لماذا لجأت مصر مجددا إلى صندوق النقد الدولي؟
بوابة الاقتصاد
محللون يربطون بين رفع الفائدة وخفض الجنيه وطلب دعم لتجاوز تداعيات الأزمة الأوكرانية
رسمياً، أعلنت الحكومة المصرية أنها طلبت دعم صندوق النقد الدولي لتخفيف تأثيرات الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد المصري. وأمس، أعلن الصندوق ومجلس الوزراء المصري، أنهما يجريان محادثات بشأن برنامج جديد، على الرغم من أن طبيعة المساعدة التي يعتزم الصندوق تقديمها لم تتضح بعد. ووفق بيان للحكومة المصرية، قال المتحدث باسم مجلس الوزراء، نادر سعد إن مصر تتفاوض بشأن “برنامج للدعم والمشورة الفنية” وقد “يشمل تمويلاً إضافياً”. ومن جانبه، لم يقدم صندوق النقد سوى تفاصيل قليلة. حيث أعلن أنه “يعمل عن كثب مع السلطات المصرية للتحضير لمناقشات البرنامج”، مضيفاً أن من شأن “مجموعة من تدابير الاقتصاد الكلي والسياسات الهيكلية” أن “تخفف من تأثير الصدمة الاقتصادية الناجمة عن الصراع”. ولم يذكر الصندوق في بيانه مزيداً من التفاصيل.
وخلال الأيام الماضية، توقع عدد كبير من المحللين وشركات الاستشارات، أن تكون الإجراءات التي أعلنها البنك المركزي المصري سواء فيما يتعلق برفع أسعار الفائدة أو خفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، إضافة إلى قيام الحكومة المصرية بالإعلان عن خطة تحفيز بقيمة 130 مليار جنيه (7.056 مليار دولار)، هي بداية لإجراء محادثات مع الصندوق حول برنامج جديد.
هل كانت إجراءات البنك المركزي بداية؟
وسبق وأن نفذت مصر برنامجين مع صندوق النقد الدولي بعد قيام البنك المركزي المصري بتعويم الجنيه مقابل الدولار وتحرير سوق الصرف في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، كما تدخلت الحكومة لتعيد هيكلة ملف الدعم، وهو ما أطلق عليه برنامج الإصلاح الاقتصادي الأول.
وكان العديد من المحللين يتوقعون عودة مصر إلى صندوق النقد الدولي، بمن في ذلك محللون من “جي بي مورغان”، و”غولدمان ساكس”، و”موديز”، و”كابيتال إيكونوميكس”، والذين طرحوا احتمالية وجود برنامج مع صندوق النقد، بعد أن سمح البنك المركزي للجنيه بالانخفاض أمام الدولار بنسبة 16 في المئة ورفع أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس، وأيضاً بعد أن كشفت الحكومة عن حزمة تحفيز مالي. لكن ليس من الواضح حتى الآن، ما إذا كانت هذه شروط مسبقة للحصول على دعم من الصندوق، أو تحركات سياسة نقدية ناضجة من المتوقع أن تجعل المحادثات أكثر سلاسة.
وتمثل الإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية، أخيراً، خطوات جديرة بالترحيب بما تحققه من توسع في الحماية الاجتماعية الموجهة لمستحقيها وتطبيق للمرونة في حركة سعر الصرف. وسيكون استمرار مرونة سعر الصرف عاملاً ضرورياً لاستيعاب الصدمات الخارجية وحماية هوامش الأمان المالية أثناء هذه الفترة من عدم اليقين”، بحسب بيان لصندوق النقد الدولي.
لماذا لجأت مصر مجدداً إلى صندوق النقد؟
فيما يتعلق بأسباب اللجوء لصندوق النقد، فقد أدت تداعيات الحرب في أوكرانيا، إلى جانب المشكلات التي تواجه سلاسل التوريد حالياً إلى ارتفاع أسعار السلع العالمية، مما أدى إلى تعرض مصر– والتي تعد مستورداً رئيساً للسلع- لمستوى تضخم وصفه مجلس الوزراء بأنه “غير مسبوق”.
وقال مجلس الوزراء أيضاً، إن ارتفاع أسعار الفائدة حول العالم يزيد من تكاليف التمويل، وهي مشكلة خاصة لبلدان مثل مصر التي لديها كثير من الديون المقومة بالدولار. كما أشار إلى أن “الذعر بين المستثمرين أدى إلى تراجع وخروج استثماراتهم من العديد من البلدان الناشئة”.
ووفق بيان مجلس الوزراء، فمن المقرر أن تواصل الحكومة المصرية جهودها لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية الضرورية “لضمان الحفاظ على مسار النمو الاقتصادي القوي والمتوازن والمستدام، وبما يضمن تحقيق التنمية الشاملة بمصر، مع استهداف زيادة دور ومساهمة القطاع الخاص في كافة أوجه الأنشطة الاقتصادية”.
