خبراء يتوقعون ارتفاع معدلات التضخم في مصر 
كتب-عبدالرحمن قطب
شهدت معدلات التضخم منذ فبراير 2021 إلى فبراير 2022 معدلاً تصاعديًا، متأثرًا بعدة عوامل على رأسها فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، واستقرت المؤشرات بل وتراجعت في شهري ابريل ومايو الماضيين، لكن منذ يونيو والمؤشرات ترتفع بوتيرة مستمر، وحسب البيانات الرسمية، ففي يونيو قفز التضخم إلى 6.1% من 4.6% خلال ذات الشهر من عام 2020، كما سجل المعدل 6.1% في شهر يوليو مرتفعا من 4.6% لنفس الشهـر من العام السابق.
وارتفع التضخم على أساسي سنوي في أغسطس للشهر الثالث على التوالي وسجل 6.4% صاعدا من 3.6% للشهر نفسه من العام الماضي، ثم قفز مرة في سبتمبر على أساس سنوي وبلغ 8% مقارنة بمعدل 3.3% خلال سبتمبر 2020، وسجل التضخم في شهر أكتوبر الماضي 7.3% على أساس سنوي في مقابل 4.6%، ثم استقر التضخم في نوفمبر عند 6.2% من 6.3% لنفس الشهـر من العام السابق، وارتفع في ديسمبر ليسجل %6.5 مقارنة بـ%6 لنفس الشهر في عام 2020.
وفي يناير 2022 استمرت الوتير في الارتفاع وسجل التضخم %7.3 مقارنة بـ%4.8 لنفس الشهر من عام 2021، بينما ارتفع ارتفع معدل التضخم إلى أعلى مستوى له في 31 شهرا خلال شهر فبراير الماضي، إذ تسبب ارتفاع الأسعار العالمية في تسارع تكلفة المواد الغذائية المحلية بمعدل لم يحدث منذ أكثر من ٣ سنوات، وأظهرت البيانات ارتفاع معدل التضخم السنوي ليصل إلى 8.8% الشهر الماضي على أساس سنوي، مسجلا أعلى مستوى له منذ يوليو 2019، بينما بلغ معدل التضخم الشهري أعلى مستوى له في 16 شهرا عند %1.5.
وسجل تضخم أسعار المواد الغذائية أعلى مستوى له منذ نوفمبر 2018، إذ ارتفع بنسبة 17.6% على أساس سنوي، مقابل 12.4% في يناير، مع الزيادات الكبيرة التي شهدتها الخضروات والزيوت واللحوم بشكل رئيسي، وفقا لما أظهرت البيانات. وتشكل المواد الغذائية والمشروبات الوزن الأكبر في سلة السلع المستخدمة لقياس تضخم الأسعار.
وساهم اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في الأيام الأخيرة لشهر فبراير، والمستمرة حتى الآن، والعقوبات الغربية على روسيا بسبب هذه الحرب، في ارتفاع أسعار عدد من السلع العالمية وعلى رأسها سلع أساسية غذائية والمعادن والطاقة وغيرها بشكل حاد على مدار أيام الحرب وهو ما انعكس على أسعار بعض السلع في مصر ولا يزال يعكس تأثيره على الأسواق.
التضخم في قطاع المحاصيل الزراعية كان مفاجئًا
قال المحلل الاقتصادي، دكتور عبدالنبي عبدالمطلب، إن التضخم الذي حدث في مصر تضخم مستورد من الخارج، فأزمة كورونا خلال العامين الماضيين أدت إلى إغلاق شامل على مستوى العالم، الدول ذات الدخل المرتفع والتي تتميز بمعدلات انتاج مرتفعة سواء في المحاصيل الزراعية أو في المنتجات الصناعية كانت قد أغلقت بشكل شبه كامل، فانخفض انتاجها وبالتالي شحت السلع من محاصيل ومنتجات من الأسواق، وحتى مدخلات السياحة التي كانت تدر عائدًا جيدًا.. نتيجة لذلك انخفض عرض السلع والخدمات على المستوي العالمي فارتفعت الأسعار، ونظرًا لأن مصر شريك أساسي لأوروبا وأمريكا من حيث الواردات، فقد انتقل التضخم من هذه الدول إلى مصر، وبدأت الأسعار في الارتفاع وارتفعت معها معدلات التضخم.
وأضاف عبدالمطلب في تصريحات خاصة لصحيفة “بوابة الاقتصاد”، أنه من أبرز القطاعات التي شهدت تضخمًا خلال الفترة الماضية كان المواد الغذائية واللحوم ومواد البناء والتبغ (السجائر) والنفط بمشتقاته، لكن ما كان مفاجئًا وغير متوقعًا هو أن يشهد قطاع المحاصيل الزراعية -الخضر والفاكهة- لارتفاعات كبيره في الأسعار، خاصة القمح (الدقيق) والطماطم والبطاطس والخضراوات، هذه سلع في العادة متوفرة في السوق بشكل يتناسب مع الطلب، بل في بعض الأحيان كانت تنخفض أسعارها بشكل كبير، وكان من المتوقع أن يكون الإنتاج وفيرًا ولا ترتفع الأسعار، لكن ما حدث أن الأسعار زادت بقيمة 50٪ خلال هذا الموسم مقارنة بأسعار العام الماضي.
رفع الأجور سيؤدي لموجة جديدة من التضخم
ولمحاولة الحكومة امتصاص صدمة انخفاض قيمة الجنية أمام الدولار، قررت صرف زيادات في الأجور والمعاشات في إطار حزمة من الإجراءات المالية والحماية الاجتماعية، بقيمة إجمالية بلغت 130 مليار جنيه، وأوضحت الحكومة أن تقرر زيادة العلاوة الدورية للموظفين بنسب تتراوح ما بين %8 و %15 من الأجر الأساسي، بحد أدنى يبلغ 100 جنيه شهريا ويصل إلى 400 جنيه في الدرجات الوظيفية الأعلى، وذلك بداية من شهر ابريل المقبل، وترى وزارة المالية أن القرار سيسهم في التعامل مع تداعيات التحديات الاقتصادية ومعدلات التضخم.
بينما يرى عبدالمطلب أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ستساهم في موجة ثانية من ارتفاع الأسعار وموجة أخرى من ارتفاع معدل التضخم، خاصة أن زيادة المرتبات تأتي بعد إقرار تخفيض في قيمة الجنية المصري بقيمة تقترب من 15٪، وقد استجابت الأسواق مباشرة لهذا التخفيض فارتفعت غالبية السلع بنسبة تتراوح ما بين 20 إلى 40٪، وإذا كانت زيادة المرتبات المتوقعة ستكون بنسبة ١٣٪ فإنها لن تغطي الفجوة التضخمية الموجودة حاليًا، ولذلك فمنا المتوقع أن يرتفع التضخم لرقمين وليس رقم واحد، أي سيرتفع معدل التضخم لمستويات أعلى من %10.
حتى الآن لا يزال معدل التضخم السنوي عند النطاق المستهدف الذي وضعه البنك المركزي لمعدل التضخم السنوي عند مستوى 7% (بزيادة أو نقصان 2%) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022، لكن في المقابل تتوقع خبيرة أسواق المال رضوى السويفي، رئيسة قطاع البحوث بشركة الأهلي فاروس لتداول الأوراق المالية، ارتفاع قراءات التضخم إلى أعلى من مستوى 9.5% خلال الفترة من مارس وحتى يونيو، وقد تصل إلى حدود 10% في يوليو، وأكثر من 11% في أغسطس، إلى أن تستقر المعدلات نسبيا لتتراوح بين 10 و11% على أساس سنوي خلال الفترة من سبتمبر وحتى نهاية ديسمبر 2022.
وقالت رضوى إن هذه التوقعات تأتي في إطار تمرير الشركات الارتفاعات في تكلفة المنتجات للمستهلك بعد زيادة أسعار السلع العالمية ومدخلات الإنتاج، وانتهاء مخزون الشركات من هذه المواد الخام بأسعار رخيصة منذ عام 2020، وذلك منذ الربع الرابع من عام 2021 وبدء الشراء بالأسعار المرتفعة.
وتعليقًا على القرارات الحكومية الأخيرة من تحريك سعر الجنية ورفع سعر الفائدة، أوضحت رضوى أن التحريك كان متوقعاً ويمثل القيمة العادلة للجنيه، مضيفة أن السبب في تحريك سعر الصرف هو أن قيمة الجنيه تعكس فترات العرض والطلب، وكان هناك ضغوط بسبب الجائحة وسياسة التشديد النقدي في العديد من الدول.
وأشارت إلى زيادة هذه الضغوط بسبب الأزمة الروسية والأوكرانية على الأسواق الناشئة ومنها مصر، وكان من الطبيعي المحافظة على الاحتياطي المصري وتحريك الجنيه بما يوازي تحركات العرض والطلب، وعللت قرار المركزي برفع سعر الفائدة 1% كمحاولة للسيطرة على الارتفاع المحتمل في التضخم، موضحة أن دول العالم ترفع أسعار الفائدة حفاظاً على أسعار الفائدة الحقيقة.
وأضافت رضوى أن شهادات الادخار المرتفعة التي طرحها البنك الأهلي المصري وبنك مصر، تستهدف سحب السيولة من السوق وتشجيع الناس على الادخار بالجنيه المصري، وتعويض المدخرين عن الارتفاع المحتمل في التضخم، والمحافظة على فائدة حقيقة تنافسية في مصر.
وحول أثر القرارات على التضخم، أوضحت رضوى أن التضخم كان سيرتفع في كل الأحوال بسبب ارتفاع أسعار السلع العالمية وليس رفع أسعار الفائدة أو تحرير سعر الصرف، مضيفة أن السبب وراء عدم ملاحظة ارتفاع التضخم في وقت سابق هو أن المصنعين في مصر كان لديهم مخزون يكفي لقرب السنة وأوشك على الانتهاء خلال الربع الأخير من عام 2021، مشيرة إلى ارتفاع أسعار السلع العالمية على مختلف الفئات بنسب تتراوح من 50% إلى 200% كالنفط والأسمدة والقمح والألبان والزيوت والسكر وغيرها.
وحول تأثير هذه القرارات على سوق المال، قالت: إن هذه القرارات كان لها أثر إيجابي، وذلك ظهر على معاملات اليوم بتأثر أسهم بصورة إيجابية برفع سعر الفائدة أو بتحرك سعر الصرف مثل المصدرين والمصنعين ومنتجي الألمنيوم والأسمدة، بالإضافة إلى تأثير غير مباشر على قطاعي البنوك والعقارات لأن حجم أعمالهم ترتفع مع تحرك سعر الصرف. وأوضحت أن رفع أسعار الفائدة يُفيد أيضاً البنوك وقطاع الخدمات المالية غير المصرفية، وكذلك الشركات التي لديها نقدية عالية.
مصر قادرة على العبور من الأزمة
على الجانب الآخر يرى الدكتور أحمد شوقي، الخبير المصرفي، إن التضخم يعد موجة عالمية جاءت بعد جائحة كورونا، بسبب تعطيل سلاسل الإمداد، التي انتعشت بعدها لفترة قصيرة إلى أن جاءت الحرب الروسية الأوكرانية، مشيرا إلى أن معدلات التضخم ارتفعت في بعض الدول الإفريقية إلى 1.5%، لافتا إلى أنه كان من المتوقع اتخاذ البنك الفدرالي قرارا برفع سعر الفائدة في البنوك، لأن معدلات التضخم وصلت إلى 7% في أمريكا وهو رقم كبير لم تصل إليه الولايات المتحدة منذ 20 عاما.
وأضاف شوقي، في تصريحات تلفزيونية، أن الدولة المصرية تعمل باستراتيجية النمو المتسارع للتخفيف من تداعيات تأخر سلاسل الإمداد وموجة التضخم، موضحا أن 35% من الارتفاع في معدلات التضخم قادم من الخارج، ولاتزال مصر في حدود آمنة حتى الآن.
وأكد الخبير المصرفي، أن الدولة المصرية احتوت قبل ذلك تداعيات أزمة كورونا وحققت معدلات نمو اقتصادي مرتفعة تم تسجيلها على أنها ثاني معدل نمو على مستوى العالم، موضحا أن الإجراءات التي تتخذها القيادة السياسية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية تعتبر ناجعة مثل منع التصدير.