د.نعمت ابو الصوف يكتب: هل يحل الغاز المسال أزمة الطاقة في أوروبا؟
تتصاعد أزمة الطاقة في أوروبا بسرعة، ومع نقص إمدادات الغاز تعتمد أوروبا بشكل متزايد على الغاز الطبيعي المسال لتلبية احتياجاتها. لكن إمكانات التوسع في إمدادات الغاز المسال العالمية محدودة إلى حد ما، ما يجعل أوروبا تستعد للمنافسة مع المشترين الآسيويين. ويهدد هذا الأمر بإحداث ارتفاع في الأسعار ونقص في الطاقة، الأمر الذي قد يجبر الدول الآسيوية على التحول إلى الفحم. في الواقع يعد الغاز مشكلة أكبر من النفط في أوروبا، ورغم اقتراب انتهاء فصل الشتاء، لا يزال هناك طلب على الواردات. والنرويج، ثاني أكبر مورد للغاز لأوروبا بعد روسيا، تعمل بالفعل بأقصى طاقتها.
الآن، بعد أن خفض الاتحاد الأوروبي الواردات الروسية، قد تضطر الدول الأوروبية إلى تحويل مزيد من سفن الغاز المسال القادمة من الولايات المتحدة في اتجاهها. رغم أن هذا قد يلبي جزئيا الطلب على المدى القصير، إلا أن المحللين يعتقدون أنه لا يوجد ما يكفي من الغاز المسال لتلبية جميع احتياجات الطاقة في أوروبا والتخلي عن الغاز الروسي. أصبحت أوروبا أخيرا أكبر زبون لمنتجي الغاز المسال في الولايات المتحدة، حيث استقبلت أكثر من 50 في المائة من إجمالي الشحنات الأمريكية خلال الأشهر الثلاثة الماضية. لكن الغاز المسال الأمريكي، وكذلك مصادر أخرى لن توفر سوى إغاثة قصيرة الأجل.
أولا: هناك العقود طويلة الأجل التي أبرمها بالفعل جميع منتجي الغاز المسال في الولايات المتحدة، أستراليا، قطر، مع مشترين آخرين. ثم هناك مسألة قدرة استيراد الغاز الطبيعي المسال غير الكافية في أوروبا. أعلنت ألمانيا بناء محطتين للغاز الطبيعي المسال بشكل عاجل – حاليا لا توجد لديها أي محطات – لكن من غير المحتمل أن تكونا جاهزتين في غضون أشهر. حيث يستغرق بناء محطة لتصدير الغاز المسال من ثلاثة إلى أربعة أعوام. أضف إلى ذلك، مليارات الدولارات من التمويل اللازم لإنشاء محطات جديدة لتسييل الغاز أو محطات استيراده وتسلمه وتحويله مرة أخرى إلى غاز. أخيرا، لن تتضاءل المنافسة مع آسيا في أي وقت قريب، ويلاحظ المطلعون على صناعة الطاقة أن هناك سعة نقل محدودة للغاز المسال، وأن هذه الناقلات تستغرق وقتا طويلا لبنائها: نحو عامين ونصف العام. ومع ذلك، وضع الاتحاد الأوروبي لنفسه هدفا طموحا يتمثل في خفض واردات الغاز الروسي بنسبة تصل إلى الثلثين بحلول نهاية العام، أي: أكثر من 100 مليار متر مكعب.
وستسعى أوروبا من خلال خطة العمل الأوروبي المشترك المعروفة بـ REPowerEU، إلى تنويع إمدادات الغاز، وتسريع نشر الغازات المتجددة واستبدال الغاز في التدفئة وتوليد الطاقة. وقالت المفوضية الأوروبية، في وقت سابق من الأسبوع الماضي عندما كشفت عن خطتها للاستقلال عن الوقود الروسي، إن هذا يمكن أن يقلل من طلب الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي بمقدار الثلثين قبل نهاية العام. تشمل الإجراءات الموضحة في الخطة تكليف أعضاء الاتحاد الأوروبي بملء مرافق تخزين الغاز بنسبة 90 في المائة من طاقتها بحلول الأول من تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام، وزيادة واردات الغاز الطبيعي المسال وتنويع واردات خطوط الأنابيب، وتعزيز كفاءة الطاقة. وبالطبع فإن تراكم طاقة الرياح والطاقة الشمسية جزء من الخطة، وكذلك زيادة إنتاج الهيدروجين.
