هل يصلح القمح الفرنسي بديلا للروسي في مصر؟
بوابة الاقتصاد
يستبعد متخصصون اعتماد القاهرة على باريس بسبب التكلفة الباهظة
تسعى القاهرة لتنويع مصادر استيراد القمح من خارج البلاد، إذ تدرس الاعتماد على القمح الفرنسي، على الرغم من ارتفاع أسعاره، مقارنة بنظيره الروسي، لسد احتياجاتها المحلية، تحسباً لطول أمد الحرب في أوكرانيا.
رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قال على هامش استقباله وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير، إن بلاده تعول على باريس لتأمين احتياجاتها من القمح، إذا طال أمد أزمة روسيا وأوكرانيا.
وأشار مدبولي إلى أن القاهرة وباريس تتشاركان الرؤى والمخاوف من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية. لافتاً إلى أنه كلما طالت الأزمة زادت عواقبها الوخيمة على الاقتصاد العالمي، وفقاً لبيان رسمي صادر عن مجلس الوزراء.
“نقف إلى جانب القاهرة”
في المقابل، قال وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، إن بلاده ستضمن حصول مصر على احتياجاتها من القمح في الأشهر المقبلة. مؤكداً دعم باريس الكامل للقاهرة خلال الأزمة الاقتصادية، التي يتعرض لها العالم، خصوصاً فيما يتعلق بسوق السلع العالمية.
الوزير الفرنسي أضاف، أن بلاده “تنتج نحو 35 مليون طن من القمح سنوياً، وتصدر منها نحو 18 مليون طن”. مبدياً استعداد فرنسا للتعاون مع مصر في هذا المجال، قائلاً “سنقف إلى جانبها لضمان حصولها على القمح الذي تحتاجه في الأشهر المقبلة”. وفقاً لوكالة “رويترز”.
وسبب الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا، الذي بدأ في 24 فبراير (شباط) الماضي، اضطراب أسواق الحبوب، من خلال تعطيل الإمدادات الضخمة من القمح والذرة وزيت دوار الشمس عبر البحر الأسود.
وتعد القاهرة أكبر مستورد للقمح في العالم، وترتكز في توفير حاجتها منه على الدولتين المتناحرتين، روسيا وأوكرانيا، بنسبة لا تقل عن 80 في المئة، إذ تبلغ وارداتها من كييف نحو 30 في المئة، بينما تسيطر موسكو على 50 في المئة من الواردات المصرية.
مصر تستورد أكثر من 13 مليون طن قمح سنوياً، لسد الفجوة بين حجم الاستهلاك، الذي يتخطى حدود الـ20 مليون طن سنوياً، والإنتاج المحلي، الذي لا يزيد على ثمانية ملايين طن.
21 دولة تمد مصر بالقمح
من جانبه، قال رئيس قطاع الحجر الصحي بوزارة الزراعة المصرية، أحمد العطار، إن وزارته وسعت من دائرة الدول التي تستورد منها القمح منذ شهر تقريباً مع اندلاع أزمة الحرب الروسية في أوكرانيا. موضحاً لـ”اندبندنت عربية” أن “عدد الدول التي نستورد منها القمح ارتفع من 13 دولة قبل الحرب إلى 21 دولة في الوقت الحالي”، ومشيراً إلى أن زيادة القائمة تدعم خطة الحكومة في تأمين احتياجاتها حتى لو استمرت الحرب سنوات.
وأضاف العطار أن القمح الفرنسي “مدرج ضمن القائمة الأساسية منذ سنوات”. مستدركاً “لكننا لا نعتمد عليه في الاستيراد بكثافة، مثل القمح الروسي أو الأوكراني”. ومشيراً إلى أن الحكومة تعتمد على الروسي بنسبة تصل إلى 50 في المئة لتغطية الاحتياجات المحلية، ثم يليه الأوكراني، ثم الروماني ويليه الفرنسي.
وأكد أن هيئة السلع التموينية، التابعة لوزارة التموين، تحدد أنواع ومواصفات الأقماح التي ترغب في شرائها خلال الفترة الحالية، موضحاً أنها طالبت بنوعية القمح الشتوي الأبيض الناعم، وكذلك الشتوي الأحمر الناعم، أو القمح الصلب، إضافة إلى القمح القابل للطحن من دول أستراليا وألمانيا وأستراليا وبولندا وبلغاريا، بينما طالبت بالقمح الصالح للخبز من الأرجنتين وفرنسا وصربيا وكازاخستان، علاوة على روسيا وأوكرانيا.
الحكومة المصرية تستخدم أغلب وارداتها من القمح في إنتاج أكثر من 270 مليون رغيف خبز يومياً لأكثر من 71 مليون مستفيد من البطاقات التموينية المدعومة من الخزانة العامة للدولة، إذ تبيع المخابز الحكومية الرغيف للمستهلك بخمسة قروش (0.0027 دولار) عبر البطاقة التموينية، في حين تصل تكلفته الفعلية إلى 0.70 جنيه (0.038 دولار) في الوقت الذي تتحمل الموازنة العامة للدولة تكلفة إنتاج الخبز بنحو 51 مليار جنيه (2.78 مليار دولار) سنوياً، بينما تدعم السلع التموينية بنحو 38 مليار جنيه (ملياري دولار)، وحددت وزارة المالية متوسط سعر القمح بموازنة العام المالي الحالي عند 255 دولاراً، وفقاً للبيانات الرسمية.
وكانت هيئة السلع التموينية ألغت مناقصتين لاستيراد القمح في مطلع الشهر الحالي، بسبب ارتفاع الأسعار، بعد أن تلقت ثلاثة عروض من فرنسا وأميركا لاستيراد القمح بإجمالي 60 ألف طن، بأسعار تتراوح بين 389 دولاراً إلى 399 دولاراً بالنسبة إلى القمح الفرنسي و447 دولاراً للقمح الأميركي.
عبء على الموازنة
من جانبه، استبعد أستاذ القمح بمركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة، خالد جاد، اعتماد القاهرة على القمح الفرنسي بديلاً لنظيره الروسي أو الأوكراني خلال الفترة المقبلة.
وأوضح جاد، لـ”اندبندنت عربية”، أن القمح الروسي هو “الأقل جودة” بين الدول التي تستورد منها مصر، مستدركاً “لكنه الأقل والأرخص ثمناً”، مشيراً إلى أن القمح الفرنسي من أفضل الأنواع عالمياً، جودة وقيمة غذائية، ونسبة الفاقد أو الهالك منه أقل، لافتاً إلى أن الخزانة العامة للدولة “لا يمكن أن تتحمل أسعار القمح الفرنسي الأعلى سعراً”.
أستاذ القمح أضاف أن “القاهرة قد تعتمد على فرنسا في تغطية جزء من الاستيراد. لكن من الصعب جداً أن نستورد من باريس ستة ملايين طن قمح بالأسعار المرتفعة، كبديل لقمح موسكو. لا يجب أن ننسى أن فرنسا قد تدخل الحرب في أي لحظة”.
وأشار جاد إلى أن هناك اجتماعات شبه يومية مع مسؤولين من سفارات الهند والأرجنتين وبولندا ورومانيا وباكستان وكازاخستان، لبحث إمكانية استيراد القمح من تلك الدول خلال الفترة المقبلة. مضيفاً أن “الأرجنتين عرضت علينا أن تمد القاهرة بكمية القمح، بديلاً للذي تستورده من روسيا. والأمر يدرس حالياً بين وزارات المالية والزراعة والتموين والتجارة الداخلية”.
تراجع الأسعار عالمياً
على المستوى العالمي، تراجعت العقود الآجلة للقمح إلى أدنى معدل لها منذ أكثر من أسبوع، وسط مؤشرات على أن المعروض العالمي قد لا يكون مقيداً، كما كان يخشى البعض بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية منذ أكثر من شهر.
وقالت وكالة “بلومبيرغ” للأنباء، الاثنين 28 مارس (آذار)، إن الأسعار تراجعت للمرة الرابعة خلال خمسة أيام، كما تراجعت بواقع أكثر من 20 في المئة من الرقم القياسي اليومي الذي جرى تسجيله في الثامن من مارس الحالي.
وفي ظل مساعيها لتأمين حصتها من واردات القمح، تسعى الحكومة إلى زيادة المحصول من الإنتاج المحلي، بعدما بكرت من موعد الحصاد ليكون مع الأول من أبريل (نيسان) المقبل، بدلاً من منتصف الشهر ذاته.
كما اتخذت الحكومة حزمة من القرارات والإجراءات لزيادة غلة المحصول، بداية من منح حافز توريد إضافي قدره 65 جنيهاً (3.5 دولار) لسعر إردب القمح المحلى للموسم الزراعي الحالي، لتشجيع المزارعين على توريد أكبر كمية ممكنة، مع إلزامهم بتسليم 12 إردباً من محصول القمح لجهات التسويق عن كل فدان كحد أدنى، وحظر بيع ما تبقى من القمح الناتج عن موسم حصاد عام 2022 لغير جهات التسويق، إلا بعد الحصول على تصريح من وزارة التموين، وفقاً للقرار الوزاري رقم 51 لسنة 2022، الخاص بتنظيم التداول والتعامل على القمح المحلي موسم حصاد 2022، وهو القرار الذي منع تداول القمح المحلي خارج نطاق أماكن التخزين، التي تحددها وزارة التموين.
وفي الوقت الذي ترفع الدولة من قدرة وحجم استيعاب الصوامع اللازمة لتخزين القمح، خصصت الحكومة نحو 36 مليار جنيه (1.9 مليار دولار) إضافية لتوفير مخزون آمن لشراء ستة ملايين طن قمح محلي مستهدف تسلمها.
نسب الاكتفاء الذاتي
في سياق قريب الصلة، أعلن المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، في تقرير رسمي الاثنين 29 مارس، عن نجاح الدولة في تلبية احتياجات الاستهلاك المحلي من السلع الأساسية، مستعرضاً نسب الاكتفاء الذاتي للسلع الاستراتيجية في 2021 ومدة تغطيتها حتى الآن.
وأشار التقرير إلى أن نسبة الاكتفاء من القمح كمخزون آمن حتى نهاية العام تصل إلى 65 في المئة، بينما الزيوت 30 في المئة، لتغطية ستة أشهر، والأرز 100 في المئة، ويغطى احتياجات لمدة 6.5 شهر.
كما بلغت نسبة الاكتفاء من المعكرونة نحو 100 في المئة، بما يغطى استهلاك خمسة أشهر، وتصل مدة تغطية السكر إلى 4.5 شهر بنسبة 87 في المئة، بينما تصل نسبة الاكتفاء من اللحوم الحية إلى 57 في المئة، وهو ما يكفي احتياجات لمدة تسعة أشهر. أما الدواجن فتصل نسبة الاكتفاء إلى 97 في المئة لمدة 6.5 شهر، وأخيراً الفول المدشوش بنحو 30 في المئة وهو ما يكفي لتغطية احتياجات لمدة ثلاثة أشهر.