اقتصاد تونس يواجه ” مرحلة صعبة ” بسبب تآكل مخزون العملات
بوابة الاقتصاد
الدينار يتجه نحو الانزلاق والتضخم يرتفع وسط الاحتياج للدعم من المؤسسات المالية
يبدو أن الحكومة التونسية ستواجه وضعية عصيبة في حال استمرت الحرب الروسية في أوكرانيا، بسبب تفاقم عجز الميزان التجاري كون تونس دولة موردة للطاقة، مما ينبئ باتجاه الدينار نحو انزلاق أكيد إذا لم تجد الحلول سبيلها إلى الأزمة.
وكان الدينار التونسي سجل انخفاضاً في سعره يوم الثامن من مارس (آذار) الماضي، اعتبر الأدنى له مقابل الدولار الأميركي منذ ثلاث سنوات، وبلغ سعر الدولار الواحد 3.0032 دينار، إذ تتأثر العملة الوطنية التونسية بالركود وسجل الاقتصاد نمواً قدره 3.1 في المئة سنة 2021 وكان ضمن الأكثر بطئاً في العودة للنشاط بعد أزمة كورونا من البلدان الناشئة، بتأثير من الاضطرابات الاجتماعية وبفعل عدم الاستقرار السياسي طوال الـ 11 سنة الماضية.
وتشكو تونس عجزاً في موازنة سنة 2022 قدره 9.2 مليار دينار (ثلاثة مليارات دولار) وهي في حاجة إلى موارد خارجية بقيمة 10 مليارات دينار (3.3 مليار دولار) لتسديد ديون سابقة، وارتفع التضخم خلال شهر مارس إلى مستوى قياسي وهو 7.2 في المئة، وفاقت نسبة البطالة 18 في المئة سنة 2021.
وتستعد الحكومة لخوض مفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل مشروع تمويل جديد، تأمل بأن تتحصل بمقتضاه على أربعة مليارات دينار (1.3 مليار دولار) لتغطية العجز مقابل تنفيذ إصلاحات هيكلية للاقتصاد، لكن الإصلاحات المقدمة في مشروع الحكومة تواجه رفضاً من الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية).
العجز
بيانات البنك المركزي التونسي أظهرت انحداراً متواصلاً لسعر صرف الدينار انطلق منذ أشهر وأخذ المنحى نفسه من دون أن يتمكن من التدارك أو العودة للأسعار السابقة، في انعكاس واضح لوضعية الميزان التجاري الذي يشكو عجزاً تسبب في تراجع موارد العملات وندرتها.
وشهدت المبادلات التجارية التونسية خلال الشهرين الأولين لسنة 2022 تحسناً في الصادرات بنسبة 31.6 في المئة، مقابل 10.1 في المئة سلبي خلال الشهرين الأولين من سنة 2021.
وبلغت قيمة الصادرات 8.99 مليار دينار (2.99 مليار دولار) مقابل 6.8 مليار دينار (2.26 مليار دولار) خلال الفترة نفسها من سنة 2021، لكن ارتفعت الواردات بنسبة 33 في المئة مقابل 12 في المئة سلبي خلال الشهرين الأولين من سنة 2021، وبلغت قيمة الواردات 11.61 مليار دينار (3.87 مليار دولار) مقابل 8.73 مليار دينار (2.91 مليار دولار) خلال الفترة نفسها من سنة 2021.
أما أرقام الصادرات والواردات نتج منها عجز تجاري في حدود 2.61 مليار دينار (870 مليون دولار) مقابل 1.89 مليار دينار (630 مليون دولار) خلال الشهرين الأولين من سنة 2021. وتراجعت نسبة تغطية الواردات بالصادرات 0.8 نقطة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2021، إذ بلغت 77.5 في المئة وفق المعهد الوطني للإحصاء.
تآكل مخزون العملات
مجلس إدارة البنك المركزي عبر عن انشغاله بالعجز المسجل وتراجع مستوى الاحتياط من العملة الأجنبية إلى 22.7 مليار دينار (7.56 مليار دولار) مقابل 23.31 مليار دينار (7.77 مليار دولار) في سنة 2021، وأعرب عن عميق انشغاله بالأخطار التضخمية، إذ أخذ التضخم منحاه التصاعدي للشهر الرابع تباعاً ليبلغ 6.7 في المئة في يناير (كانون الثاني) 2022 مقابل 6.6 في المئة في ديسمبر (كانون الأول) 2021 و4.9 في المئة قبل سنة، و7.2 في المئة في مارس (آذار) 2022.