يبدو أن زيادة واردات الغاز المسال تعد من أسرع الطرق لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي. تشير خطة بناء محطات استيراد الغاز إلى أن هذه الخطة طويلة الأجل. في هذا الجانب، يشير عديد من المحللين بقوة إلى أن فرص نجاح هذا الجزء المحدد من خطة الاتحاد ضئيلة للغاية. حيث يطرح المحللون عدة نقاط تواجه هذا الجزء من خطة الاتحاد الأوروبي. يتعلق بعض هذه النقاط بتوافر الغاز الطبيعي المسال، والخطط العالمية متوسطة الأجل لتوسيع الطاقات الإنتاجية. هناك نقطة أخرى مهمة للغاية تتعلق بسعر الغاز وهي أن الغاز الطبيعي المسال لا يزال مصدر وقود صالحا لآسيا في الوقت الحالي فقط، لأن معظمه لا يزال مرتبطا بسعر النفط، وبالتالي أرخص بكثير من الشحنات الفورية. هذا صحيح رغم أن النفط الآن يزيد على 100 دولار للبرميل.
بعبارة أخرى، يحصل المشترون الآسيويون في الأغلب على الغاز المسال من خلال عقود طويلة الأجل. لا تتمتع أوروبا بهذه الرفاهية في الوقت الحالي، لأنه لا يوجد ما يكفي من الغاز المسال للمنتجين للالتزام بمثل هؤلاء المشترين الجدد الكبار. ولن يكون هناك ما يكفي من الغاز المسال لفترة حتى الآن، بالنظر إلى الوقت الذي يستغرقه بناء وحدات تسييل جديدة حتى دون تأخير، رغم أنه شائع في صناعة الغاز المسال. الوضع مثير للجدل لأن الاتحاد الأوروبي كان يحاول في الأعوام القليلة الماضية تقليل اعتماده على العقود طويلة الأجل مع شركة غازبروم وزيادة حصة الصفقات الفورية في الغاز الطبيعي، ربما بناء على افتراض أن إمدادات الغاز ستكون وفيرة دائما، وبالتالي رخيصة. الآن، ليس فقط أسعار الغاز مرتفعة جدا، بل يطالب منتجو الغاز الطبيعي المسال بالتزامات تراوح بين 15 و20 عاما من المشترين المحتملين الجدد.
السؤال هنا: هل سيكون المشترون الأوروبيون مستعدين لقبول مثل هذه الالتزامات المستقبلية الكبيرة من أجل التعامل مع مشكلة على المدى القريب؟ البعض يقول ربما نعم، إذا ساءت الأمور بدرجة كافية، لكن حتى إذا ساءت الأمور بدرجة كافية، فإن الصفقات ستستغرق وقتا لإبرامها. والاتحاد الأوروبي ليس لديه هذا الوقت الآن، حيث سيبدأ موسم التدفئة الجديد في أقل من سبعة أشهر. وهذا يعني أقل من سبعة أشهر للدول الأعضاء لملء خزاناتهم بنسبة 90 في المائة بالغاز الذي يجب أن يأتي من مكان ما، رغم أنه من غير الواضح من أين. وهذا يعني أيضا أقل من سبعة أشهر لإضافة طاقات رياح وطاقة شمسية هائلة. مرة أخرى، ليس واضحا كيف سيحدث هذا بالضبط، وكم سيكلف في ضوء أحدث الاتجاهات في سوق المعادن. ومن غير الواضح أيضا ما سيحدث عندما تتوقف الرياح عن هبوبها، وهو ما يحدث غالبا خلال فصل الشتاء الأوروبي.
هذه ليست سوى جزء بسيط من الأسئلة التي تثيرها خطة الاتحاد الأوروبي لاستقلال الطاقة REPowerEU. ومع ذلك، فإن الإجابة عن سؤال ما إذا كان الغاز المسال يمكن أن يحل محل 40 في المائة من استهلاك الغاز الأوروبي الذي توفره روسيا حاليا وبوقت قصير نسبيا، تبدو واضحة تماما، وهي: لا توجد إمكانية فعلية لذلك.