آخر الاخباربنوك وتأمين

لماذا تحول صافي أصول مصر الأجنبية إلى “السالب”؟

بوابة الاقتصاد

تراجع بمقدار 20 مليار دولار أميركي في فترة لم تتجاوز 12 شهراً

شهد صافي الأصول الأجنبية لدى الجهاز المصرفي المصري، بما فيه البنك المركزي، تراجعاً بمقدار 370 مليار جنيه (نحو 20 مليار دولار أميركي)، في فترة لم تتجاوز الـ12 شهراً، بعدما هوى الرصيد من 320 مليار جنيه (17 مليار دولار) في فبراير (شباط) 2021 إلى نحو “سالب” 50 مليار جنيه (2.7 مليار دولار) في الشهر ذاته من العام الحالي.

وصافي الأصول الأجنبية معادلة مصرفية يجري خلالها خصم التزامات القطاع المصرفي (بما فيها البنك المركزي المصري) تجاه غير المقيمين من إجمالي الأصول بالعملة الأجنبية، وهو ما يعكس زيادة الالتزامات على البنوك لدرجة يتحوّل معها الصافي إلى سالب.

وأعلن المركزي المصري في بيان رسمي مساء الأحد الماضي 3 أبريل (نيسان)، تراجعاً حاداً في قيمة صافي الأصول الأجنبية المصرية في فبراير 2022 بمقدار 60 مليار جنيه (3.2 مليار دولار) ليهبط إلى رصيد “سالب” 50.3 مليار جنيه.

بداية النزيف

نزيف صافي الأصول الأجنبية، بما فيها البنك المركزي، بدأ مع تلميحات البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في سبتمبر (أيلول) 2021 إلى إمكانية رفع أسعار الفائدة، وهو ما حدث بالفعل في مارس (آذار) الماضي، عندما قرر الفيدرالي رفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية للمرة الأولى منذ عام 2018.

ووفقاً للبيانات الرسمية الشهرية الصادرة عن “المركزي” التي اطلعت عليها “اندبندنت عربية”، أظهرت أن بداية التراجع في صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، عندما سجّل 114 مليار جنيه (6.2 مليار دولار) هبوطاً من 186 مليار جنيه (10 مليارات دولار) في سبتمبر 2021، قبل أن يواصل النزيف بمقدار 31 مليار جنيه (1.6 مليار دولار) في الشهر التالي نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 عندما سجلت الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي 83 مليار جنيه (4.5 مليار دولار).

نزيف في الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي استمر مع نهاية عام 2021، عندما سجّل الصافي في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2021 نحو 37.8 مليار جنيه (2 مليار دولار) قبل أن يتراجع من جديد للشهر الرابع على التوالي ليسجل في نهاية يناير (كانون الثاني) 2022 نحو 26 مليار جنيه (1.4 مليار دولار)، محققاً أدنى مستوى له على مدار عام.

وتحوّل صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي للمرة الأولى إلى الرصيد السالب في نهاية فبراير الماضي عندما فقد 76 مليار جنيه (4.1 مليار دولار)، مسجّلاً 50 مليار جنيه (رصيد سالب) في نهاية فبراير 2022.

وكان صافي الأصول الأجنبية قد حقق أعلى مستوى له خلال عام 2021 في فبراير 2021، عندما سجل 320.2 مليار جنيه، وفقاً لبيانات المركزي المصري.

تخارج الأموال الساخنة

وفسّر المحللون في حديثهم إلى “اندبندنت عربية”، أسباب هبوط صافي الأصول الأجنبية من أعلى مستوى له في فبراير (2021) إلى رصيد سالب في فبراير 2022.

وقال المتخصص في أسواق المال محمد ماهر إن مقدار النزيف في رصيد صافي الأصول الأجنبية، الذي وصل إلى أعلى مستوى له في فبراير 2021، والذي سجل 370 مليار جنيه (20 مليار دولار) يعادل تقريباً قيمة ما فقده الجهاز المصرفي المصري نتيجة تخارج المستثمرين الأجانب في أدوات الدين الحكومية من أذون وسندات الخزانة، إلى جانب قيمة ما أنفقه أو اعتمده البنك المركزي المصري لشراء السلع الاستراتيجية مع الأيام الأولى لاندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا.

وأوضح أن قيمة ما تخارج به المستثمرون الأجانب من السوق المحلية لم تقلّ عن 17 مليار دولار خلال الربع الأخير من عام 2021 مع بداية تلميحات الفيدرالي الأميركي إلى تضييق السياسة النقدية، وهو ما يعني رفع أسعار الفائدة، ما سبب ضغوطاً قوية على الأسواق الناشئة، ومن بينها مصر بكل تأكيد، لافتاً إلى أن تلك التلميحات تسببت في تخارج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في أدوات الدين الحكومية (الأموال الساخنة)، وزادت وتيرة الخروج العنيف بعد تنفيذ الفيدرالي الأميركي وعوده، عندما رفع معدل أسعار الفائدة فعلياً في مارس الماضي.

الاحتياطي الفيدرالي أحد الأسباب

في مارس 2020، قرر الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خفض أسعار الفائدة إلى الصفر مع دخول الجائحة العالمية في الولايات المتحدة، ما تسبب في إغلاق أعمال على نطاق واسع قبل أن يعود بعد 24 شهراً تقريباً، لتشديد السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة بمعدل 25 نقطة مئوية للمرة الأولى منذ مارس 2018.

واضطر البنك المركزي المصري إلى اتباع السياسة ذاتها، بعدما قرر في جلسة استثنائية صباح يوم الاثنين 21 مارس الماضي رفع أسعار الفائدة الرئيسة بمقدار 100 نقطة أساس، وتحدد سعر عائد الإقراض لليلة واحدة عند 10.25 في المئة، وسعر عائد الإيداع لليلة واحدة عند 9.25 في المئة، وبعدها بساعات قرر البنك خفض قيمة الجنيه بمقدار بلغ 14 في المئة.

حزمة من الأسباب

ومن جانبه، أرجع عضو مجلس إدارة البورصة السابق إيهاب سعيد، تحوّل رصيد صافي الأصول الأجنبية إلى السالب بمقدار 50 مليار جنيه إلى حزمة من الأسباب تجمعت في توقيت واحد، لتهزّ الاقتصاد المحلي بعنف، ما أفقده توازنه قبل أن يتدفق الدعم الخليجي سواء بالودائع أو الاستثمارات لتعويض قيمة الأصول المكشوفة، إلى جانب دعم الجهاز المصرفي المصري، وعلى رأسه البنك المركزي للعودة إلى قوته عام 2021 نوعاً ما عندما كانت القاهرة هي قِبلة المستثمرين الأجانب في أدوات الدين كأبرز الخيارات أمامهم من بين الأسواق الناشئة. وأشار إلى أن استثمارات الأجانب غير المباشرة (الأموال الساخنة) وصلت إلى أعلى مستوى لها في سبتمبر الماضي عندما حققت نحو 25 مليار دولار تقريباً.

من جانبها، قالت المتخصصة في أسواق المال رانيا يعقوب إن تخارج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة المكثف ليس السبب الرئيس في عدم استقرار الاقتصاد المصري أخيراً، ما تآكل معه صافي الأصول الأجنبية بالجهاز المصرفي، مؤكدة أن ارتفاع فاتورة استيراد السلع الاستراتيجية المدعومة من الدولة بعد موجات تضخمية وارتفاع في الأسعار، وعلى رأسها القمح والذرة والنفط نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا كان أحد الأسباب.

وأضافت، يجب أن لا ننسى تراجع عوائد السياحة وتراجع قيمة الصادرات وخفض قيمة الجنيه مقابل الدولار الأميركي بمقدار 14 في المئة، سببت ضغوطاً على الاقتصاد، ما أثّر في الأصول الأجنبية لدى الجهاز المصرفي.

لا داعي للقلق

من جانبه، قال المتخصص في القطاع المصرفي محمد عبد العال إن صافي أصول البنوك الأجنبية يتسم بالمرونة والحركة، فهو قابل للزيادة والانخفاض بحسب الالتزامات الموسمية والدورية المطلوبة من الجهاز المصرفي وحجم التدفقات من العملة الأجنبية.

وأكد في تصريحات صحافية أن مرونة تحرّك صافي الأصول الأجنبية بالزيادة أو الانخفاض يُعدّ أمراً صحياً، وليس هناك ما يدعو إلى القلق، إذ يعبّر ذلك عن سداد التزامات مطلوبة في وقت آجالها، بدليل أنه في أوقات أخرى، يرتفع صافي هذه الأصول، مضيفاً أن انخفاض صافي الأصول الأجنبية في الفترة الأخيرة يرجع إلى عوامل مختلفة، منها وجود زيادة في معدلات التجارة الخارجية أو التزامات حانت آجالها وحان سدادها على أي بنك، أو ارتفاعات أسعار السلع المستوردة، بسبب زيادة التضخم العالمي.

وأشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي يمر بها الجهاز المصرفي بتحوّل صافي الأصول الأجنبية إلى السالب، لافتاً إلى أنه قبل تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي وتحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي (التعويم) في نوفمبر 2016، كان يعاني الجهاز المصرفي من تسجيل معدل سالب آنذاك، موضحاً أنه سجّل أول معدل موجب بعد قرار (التعويم).

زر الذهاب إلى الأعلى