آخر الاخباراستثمار

بعد التحقيقات حول المضاربات فيه .. ما سبب الأهمية الكبيرة للنيكل اقتصاديًا؟

بوابة الاقتصاد

قررت السلطات المالية البريطانية فتح تحقيق حول الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار معدن النيكل الشهر الماضي، حيث حقق مستويات قياسية تخطت 100 ألف دولار للطن بارتفاع 50% في يوم واحد في الثامن من مارس.

ورأت السلطات البريطانية أن ما حدث يثير تساؤلات حول مدى الشفافية التي تدير بها بورصة لندن للمعادن عملياتها، وقررت التحقيق في الارتفاع الاستثنائي للنيكل، لا سيما بعدما قررت إدارة البورصة تعليق التداول في عقود النيكل مؤقتا وقتها.

فيم يستخدم النيكل؟

ولتبيان الارتفاع الشديد في سعر النيل وقتها يكفي الإشارة إلى أن مستواه القياسي السابق لم يتجاوز 54 ألف دولار، وأن سعره استمر في التراجع حتى وصل إلى مستوى حول 33 ألف دولار للطن في بداية الأسبوع الحالي، بما يشير إلى وجود عمليات مضاربة كبيرة في الأسواق وليس لوجود ارتفاع طبيعي للطلب على المعدن.

والملاحظ أن المضاربات الكبيرة التي حدثت حول النيكل كانت سببًا في إقرار بورصة لندن لقاعدة بعدم تخطي الصعود أو الهبوط لمعدن واحد يوميا 15% لتفادي عمليات المضاربة. ولكن يبقى السؤال عن سبب هذه المضاربات على النيكل وأهميته الكبيرة.

فمن العملات المعدنية إلى أدوات الطهي ومحركات الطائرات، وصولا إلى البطاريات والرقائق الإلكترونية يظهر تداخل النيكل في حياتنا اليومية.

وتمتد استخدامات النيكل إلى تصنيع المواقد الكهربائية، والمكاوي الكهربائية، وأقراص توربينات المحركات التوربينية، وغرف الاحتراق، وشفرات التوربينات، وأجهزة التلفزيون، ومعدات الاتصال، وطلاء الأجهزة البصرية.

كما يتم استخدامه في تصنيع أجهزة الاتصالات المتنقلة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة ومسجلات الفيديو، ويدخل أيضاً في الصناعة العسكرية والدفاع والتكنولوجيا المتقدمة، وبشكل عام ووفقا لتقدير جمعية الجيولوجيين الأمريكيين فإن النيكل يدخل في أكثر من 300 ألف منتج حول العالم.

أسباب الارتفاع

%80 من النيكل المستخدم حول العالم لا يستخدم بصورة منفردة أو خام ولكن في سبائك، أشهرها سبيكة “الاستانل ستيل”، وبشكل عام يدخل النيكل في الكثير من أنواع الصلب (ستيل) خاصة ذلك غير المحتوي على الحديد في تكوينه الرئيسي.

ويرجع ذلك إلى قدرة النيكل الكبيرة على مقاومة التآكل وعوامل التعرية وتحمل درجات حرارة تصل إلى ألف درجة، ولذلك يستخدم بكثافة في المصانع الكيماوية، ومضخات النفط ومعامل تكريره، ومحركات الطائرات ومحطات توليد الكهرباء، والمواقع البحرية المختلفة، وخطوط الإنتاج، ومخازن السوائل، وعلب حفظ الطعام، وفي بعض أنواع الأثاث.

وتشير وكالة “بلومبرغ” إلى أن أحد أهم أسباب الارتفاع “الجنوني” في سعر النيكل هو قيام الشركات المصنعة للسيارات الكهربائية بزيادة الطلب عليه إلى مستويات قياسية.

وتتحرك شركات السيارات الكهربائية للشراء مدفوعة بقفزة بنسبة 62% في مبيعاتها خلال النصف الثاني من عام 2021، لتصل إلى 5.84 مليون سيارة، بما يدفعها لزيادة الطلب على المعدن الذي يجعل إنتاج سياراتها ممكنًا.

