العقوبات الغربية تحاصر الأصول الروسية فماذا يترقب المستثمرون؟
بوابة الاقتصاد
حزمة إجراءات غربية مشددة طالت أفراداً وبنوكاً منذ بداية التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا
شملت الحزمة الخامسة من العقوبات الأوروبية على روسيا والمعلنة يوم الجمعة الماضي تجميد أصول بنوك وأشخاص يعتقد أنهم على علاقة بالكرملين، ولم تقتصر العقوبات فقط على حظر استيراد الفحم الروسي والبدء بخفض استيراد أوروبا له على مدى أربعة أشهر ضمن حظر واردات أخرى مثل الخشب والكيماويات وغيرها.
وشملت حزمة العقوبات التي أعلنتها المفوضية الأوروبية تجميد أصول 200 شخص إضافيين، وأيضاً فرض عقوبات على ابنتي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كما فعلت الولايات المتحدة، كما تضمنت العقوبات أربعة بنوك و18 كياناً اقتصادياً آخر، بينها “سبير بنك” وبنك “في تي بي” وشركات صناعات دفاعية.
وضاعفت حزمة العقوبات الأوروبية الأخيرة عدد الشركات التي فرضت عليها أوروبا عقوبات منذ بدء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا في الـ 24 من فبراير (شباط) الماضي.
ومنذ بدأت الحرب في أوكرانيا فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على حوالى 700 شخص أغلبهم من إقليم دونباس شرق أوكرانيا وعدد من الأثرياء الروس، وأضيف إليهم يوم الجمعة الماضي 200 شخص.
وتقضي العقوبات على الأشخاص والأفراد بتجميد أصولهم في الدول التي تفرض العقوبات، وقدرت المفوضية الأوروبية أنها جمدت حتى الآن أصولاً بأكثر من 32 مليار دولار (نحو 30 مليار يورو)، إضافة إلى وقف تعاملات بلغت قيمتها أكثر من 213 مليار دولار (196 مليار يورو).
التجميد والمصادرة
وأثار التوسع في تجميد الأصول لأثرياء روس وبنوك وشركات روسية جدلاً واسعاً حول قانونية تجميد الأصول، بخاصة بعد التقارير الإعلامية التي تحدثت عن إمكان مصادرة تلك الأموال والأصول وبعض التصريحات الأوكرانية بأن تلك الأموال ستستخدم في دعم أوكرانيا، ويخشى بعضهم من أن النطاق غير المسبوق للعقوبات على الأفراد وتجميد أصولهم قد يدفع المستثمرين إلى التردد في الدخول إلى الدول الغربية خشية تعرضهم لإجراءات مماثلة في حال فرض الغرب عقوبات على بلدهم الأصلي.
وبما أن فرض العقوبات حق سيادي للدول، فإن تجميد الأصول والأموال أيضاً مسألة سيادية، وهو اجراء مماثل لما يحدث تجاه المتهم مثلاً حتى لو لم يكن دين بالتهمة بعد في بلد ما، حين تقرر المحكمة تجميد أمواله إلى حين الفصل في القضية المتهم فيها، وهذا ما تفعله الدول التي تفرض عقوبات بحق الآخرين، فهي تعتبرهم متهمين وبالتالي تجمد أصولهم وممتلكاتهم لديها.
أما المصادرة فأمر آخر، وكما لا تصادر المحكمة أموال المتهم إلا إذا صدر حكم إدانة بحقه ورأت مصادرة أمواله إما لتعويض المتضررين في القضية أو للصالح العام، فإن مصادرة الدول للأموال المجمدة ليست أمراً نهائياً. ويمكن للشخص الخاضع للعقوبات الذي تصادر أمواله وأصوله اللجوء إلى القضاء والإفراج عن تلك الأصول إذا كان يملك الحجة لتبرير أحقيته في أصوله المصادرة، كما أن التوصل إلى تسوية بعد أي صراع قد تتضمن الإفراج عن الأصول المجمدة، وإذا كانت الدولة التي فرضت العقوبات صادرتها فإنها تكون ملزمة باعادتها.
وهناك مثال واضح وقريب جداً على ذلك، إذ قضت محكمة العدل الأوروبية يوم الأربعاء الماضي بعدم قانونية تجميد أصول أسرة الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، وأمرت بحق أسرة مبارك في تلك الأموال وألزمت المفوضية الأوروبية بدفع كلفة الدعوى.
وكانت المفوضية فرضت حظراً على أصول مبارك وأسرته وطالبت بنوك دول الاتحاد الأوروبي بتجميد أموالهم لديها عام 2011 بعد الاحتجاجات التي أطاحت بحكم مبارك، واتخذ القرار الأوروبي في إطار مساعدة السلطات المصرية على استرداد أي أموال عامة اتهم مبارك وأسرته بالاستيلاء عليها. ورفع ابنا مبارك دعوى قضائية حكم فيها بعد نحو 10 سنوات بأحقيتهم في تلك الأصول، فحتى لو كانت المفوضية الأوروبية صادرت تلك الأموال وسلمتها إلى السلطات المصرية ما بعد حكم مبارك، فإن الحكم الأخير قبل أيام كان سيلزمها بإعادة تلك الأموال والأصول التي كانت مجمدة لهؤلاء الخاضعين للعقوبات.
وأيضاً ما حدث مع الأموال والأصول العراقية في الغرب والتي كانت مجمدة في فترة العقوبات على العراق، فقد تم فك التجميد وأعيد القدر الأكبر من تلك الأصول إلى العراق، وهذا ما يتوقع حدوثه أيضاً مع إيران في حال تم إحياء الاتفاق النووي في مفاوضات فيينا، فحتى إذا كانت بعض الدول صادرت تلك الأصول والأموال فإنها ستكون ملزمة بإعادتها في إطار أي تسوية يتم التوصل إليها.
مخاوف المستثمرين
ويثير معلقون مسألة مخاوف المستثمرين من وضع أموالهم في الغرب أو شراء أصول في الدول الغربية خشية أن تتعرض للتجميد أو المصادرة في حال أي خلاف سياسي يؤدي إلى فرض عقوبات، وتلك واحدة من أخطار الاستثمار التي تؤخذ في الاعتبار لدى وضع الاستراتيجيات الاستثمارية للشركات أو الأفراد، وهناك دائماً محللون يعملون على وضع نماذج توقعات سياسية وأمنية تسبق أي قرار استثماري.
أما ما يردده بعضهم وبخاصة من المعلقين العرب من أن العقوبات الغربية الأخيرة على روسيا قد تدفع المستثمرين إلى التوجه شرقاً إلى الصين والهند ودول آسيوية أخرى بدل التوجه بأموالهم إلى الأسواق الأميركية والأوروبية، ففيه كثير من المبالغة، إذ إن الأسواق الغربية تظل محكومة إلى حد ما بقوانين وقواعد أفضل نسبياً، فعلى سبيل المثال أدت القرارات الاقتصادية الأخيرة في الصين إلى إحجام المستثمرين الأجانب عن الدخول في السوق الصينية بعدما شددت بكين قواعد وقيود الاستثمار الأجنبي لديها، فالأخطار موجودة حتى من دون حروب أو أزمات سياسية تؤدي إلى فرض عقوبات، والحكومات بيدها حتى تغيير القوانين إذا أرادت التضييق على شركة ما أو مستثمر ما، ويحدث ذلك في كل مكان تقريباً وليس فقط في أميركا وأوروبا ودول آسيا الصاعدة.