دانيال س. هاميلتون يكتب: القاعدة الجغرافية الاقتصادية بيـن أمريكا وأوروبـا
بوابة الاقتصاد
جاءت زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الأخيرة إلى أوروبا، وسط مؤشرات على أن الاقتصاد عبر الأطلسي أثبت قدرته على الصمود بشكل ملحوظ في مواجهة الاضطرابات الناتجة عن الأزمة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، والوباء، إضافة إلى مشاكل سلاسل التوريد، وارتفاع أسعار الطاقة.
وتدخلت الولايات المتحدة بشكل ملحوظ لتصبح أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال في أوروبا، وفي فبراير/ شباط الماضي، تجاوزت إمداداتها من المادة إلى أوروبا تسليمات أنابيب الغاز الطبيعي الروسية.
نعم، قد لا تحل الولايات المتحدة محل الموردين الآخرين لأوروبا بشكل كامل، لكن أهمية روابط الطاقة عبر المحيط الأطلسي آخذة في الازدياد، حيث باتت الولايات المتحدة أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال في العالم. وفي ظل قيادة الشركات الأمريكية والأوروبية التحول إلى التقنيات النظيفة التنافسية، أصبحت الشركات الأمريكية داخل أوروبا القوة الدافعة للثورة الخضراء للقارة العجوز، وتمثل اليوم ومنذ عام 2007، أكثر من نصف اتفاقيات شراء الطاقة المتجددة طويلة الأجل هناك. والشركات الأوروبية، بدورها، هي أكبر المستثمرين الأجانب في اقتصاد الطاقة الأمريكي.
إن روابط الطاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا ليست سوى جزء واحد من اقتصاد ثنائي قوي وحيوي بشكل ملحوظ. وتشير أحدث التقديرات إلى أنه في عام 2021، وصلت تجارة السلع والخدمات عبر الأطلسي إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 1.3 تريليون دولار، 42% أكثر من تجارة الاتحاد الأوروبي مع الصين. وارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الأمريكي في أوروبا إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق أيضاً، وعند 253 مليار دولار، وتشير التقديرات إلى أن الشركات الأمريكية التي تتخذ من أوروبا مقراً لها قد حققت تدفقات نقدية هائلة قدرها 300 مليار دولار. كما حققت الشركات الأوروبية في الولايات المتحدة رقماً قياسياً بلغ 162 مليار دولار، وارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الأوروبي في الولايات المتحدة إلى أرقام قياسية منذ عام 2017، لتصل إلى نحو 235 مليار دولار.
لقد كشفت الأزمة الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا عن القوة والمرونة المذهلتين لاقتصاد عبر الأطلسي. فأمريكا الشمالية وأوروبا مرتبطتان ببعضهما بعضاً، سواء من خلال حلف الناتو الدفاعي، أو من خلال الشركاء التجاريين والقاعدة الجغرافية الاقتصادية بينهما. ويمكنهما البناء على هذا الأساس لعزل بوتين، وفرض مزيد من العقوبات على موسكو، ولمعالجة التحديات التنافسية من الصين، والاستفادة كذلك من روابط الابتكار لضمان سيطرتهما على المعايير العالمية.
وتستعد كل من الولايات المتحدة وأوروبا لنمو اقتصادي قوي في عام 2022، وسيكون الاقتصاد عبر الأطلسي، المتشابك بشدة والبالغ 6.3 تريليون دولار، أكثر قدرة على تحمّل آلام العقوبات من الاقتصاد الروسي. وسيزيد احتمال تلاشي الآثار المدمرة للوباء، وإمكانية التحكم في تأثير عزلة روسيا إلى حد كبير، من تحفيز النشاط الاقتصادي لكلا التكتلين، إضافة إلى الآثار الإيجابية غير المباشرة للسياسات النقدية والمالية السهلة.
ويعمل الاقتصاد عبر الأطلسي أيضاً على توليد الموارد المالية التي تمكّن أمريكا الشمالية وأوروبا من مواجهة التحديات القادمة من الصين. فقد كسبت الشركات الأمريكية في عام 2021 ما يقدر ب300 مليار دولار من عملياتها في أوروبا، يشكل 23 ضعفاً ما كسبته من العمليات في الصين. كما أن قاعدة الأصول الأمريكية في ألمانيا أكبر بأكثر من الثلث من قاعدة أصولها في كل أمريكا الجنوبية، وأكثر من ضعف أصولها في الصين.
إلى ذلك، يبلغ إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر الأمريكي في أوروبا 4 أضعاف الاستثمار الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بأكملها، كما أن مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر الأوروبي في الولايات المتحدة يزيد بثلاث مرات على مثيله في آسيا. وتُصدّر الشركات الأمريكية التي تتخذ من إيرلندا مقراً لها إلى بقية العالم خمسة أضعاف ما تصدره الشركات الأمريكية الموجودة في الصين، ونحو 3.5 مرة أكثر من الشركات الأمريكية الموجودة في المكسيك. إضافة إلى أن تدفقات البحث والتطوير عبر المحيط الأطلسي هي الأكثر كثافة بين أي شريكين دوليين. ففي عام 2019، أنفقت الشركات الأمريكية في أوروبا 32.5 مليار دولار على البحث والتطوير، أي 56% من إجمالي البحث والتطوير الذي أجرته الشركات الأمريكية في الخارج على مستوى العالم. وتمثل الشركات الأوروبية ثلثي جميع نفقات البحث والتطوير من قبل الشركات الأجنبية في الولايات المتحدة.
واليوم، يعتبر جانبا المحيط الأطلسي في وضع أفضل من الأيام السابقة، بسبب الخطوات المهمة التي تم اتخاذها لتنشيط الشراكة في عام 2021 بعد أربع سنوات عجاف مضطربة. ووافقت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على توفير لقاحات لثلثي سكان العالم. كما وافقت على إعادة كتابة قواعد الضرائب العالمية. واتفقت مرة أخرى على توحيد الجهود للتصدي لتغير المناخ، بما في ذلك التعهد العالمي بشأن غاز الميثان. واتفق الطرفان على تعليق الرسوم الجمركية المتبادلة بينهما لمدة خمس سنوات في ما يتعلق بالنزاع الجاري بين شركتي «بوينج» و«إيرباص»، حيث يسعيان إلى حل نهائي لهذه المسألة. كما اتفقا أيضاً على رفع التعريفات الأمريكية على الصلب والألومنيوم الأوروبي، والتعريفات الأوروبية التعويضية على السلع الأمريكية. وتم إنشاء مجلس التجارة والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (TTC) لتنمية التجارة الثنائية .
- المدير التنفيذي السابق لمركز العلاقات عبر الأطلسي (يوروآكتيف) نقلا عن الخليج