجارة الدولية في جامعة لندن تأثير الأسباب المشار إليها أعلاه في ارتفاع أسعار الألمنيوم، لكنها تشير إلى مجموعة أخرى من العوامل التي ربما لعبت دورا بارزا في الاضطراب الراهن في السوق.
وتقول “دخلت أغلب المعادن الصناعية العام الحالي على أساس قوي، على الرغم من وجود اختلاط في المشهد العام، إذ انخفض النيكل بأكثر من 2 في المائة في بداية العام قبل أن يحقق قفزات ضخمة بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، لكن يمكن القول إن الألمنيوم كان الرابح الأكبر، فالمنتجون في القارة الأوروبية يعانون منذ بداية العام ارتفاع تكاليف الطاقة، ولا يبدو أن هناك ما يشير إلى حل سريع لتلك المشكلة، وسيكون من الصعب على شركات الألمنيوم الأوروبية تأمين الطاقة بأسعار تنافسية”.
وتضيف “أما بالنسبة إلى الشركات الآسيوية فإن حظر إندونيسيا تصدير الفحم أوجد منعطفا في أسواق الطاقة الإقليمية، وباتت بعض الدول التي تعد من كبار المشترين للفحم من إندونيسيا وفي الوقت ذاته من منتجي الألمنيوم في وضع صعب”.
ويعتقد بعض الخبراء أن الارتفاع الراهن في أسعار الألمنيوم ستكون له تداعيات مستقبلية لكن ليست فورية، حيث إن أغلب الشركات الصناعية التي تستخدم الألمنيوم تميل إلى التحوط، ولديها في الغالب مخزون لفترة كافية، لكن مع مواصلة الأسعار الارتفاع، سيتعين على المنتجين دفع مزيد سواء لشراء احتياجاتهم من الألمنيوم بالأسعار الجديدة، أو للسعي إلى إعادة المخزون إلى وضعه الطبيعي، ما يعني ارتفاع أسعار أغلب السلع التي تستخدم الألمنيوم مستقبلا.
مع هذا ترى لورين الكس الخبيرة الاستثمارية أن المشكلات الناجمة عن ارتفاع أسعار الألمنيوم تتسم بالتعقيد، لأنها تتداخل بشكل واضح مع مشكلات من نوع أخر.
وتقول لـ”الاقتصادية”، “إنه بالنسبة إلى صناعة السيارات فإن ارتفاع أسعار الألمنيوم مشكلة تدخل ضمن مشكلات سلاسل التوريد التي سيتعين عليها التعامل معها، ويمكن أن تتحمل الصناعة ارتفاع التكاليف إلى حد معين، لكن إذا واصلت أسعار الألمنيوم الارتفاع، فلن يكون أمام المصنعين إلا نقل الزيادة في التكلفة كليا أو جزئيا للمستهلك. باختصار ستواصل معدلات التضخم الارتفاع”.
وفي الواقع فإن الصورة الراهنة في سوق الألمنيوم تبدو في مصلحة المنتجين أكثر منها للمستهلكين. إذ يتم إنتاج ما يقرب من 67 مليون طن من الألمنيوم في العالم سنويا، ويأتي نصفها تقريبا من الصين، وخلال الأشهر الستة الماضية ارتفعت الأسعار بنحو 24 في المائة، وتجاوز سعر الطن 3460 دولارا للطن في البورصة الأمريكية.
وتشير البيانات الصادرة من بورصة المعادن في لندن إلى تقلص مخزونات الألمنيوم في المستودعات المعتمدة لدى البورصة إلى أقل من 850 الف طن، وهو أدنى مستوى منذ 2007، ويعطي هذا الوضع لمحة عن الوضع المضطرب في سوق الألمنيوم العالمية، إذ إن انخفاض المخزونات في المستودعات التي ينظر إليها على أنها الملاذ الأخير للأسواق الدولية، يعد دليلا واضحا على نقص العرض الإجمالي في الأسواق.
بدوره، يراهن إس.دي. والكر أحد المضاربين في بورصة المعادن في لندن على ارتفاع الأسعار مستقبلا، خاصة مع توقع انخفاض المعروض العالمي بنحو مليون طن هذا العام، واستمرار اختناقات الشحن التي تجعل من الصعب نقل الألمنيوم إلى المناطق التي في حاجة إليه.
ويقول لـ”الاقتصادية”، “نظريا يمكن أن يؤدي تعافي الإنتاج الصيني إلى تعزيز العرض العالمي وخفض الأسعار، لكن ذلك مستبعد لعدة أسباب، أولا الصين لديها مصلحة في ارتفاع الأسعار، إذ تحقق الشركات الصينية أرباحا أكبر، في الوقت ذاته يترافق خفض الصين إنتاجها مع رغبات صانع القرار السياسي في وضع حد لإنتاج الألمنيوم للسيطرة على انبعاثات الكربون، خاصة أن ذلك يأتي بعد أعوام من التوسع في الإنتاج الذي أدى إلى انخفاض الأسعار لفترة طويلة”.
ويضيف “كما أن روسيا في ظل العقوبات المفروضة عليها لن يكون في مقدورها الحفاظ على معدلات إنتاجها الحالي، وفي أغلب الظن أنها ستتراجع”.
تشير معظم التقديرات الحالية إلى أن أسعار الألمنيوم ربما تتجاوز أربعة آلاف دولار للطن هذا العام، خاصة أن طبيعة الصناعة واعتمادها الكبير على الطاقة تجعل من المستبعد أن تقوم المصانع التي أغلقت في إسبانيا أو خفضت الإنتاج في أماكن مثل الجبل الأسود ورومانيا وفرنسا وسلوفاكيا بالعودة إلى الوضع الطبيعي للإنتاج، ما يعني أن اليد الطولى لمنتجي الألمنيوم وهيمنتهم على الأسواق ستستمر طوال هذا العام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى