ناقلات النفط الروسية “تختفي” من الخريطة
بوابة الاقتصاد
نشاط “السفن المظلمة” يقفز 600 في المئة ومحللون: موسكو تعلمت اللعبة من إيران
الاجتياح العسكري لأوكرانيا جعل روسيا منبوذة في سوق الطاقة العالمية، فمنذ بدء الحرب ظهر حظر فعلي على نفط موسكو وتراجعت شركاتها التجارية والشاحنون والبنوك، كلها في الوقت نفسه.
ومع توسع العقوبات التي يفرضها الغرب على موسكو حالياً باتت هناك دلائل على أن الطاقة الروسية تجتذب اهتمام المشترين المحتملين، على الأقل في الظل، فمع استمرار الحرب تختفي الناقلات الروسية التي تحمل النفط الخام والمنتجات البترولية بشكل متزايد من أنظمة التتبع.
في الماضي، كان المسؤولون الأميركيون ينظرون إلى ما يسمى بـ “النشاط المظلم”، إذ يتم إيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بالسفن لساعات في كل مرة، على أنه ممارسة شحن خادعة غالباً ما تستخدم للتهرب من العقوبات.
وفي مذكرة حديثة قالت شركة الاستخبارات التنبؤية “ويند وورلد” إن النشاط المظلم بين ناقلات النفط الخام التابعة لروسيا ارتفع بنسبة 600 في المئة، مقارنة بما كان عليه قبل بدء الحرب. وأضافت، “نشهد ارتفاعاً في عدد الناقلات الروسية التي أوقفت عمليات الإرسال عمداً للالتفاف على العقوبات، والأسطول الروسي بدأ يخفي مكانه وصادراته”.
وهذا لا يحدث فقط مع النفط الخام، فهناك اتجاهات مماثلة تلعب دوراً في المنتجات البترولية الأخرى أيضاً.
وخلال الأسبوع المنتهي في الـ 12 من مارس (آذار) الحالي، كان هناك 33 نشاطاً مظلماً لناقلات النفط والكيماويات والمنتجات البترولية الروسية، وفقاً لشركة “ويند ورلد” التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتتبع الصناعة البحرية، وهذا أعلى بنسبة 236 في المئة من المتوسط الأسبوعي للأشهر الـ 12 السابقة.
أسباب التخفي
وتتطلب اللوائح الدولية من السفن، مثل ناقلات النفط، الاحتفاظ بأجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها تعمل طوال الوقت تقريباً، وفي مايو (أيار) 2020 أرسلت وزارة الخزانة الأميركية تقريراً استشارياً في شأن العقوبات إلى الصناعات البحرية والطاقة والمعادن لمعالجة “عمليات التهرب من الشحن غير المشروع والعقوبات”. ويعتبر تعطيل أو التلاعب بأنظمة تحديد الهوية الأوتوماتيكية على السفن لإخفاء حركتها السبب الأول في ظاهرة “السفن المظلمة”، وحذرت وزارة الخزانة من أن “التلاعب بجيش الإنقاذ وتعطيله قد يشير إلى أنشطة غير مشروعة محتملة أو خاضعة للعقوبات”. كما قد تصبح السفن مظلمة أيضاً لأسباب تتعلق بالسلامة، بما في ذلك عند السفر عبر المياه التي ينتشر فيها القراصنة، لكن الرئيس التنفيذي لشركة “ويند ورلد” دانيال قال إن هذا ليس سبب إطفاء السفن الآن. وأضاف، “هذه السفن تريد الاختفاء عن الرادار، من منظور الامتثال، هذا علم أحمر”. ووفق بيان قال متحدث باسم وزارة الخزانة الأميركية إن الوكالة “على علم بهذه التقارير، وتعمل مع الشركاء ومن خلال مجموعة متنوعة من الأساليب على عدم الاعتماد فقط على البث المرسل المستجيب لمراقبة السفن ذات الأهمية”.
إيران وبداية اللعبة
ولوحظ سلوك مماثل خلال العقد الماضي عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على فنزويلا وإيران، مما جعل شراء النفط من تلك الدول غير قانوني، ويقول رئيس شركة “ليبو أويل أسوشيتس” الاستشارية آندي ليبو إن “روسيا تتبع قواعد اللعبة الفنزويلية والإيرانية مع تغيير طفيف”. ويكمن المنعطف في أن الغرب على عكس فنزويلا وإيران لم يفرض عقوبات مباشرة على النفط الروسي، فقد حظر البيت الأبيض واردات النفط الروسي إلى الولايات المتحدة، لكن هذا لا يمنع الدول الأخرى من شراء الطاقة الروسية، ومع ذلك فإن مجرد وصمة العار المتمثلة في التعامل مع روسيا جنباً إلى جنب مع عدم اليقين في شأن العقوبات الغربية تسببت في فرض حظر فعلي، ويقول المحللون إن هذا يساعد في تفسير الارتفاع في النشاط المظلم بين السفن التي ترفع العلم الروسي، إذ لا يريد المشترون أن يتم الكشف عنهم مثل أولئك الذين يجمعون النفط الروسي خلال الحرب المميتة في أوكرانيا، ويقول نائب رئيس العقود الآجلة للطاقة في شركة “ميزوهو” للأوراق المالية روبرت ياوجر إنها “كارثة علاقات عامة”.
وبالمثل، قد ترغب شركات الشحن في تجنب التدقيق الذي يأتي من التعامل مع الخام الروسي. يقول ليبو، “السفن تغرق في الظلام لأنها تخشى أن يتم إدراجها في القائمة السوداء لفترة من الوقت، ولن تكون قادرة على الحصول على عمل في المستقبل إذا تعاملت مع أعمال روسية”.
ومع ذلك هناك سبب مالي لشراء النفط الروسي في الوقت الحالي، فالطلب على الطاقة مرتفع للغاية إلى حد كبير بسبب العقوبات، ويتم تداول الخام الروسي بأقل من سعر خام القياس العالمي “برنت” بنحو 30 دولاراً. ويقول العضو المنتدب لاستراتيجية الطاقة العالمية في “أر بي سي كابيتال ماركتس” مايكل تران “إنك تحصل على خصم كبير، فالحافز الاقتصادي موجود إذا لم تكن معنياً بالعقوبات”.
إلى أين يذهب النفط؟
تقدر شركة الأبحاث “ريستاد إنرجي” أن ما بين 1.2 مليون و1.5 مليون برميل يومياً من صادرات النفط الخام الروسية قد تلاشت خلال الأسابيع الخمسة منذ بداية الحرب، وكانت الشركة أكدت في تقرير حديث أن “وجهة صادرات الخام الباقية من روسيا غير معروفة بشكل متزايد”، مشيرة إلى أن هذا النفط الغامض يبلغ نحو 4.5 مليون برميل يومياً.
إذن من يشتري النفط الروسي؟
قال محللون إن هناك أدلة على أن مصافي التكرير في الصين والهند، وهما أكبر مستهلكين للنفط في العالم وأسرع الاقتصادات نمواً، تشتري الطاقة الروسية خلسة، وأوضحت “ريستاد إنرجي” أن الشركات التجارية ربما تشتري نفط موسكو وتخزن البراميل، بما في ذلك “التخزين العائم” على الناقلات التي لا تزال في البحر. وبعيداً من النشاط المظلم وجدت “ويند ورلد” أن بعض السفن والشركات لا تزال تتعامل مع ناقلات تابعة لروسيا وتشارك في عمليات النقل من سفينة إلى أخرى.
وفي العام 2020 حذرت وزارة الخزانة الأميركية من أن عمليات النقل من سفينة إلى سفينة، بخاصة في الليل أو في المناطق التي تعتبر عالية الخطورة للتهرب من العقوبات، “تستخدم بشكل متكرر للتهرب من العقوبات من خلال إخفاء مصدر أو وجهة النفط والفحم والمواد الأخرى. وذكرت “ويند ورلد” أنه على الرغم من الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، فإن عدد الاجتماعات بين السفن التي استمرت ثلاث ساعات على الأقل بين ناقلات النفط التابعة لروسيا والسفن الأخرى “طبيعي نسبياً”.
تأثير “الاحتياط”
في الوقت نفسه، يدرس الرئيس الأميركي جو بايدن الإفراج عن كمية قياسية من النفط من احتياطات الولايات المتحدة مع استمرار ارتفاع أسعار الغاز، ووفق وكالة “رويترز”، قالت مصادر مطلعة إن الخطة التي يجري النظر فيها تتضمن إطلاق حوالي مليون برميل يومياً من الاحتياط البترولي الاستراتيجي للأشهر المقبلة. وفي وقت سابق من الشهر الحالي أعلن بايدن إطلاقاً منسقاً للنفط من الاحتياطات بالاشتراك مع دول أخرى، كما أفرج عن حوالي 60 مليون برميل خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والذي قال في ذلك الوقت إنه كان أكبر إطلاق من الاحتياط في تاريخ الولايات المتحدة.
والاستفادة من الاحتياط عبارة عن مخزون 600 مليون برميل من النفط الخام المخزن في كهوف الملح الجوفية في لويزيانا وتكساس، وله تأثير محدود فقط في أسعار الغاز، بسبب كمية النفط التي يمكن إطلاقها في كل مرة، ولكن سيكون بمثابة إشارة سياسية إلى أن الرئيس الأميركي يواصل مواجهة المشكلة.
وفي أعقاب الاجتياح الروسي لأوكرانيا ارتفع سعر البنزين العادي في الولايات المتحدة ووصل إلى مستوى قياسي بلغ 4.33 دولار للغالون في وقت سابق من مارس. وفي تصريحات سابقة من هذا الشهر سعى بايدن إلى تحميل مسؤولية ارتفاع الأسعار على الرئيس الروسي، وقال “لا تخطئ. الارتفاع الحالي في أسعار الغاز هو إلى حد كبير خطأ فلاديمير بوتين”.