وأوضح المتحدث باسم مجلس الوزراء، أن مصر ستواصل التعاون مع كافة الشركاء الدوليين والمؤسسات الدولية التي من بينها صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى أن السلطات المصرية كانت على تواصل وتشاور مع الصندوق بصورة منتظمة منذ انتهاء البرنامج السابق معه بنجاح.
وكان البنك المركزي المصري قد أعلن في نوفمبر 2016، تحرير سعر صرف الجنيه، وجاء قرار التعويم لتلبية طلب رئيس من صندوق النقد الدولي كي يمنح الحكومة تسهيل ائتماني ممد بقيمة 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد المحلي. ولجأت مصر إلى الصندوق مرتين أخريين منذ ذلك الحين، في عام 2020، حصلت مصر على قرض “اتفاق استعداد ائتماني” بقيمة 5.2 مليار دولار، كما تسلمت 2.8 مليار دولار من خلال أداء التمويل السريع في أعقاب انتشار جائحة “كوفيد-19”.
ووفق وكالة “رويترز”، فإن مصر مؤهلة لكل من البرامج الثلاثة، وفقاً لما صرح به مصدر مطلع على المباحثات في وقت سابق من هذا الأسبوع. وقال المصدر، إن مصر تجاوزت حصتها من الاقتراض من صندوق النقد الدولي، مما يعني أن أي مساعدة مالية سيتم منحها وفق معايير وصول استثنائية، أي أن مصر ستواجه تدقيقاً أكبر من جانب الصندوق.
خفض توقعات النمو إلى 5.5 في المئة
وقبل أيام، وعلى خلفية الأزمة الروسية- الأوكرانية، خفضت مصر توقعات النمو الاقتصادي للسنة المالية المقبلة 2022/ 2023، إلى 5.5 في المئة، مقارنة مع توقعات سابقة بنسبة 5.7 في المئة كانت قبل اندلاع حرب أوكرانيا. وخلال اجتماعه الأخير، وافق مجلس الوزراء المصري، على مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي المقبل. واستعرض وزير المالية، محمد معيط، مشروع الموازنة العامة للدولة في ضوء أولويات السياسة المالية والاقتصادية والتكليفات وتداعيات الصدمات الخارجية، متناولاً في هذا الصدد أهم مستهدفات وأولويات السياسة المالية في المدى المتوسط لمشروع الموازنة.
وقال الوزير، إن الحكومة تستهدف العمل على تطبيق سياسات من شأنها تحفيز الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية الداعمة للنمو، وبخاصة في قطاعات الصناعة والتصدير، إضافة إلى دعم النمو الذي يقوده القطاع الخاص، وتوسيع القاعدة الضريبية، ومضيفاً أن وزارة المالية تقوم بتنفيذ خطة إصلاح هيكلية شاملة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، وضبط المالية العامة، وتعزيز مسار نمو اقتصاد قوي وشامل يقوده القطاع الخاص.
وأوضح وزير المالية، الأسس والأطر والأهداف الحاكمة لإعداد الموازنة، والتي تضمنت الاستمرار في مساندة كافة القطاعات وكافة الاحتياجات التمويلية لكل أجهزة الدولة والأسر الأكثر احتياجاً، والاستمرار في دعم ومساندة القطاعات الإنتاجية، ودفع جهود الحماية الاجتماعية ودعم الفئات الأكثر تأثراً. وكذلك الاستمرار في سياسة التسعير السليم للسلع والخدمات، والتوسع في إعداد ومتابعة الموازنة على أساس موازنة البرامج والأداء، والعمل على توسيع القاعدة الضريبية، واستمرار تعظيم العائد من أصول الدولة، والتقدم في برامج إعادة هيكلة الأصول المالية للدولة، ورفع كفاءة وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام لصالح الفئات المهمشة والأقل دخلاً، والتركيز على إصلاح الهياكل المالية لرفع كفاءة وأداء الهيئات الاقتصادية وقطاع الأعمال العام.
وأشار إلى أن ركائز الموازنة العامة للعام المالي المقبل، تتضمن دفع جهود الحماية الاجتماعية، وتحسين مستوى معيشة المواطن، والتركيز على دفع أنشطة التنمية البشرية (الصحة والتعليم)، والحفاظ على استدامة الانضباط المالي والمديونية الحكومية وتحقيق الاستقرار المالي، ومساندة ودعم النشاط الاقتصادي بخاصة قطاعات الصناعة والتصدير.
ولفت وزير المالية إلى أن المستهدفات المالية للموازنة العامة المقبلة تتمثل في تحقيق معدل نمو مرتفع ومتوازن بنحو 5.5 في المئة، وتحقيق فائض أولي قدره 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وخفض عجز الموازنة إلى 6.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وخفض نسبة دين أجهزة الموازنة إلى نحو 80.5 في المئة. وأشار إلى أهم السياسات والتدابير الإصلاحية المستهدفة، وأهم الافتراضات والأولويات الحاكمة للموازنة العامة للعام المالي المقبل، وتقديرات الموازنة في ضوء الأولويات والتكليفات وتداعيات الصدمات المركبة الراهنة بما في ذلك الصورة الإجمالية للمصروفات العامة والإيرادات العامة.
المصدر: اندبندنت