ودعا مجلس الإدارة إلى ضرورة الانطلاق في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتصحيح المالية العمومية واستعادة نمو سليم ومستدام، وكذلك إلى اليقظة الشديدة تجاه تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على التوازنات الاقتصادية، وقرر الإبقاء على نسبة الفائدة الرئيسة للبنك المركزي التونسي من دون تغيير، أي في مستوى 6.25 في المئة.
وكانت وكالات التصنيف العالمية خفضت التصنيف السيادي لتونس إلى Caa1 بالنسبة لوكالة “موديز” وCCC بالنسبة لـ “فيتش رايتنغ”، بسبب ما اعتبرته عدم يقين في شأن قدرة تونس على تسديد ديونها. وبلغت نسبة المديونية 85 في المئة من الناتج القومي الخام بـ 114 مليار دينار (38 مليار دولار) وهو مستوى غير مسبوق في تاريخ تونس.
عامل المديونية
وبلغت خدمة الدين في تونس 14.8 مليار دينار (4.9 مليار دولار) خلال ديسمبر (كانون الأول) 2021، مما يمثل 11.37 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وزادت بنسبة 33 في المئة مقارنة بأرقام سنة 2020 وبنسبة 54 في المئة مقارنة بسنة 2019.
وبلغ أصل الدين نحو 11.1 مليار دينار (3.7 مليار دولار) خلال سنة 2021، منها الدين الخارجي الذي ارتفع إلى 6.1 مليار دينار (ملياري دولار) وهو 55.6 في المئة من الأصل، ويتكون من قروض متعاقد عليها من السوق المالية العالمية 3.4 مليار دينار (1.13 مليار دولار) وقروض من المؤسسات المالية المتعددة الأطراف 6.1 مليار دينار (ملياري دولار) وقروض التعاون الثنائي بمليار دينار (333مليون دولار).
وبلغ أصل الدين الداخلي نحو 4.9 مليار دينار (1.63 مليار دولار)، وعجزت الدولة التونسية عن الخروج للسوق المالية العالمية للاقتراض منذ سنتين بسبب انحدار التصنيف الائتماني واتجهت إلى السوق الداخلية مما أثر في قدرة البنوك التونسية على تمويل المؤسسات ودفع الاستثمار وخلق الثروة.
ودعا صندوق النقد إلى تركيز إصلاحات ضرورية، أهمها ترشيد الدعم والخفض في كتلة الأجور بالقطاع العام ومراجعة منظومة الجباية وإصلاح المؤسسات العمومية بالتفويت في جزء منها، وقوبلت هذه الإصلاحات التي ترى الحكومة أنها ضرورية برفض الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) الذي يرى أنها تمس بمقدرات الشعب التونسي.
انخفاض طفيف
واعتبر الخبير الاقتصادي أنيس وهابي أن التراجع المسجل في سعر العملة الوطنية التونسية مقابل الدولار يأتي بسبب صعود العملة الأمريكية، إذ سجل الدولار ارتفاعاً في أسعار تداوله خلال الفترة الأخيرة، وتحديداً منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا والارتدادات التي أحدثتها في السوق المالية العالمية، وقد اتخذ الدولار منحى تصاعدياً مقارنة باليورو.
وقال وهابي “لكن ذلك لا يمنع فقدان العملة التونسية جزءاً من قيمتها بسبب الوضعية الاقتصادية الصعبة، ويلاحظ تراجعها مقابل اليورو، وهو أمر منتظر مما سينعكس على مخزون العملات لدى البنك المركزي التونسي”، مشيراً إلى أن المخزون الحالي مطمئن وغير ضئيل إلى حد الوقت الراهن”.
وذهب المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم إلى أن العديد من العملات تشهد انخفاضاً تجاه الدولار بسبب ارتفاع سعره والإقبال عليه، بينما أظهر الدينار التونسي استقراراً نسبياً تجاه اليورو.
وبينما يبدو الانخفاض في سعر العملة الوطنية التونسية طفيفاً مقارنة بتأثر عملات بلدان ناشئة أخرى مثل مصر وتركيا، لكن تونس تحتاج دعماً من المؤسسات المالية الدولية لمواجهة ارتدادات الحرب الأوكرانية والمحافظة على مخزون النقد الأجنبي المهدد بالتآكل.