كما أن معدنا مثل النيكل كان يعاني، وفقا لـ”وول ستريت جورنال”، من فجوة بين العرض والطلب تقدر بـ6% بالفعل قبل بدء الحرب الأوكرانية، بما يجعل تأثيرها عليه مُضاعَفًا.

الإنتاج الروسي يعاني

ولا شك أن الحرب الأوكرانية والأزمة التي تواجهها روسيا في تصدير منتجاتها زادت من الضغوط على أسعار النيكل، في ظل تقديم روسيا لـ250 ألف طن يشكلون 9% من الإنتاج العالمي، ولكنها تشكل 20% من النيكل عالي الجودة عالميًا.

وبدأت روسيا تواجه مشكلات في إيصال منتجاتها للخارج، فمجموعة التعدين الروسية العملاقة “نوريلسك نيكل” تواجه مشاكل في عمليات النقل ومصاعب أخرى بعدما فرض الغرب عقوبات غير مسبوقة على موسكو على خلفية غزو أوكرانيا.

وقال الرئيس التنفيذي للشركة والشريك في ملكيتها “فلاديمير بوتانين” إن “نورنيكل”، أكبر منتج في العالم للبلاديوم والنيكل العالي الجودة، تواجه عقبات في شحن منتجاتها نظرا للقيود على السفر جوا إلى روسيا.

شركات ودول تتحوط

ولأهمية النيكل الكبيرة يلاحظ أن العديد من الشركات أبرمت تعاقدات طويلة المدى للحصول عليه، ولعل أبرزها ما كشفت عنه وكالة “بلومبرغ” بإبرام شركة “تسلا” لاتفاقات وصفتها بـ”السرية” للحصول على النيكل من كندا.

ونجحت “تسلا” بذلك في تلافي التقلبات الكبيرة التي حدثت في النيكل مع الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث

أبرمت الشركة تلك الاتفاقات في نهاية عام 2021 مع شركة التعدين العملاقة “فيل” وتتضمن توريد النيكل من كندا.

وتركز شركة السيارات المملوكة لرجل الأعمال الشهير “إيلون ماسك” على ضمان إمداداتها من النيكل منذ سنوات من خلال عقود توريد مشابهة، وفقا لخطة الشركة في محاولة السيطرة على عناصر إنتاج السيارة بالكامل أو ما يعرف بـ”التكامل الرأسي”، بدلا من الوقوع فريسة لتغيرات الأسواق.

وتدير “تسلا” بالاشتراك مع “باناسونيك” اليابانية مصنعا ضخما لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية خارج مدينة رينو بولاية “نيفادا” الأمريكية، وتسعى بذلك إلى التمتع بميزة تنافسية نسبية في مواجهة بقية المنافسين.

بل ودفعت أهمية النيكل الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى التفكير في وضعه، مع بعض العناصر الأخرى مثل الليثيوم والجرافيت والمنجنيز، في قائمة قانون “الإنتاج الدفاعي” وهو القانون الذي فعله الرئيس الأمريكي الأسبق “هاري ترومان” إبان الحرب الكورية في إنتاج الصلب، والرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” في إنتاج الكمامات.

ويعطي هذا القانون القدرة للمنتجين في الحصول على أموال من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بشرط الالتزام بمجموعة من الضوابط التي تحددها الوزارة والمتعلقة أحيانا بعدم تصدير تلك المواد أو بزيادة إنتاجها أو الالتزام بمستويات سعرية تنافسية.

والشاهد هنا أن دخول النيكل في آلاف المنتجات كان السبب وراء خطوة “تسلا” فضلا عن الخطوة الأمريكية المحتملة، ليتأكد أن المعدن المهم للغاية، والذي لا يحظى بانتباه الكثيرين، قد يكون عنصر صراع أو تنافس مستقبلي اقتصاديا.

المصادر: أرقام- بلومبرج- سي إن إن- وول ستريت جورنال- جمعية الجيولوجيا الأمريكية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى