التضخم يرتفع والليرة تتراجع فماذا فعلت السياسة الاقتصادية في تركيا؟
بوابة الاقتصاد
أعلى معدل لارتفاع الأسعار منذ 20 عاما عند 61 في المئة وحرب أوكرانيا فاقمت المعاناة مع ضعف الدعم
بحسب ما أعلنه معهد الاحصاء التركي الاثنين، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في مارس (آذار) بنسبة 61 في المئة ليصل معدل التضخم في تركيا إلى أعلى مستوياته منذ عام 2002. وتواصل الأسعار الارتفاع في تركيا، حيث كان معدل التضخم في الشهر السابق، فبراير (شباط) عند نسبة 54 في المئة.
وارتفعت تكاليف الغذاء، التي تشكل حوالى ربع سلة التضخم “مؤشر أسعار المستهلكين” في تركيا، بنسبة 70 في المئة على أساس سنوي الشهر الماضي، بينما ارتفعت تكاليف الطاقة بنسبة 103 في المئة تقريباً. ويرى اقتصاديون، أتراك وأجانب، أن مكتب الإحصاء الوطني يقلل من حجم زيادة الأسعار بأكثر من النصف تقريباً، بحسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وأثرت تكاليف المعيشة المتصاعدة على دعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في استطلاعات الرأي. لكن أردوغان، الذي يصف نفسه بأنه “عدو للمصالح”، رفض السماح للبنك المركزي في البلاد برفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم. ونتيجة السياسات النقدية غير التقليدية، التي تخالف كل القواعد الاقتصادية، فقدت العملة الوطنية – الليرة التركية – أكثر من 40 في المئة من قيمتها على رغم تدخلات البنك المركزي بضخ الدولارات في السوق.
وأدت الحرب في أوكرانيا وما تبعها من عقوبات غربية على روسيا إلى زيادة مشكلات الاقتصاد التركي الذي يعتمد على استيراد الطاقة وأيضاً على عائدات السياحة من زيارة الروس للبلاد. لكن حتى من قبل حرب أوكرانيا، يواجه الأتراك ارتفاعاً في تكاليف المعيشة بسبب زيادة معدلات التضخم واستمرار السياسة النقدية الميسرة من قبل البنك المركزي.
إجراءات غير كافية
ولجأت تركيا إلى بعض دول الخليج لدعم اقتصادها عبر اتفاقيات بمليارات الدولارات للاستثمار فيها أو كودائع في البنك المركزي لدعم الليرة أو من خلال اتفاقيات تبادل عملات. لكن الحرب الأوكرانية فاقمت مشكلات الاقتصاد التركي، حيث أن البلدين – روسيا وتركيا – من الشركاء التجاريين لتركيا التي تعتمد عليهما في استيراد الطاقة والحبوب وأيضاً تدفق السياح منهما عليها.
وتقول وكالة الصحافة الفرنسية إنه “قبل أقل من خمسة عشر شهراً من الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في يونيو (حزيران) 2023، أثار النزاع المستمر منذ 24 فبراير، المخاوف من زيادة جديدة في أسعار السلع الاستهلاكية، ما سيفاقم الوضع الصعب أصلاً للاقتصاد التركي”.
ومن بين الإجراءات التي اتخذت أخيراً لمحاولة وقف التدهور، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي، خفض ضريبة القيمة المضافة من 18 في المئة إلى 8 في المئة على سلع النظافة وقطاع الضيافة من أجل تخفيف الأعباء المالية عن مواطنيه. وكان سبق وخفض ضريبة القيمة المضافة من 8 إلى 1 في المئة على المنتجات الغذائية الأساسية الشهر قبل الماضي، من دون أن ينجح ذلك في الحد من ارتفاع الأسعار الذي التهم جزئياً زيادة الرواتب الممنوحة في الأول من يناير (كانون الثاني).
وتقول صحيفة “فاينانشيال تايمز” إن استمرار ارتفاع معدلات التضخم لا يعود فقط للعوامل الأخيرة المرتبطة بالحرب في أوكرانيا. بل إن قرار البنك المركزي التركي بخفض سعر الفائدة بنسبة 5 في المئة منذ سبتمبر (أيلول) كان الدافع الأهم لزيادة الضغوط التضخمية مع انهيار سعر صرف الليرة التركية. ودعم استطلاع أجرته وكالة “رويترز” بين الاقتصاديين احتمال استمرار ارتفاع معدلات التضخم مع السياسة النقدية الميسرة للبنك المركزي التي طالبه بها أردوغان. ويعتقد الرئيس الذي يقول إن “مبادئ الإسلام التي تمنع الربا هي التي تحكم سياسته الاقتصادية”، أن هبوط سعر صرف الليرة سيزيد من صادرات تركيا، بالتالي ينشط التصنيع بما يوفر الوظائف. لكن ذلك لم يحدث، بحسب “فاينانشيال تايمز”.
صعوبات على الطريق
ويرى البنك المركزي التركي أن معدل التضخم سيتباطأ ما إن تتوقف الحرب في أوكرانيا، التي يسعى الرئيس أردوغان للتوسط بين موسكو وكييف لوقفها. لكن أغلب الاقتصاديين يلتزم الحذر بهذا الخصوص، ويقول أنور عرقان كبير الاقتصاديين في شركة “تيرا سيكيوريتز” في إسطنبول: “تتعامل تركيا مع ارتفاع التضخم وتراجع سعر صرف العملة منذ ما قبل الحرب بزمن، وحتى لو انتهت الحرب غداً فسيأخذ الأمر وقتاً حتى يتم رفع العقوبات عن روسيا وأن تعود سلاسل التوريد إلى وضعها السابق”. لكن البنك المركزي “يتفادى وضع نسبة تضخم مستهدفة… ولا ترد الحكومة رفع سعر الفائدة قبل عام من الانتخابات أو أن تقرر أي حل وسط بشأن النمو الاقتصادي”.
كانت الحكومة التركية رفعت أسعار الكهرباء للبيوت والمصانع مطلع هذا العام بسبب ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً. ويوم الجمعة الماضي، رفعت شركة الطاقة التركية “بوتاس” أسعار الغاز الطبيعي للبيوت بنسبة 35 في المئة وللشركات بنسبة 50 في المئة مجدداً. وتستورد تركيا تقريباً كل ما تستهلكه من النفط والغاز، لذا فهي أكثر عرضة للتأثر بتقلبات الأسعار في السوق العالمية.
وكتبت آيلا جين ياكلي في “فاينانشيال تايمز” السبت تقول إن استمرار ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والأدوية وغيرها من الاحتياجات الأساسية للأسر التركية أدى بالفعل إلى تراجع التأييد الشعبي لحزب أردوغان، “العدالة والتنمية”.