عبدالحميد العمري يكتب: أهمية تحفيز نشاط الخدمات لأجل النمو والتوظيف
بوابة الاقتصاد
أظهرت مؤشرات أداء النمو الاقتصادي طوال العقد الماضي الدور الكبير الذي اضطلع به نشاط الخدمات في تحقق النصيب الأكبر منه، ودون إغفال أهمية بقية الأنشطة الاقتصادية الأخرى، كالصناعة على رأس القائمة، إلا أن المساهمة المهمة لنشاط الخدمات لم تتوقف عند مجرد دعم النمو الاقتصادي، بل تجاوزته حتى إلى دعمه أثناء فترات التراجع أو تباطؤ نمو الاقتصاد، وكانت أنشطته الفرعية من أكبر الأوعية الوظيفية التي وفرت عشرات الآلاف من فرص العمل أمام الموارد البشرية المواطنة. ووفقا لما أظهرته مؤشرات أداء الاقتصاد الوطني خلال العام الماضي، فقد اعتمد الاقتصاد بدرجة رئيسة في نموه المتحقق على النمو الجيد لنشاط الخدمات بمعدل وصل إلى 4.6 في المائة، مقابل نمو كل من النشاطين الصناعي بمعدل 1.7 في المائة، والزراعي بمعدل 2.6 في المائة.
يأتي هذا التركيز على أهمية تسخير مزيد من سياسات وبرامج تحفيز هذا النشاط الذي يضم 47 نشاطا فرعيا، من إجمالي 88 نشاطا فرعيا تشكل في مجموعها الاقتصاد الوطني بأكمله، وتتصاعد مساهمته في الاقتصاد إلى أعلى من 41.0 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي التي وصل إليها بنهاية 2021، إلى ضعف هذه النسبة على أقل تقدير في منظور العقد الزمني المقبل إلى العقد ونصف العقد على أبعد تقدير، وهو الأمر الممكن تحقيقه متى ما تركزت السياسات الاقتصادية في هذا الاتجاه الإيجابي، خاصة أن السمة الغالبة على الأنشطة الفرعية له لا تتطلب ضخ رؤوس أموال ضخمة مقارنة بالنشاط الصناعي، وفي الوقت ذاته تتمتع بقدرتها الأكبر على إيجاد وتوفير مئات الآلاف من الفرص الوظيفية الملائمة للموارد البشرية المواطنة، إضافة إلى أنه من أكثر الأنشطة الاقتصادية التي يمكن للمستثمرين ورواد الأعمال والعمالة فيه أن تنجح إلى حد بعيد جهود الابتكار وريادة الأعمال وتطويرها، والمضي بها قدما إلى مسافات أبعد على مستوى توسيع النشاط، وزيادة حجمه ونجاحاته، وكل هذا سيصب بالتأكيد في زيادة مساهمة النشاط الخدماتي في الاقتصاد الوطني، وزيادة أوعية التوظيف وإيجاد مزيد من فرص العمل المجدية والملائمة جدا لرغبات الباحثين والباحثات عن عمل.
في غياب جزء من التحفيز المنشود المشار إليه أعلاه، تمكن نشاط الخدمات خلال العقدين الماضيين، من المحافظة على متوسط نمو حقيقي أعلى من متوسط النمو الحقيقي للاقتصاد الوطني ولدى النشاطين الآخرين – الزراعي، الصناعي – حيث وصل متوسط نموه الحقيقي خلال 2001 – 2010 إلى 6.7 في المائة، مقابل 3.5 في المائة للاقتصاد الكلي، و2.3 في المائة للنشاط الزراعي، و2.0 في المائة للنشاط الصناعي. ووصل متوسط النمو الحقيقي لنشاط الخدمات خلال 2011 – 2020 إلى 3.1 في المائة، مقابل 2.6 في المائة للاقتصاد الكلي، و1.4 في المائة للنشاط الزراعي، و1.7 في المائة للنشاط الصناعي. أما على مستوى التوظيف والتوطين، فقد احتل النشاط طليعة نشاطات الاقتصاد الوطني، بوصول معدل التوطين فيه إلى أعلى من 25.2 في المائة حتى نهاية الربع الثالث من العام الماضي “23.6 في المائة لإجمالي السوق، 16.0 في المائة للنشاط الزراعي، 21.5 في المائة للنشاط الصناعي”، وكان النشاط الأسرع نموا على مستوى توطين الوظائف وتوفيرها للعمالة المواطنة بمعدل تجاوز 14.3 في المائة حتى نهاية الفترة، وهو النشاط الذي يعد ذا النصيب الأعلى من توفير الوظائف في القطاع الخاص أمام الموارد البشرية بأعلى من 62.4 في المائة.
لقد حظي النشاط الصناعي بكثير من التحفيز وبرامج الدعم المتنوعة، وهو يستحق بكل تأكيد لأهميته النسبية في الاقتصاد الوطني، وكونه إحدى أهم ركائز تحقيق رؤية المملكة 2030، ويؤمل أيضا أن يتم بذل مزيد من الجهود وتسخير السياسات لأجل نشاط الخدمات، وأن يضاف إلى الرصيد الراهن لتلك البرامج التحفيزية التي تستهدف نشاط الخدمات بكل أنشطته الفرعية المزيد، ويحظى بمزيد من الإعفاءات التي يستحقها لقاء أهميته العالية على المستويات كافة، سواء على مستوى مساهمته في نمو الاقتصاد الوطني، أو مساهمته في إيجاد وتوفير عشرات الآلاف من الوظائف المجدية، وأن يتم بذل مزيد على طريق تسهيل حصول رواد ورائدات الأعمال الناشطين في مختلف النشاطات الفرعية للخدمات على التمويل اللازم، وفتح فرص الاستثمار فيها بصورة أوسع عبر عقد كثير من الشراكات معهم من قبل كبرى الشركات والصناديق الاستثمارية الحكومية والخاصة، وهي الجهود المجتمعة التي متى ما أخذت وتيرة أوسع وأسرع وأكبر، فبكل تأكيد أن الرابح الأكبر سيكون الاقتصاد الوطني على المستويات كافة.
ختاما، من الجدير ذكره في نهاية المقال التأكيد أن استمرار الجهود المباركة المستهدفة القضاء على التستر التجاري، ستكون لها الآثار الإيجابية في زيادة حصص المواطنين في نشاط الخدمات، ذلك أن التركز الأكبر للتستر التجاري هو في هذا النشاط تحديدا. بناء عليه، فإنه حين التقاء تلك الجهود الهادفة للقضاء على التستر مع مزيد من برامج الدعم والتحفيز والتمويل والشراكة في نشاط الخدمات، ستكون لها نتائج إيجابية مهمة وعملاقة على الأصعدة كافة، وستؤدي أدوارا أهم في جانب عدم انقطاع سلاسل التوريد في النشاط، وردم أي فجوات قد يخلفها اختفاء أي منشآت تلبي احتياجات السوق المحلية والطلب الاستهلاكي المحلي، ويجنب في الوقت ذاته الاقتصاد والمجتمع أي انعكاسات تضخمية مفاجئة، وكل ذلك يصب في أهمية الطرح الراهن الذي تحمل فكرته الأساسية، تسخيرا للسياسات والبرامج الاقتصادية لأجل النهوض بدرجة أكبر بكل النشاطات الفرعية التي يضمها نشاط الخدمات، وهو النشاط الذي أكد أهميته القصوى للنمو والتوظيف طوال العقود الزمنية الماضية.