كيف ستتجاوز مصر أزمة القمح في ظل مطالب المزارعين؟
بوابة الاقتصاد
القاهرة ترفع “العصا” و”الجزرة” في ظل صعود الأسعار بنسبة 8 في المئة لتجميع 6 ملايين طن من السوق المحلية
على الرغم من عدم قيام الحكومة بتحريك أسعار الخبز بشكل رسمي حتى الآن، لكن قفزت أسعار الخبز الحر بنسبة 100 في المئة خلال الأيام الماضية، على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية وتهديدها واردات القمح في مصر.
ومع ارتفاع أسعار القمح محلياً، بدأت الحكومة المصرية في الاعتماد على السوق المحلية لتغطية نسبة كبيرة من إجمالي الاستهلاك المحلي من القمح، وأعلن مجلس الوزراء المصري، رفع أسعار التوريد المحلي بنسبة 8 في المئة، في إطار تشجيع المزارعين المحليين على توريد كامل المحصول إلى وزارة التموين والتجارة الداخلية.
ومن المقرر أن يحصل المزارعون على ما بين 865 و885 جنيهاً (55.3 و56.6 دولار) للإردب الذين يقومون بتوريده للحكومة، حيث تتطلع مصر إلى زيادة الإنتاج المحلي من القمح وسط الاضطرابات في السوق العالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. لكن في المقابل، فإن هذه الأسعار لا ترضي المزارعين الذين طالبوا الحكومة بتحريك أسعار الإردب إلى 1000 جنيه (64 دولاراً) في ظل ارتفاع التضخم ومن أجل تحقيق أهداف الإنتاج.
زيادة الواردات المحلية 70 في المئة
ووفق بيان حديث لمجلس الوزراء المصري، تستهدف الحكومة شراء المزيد من القمح من المزارعين المحليين خلال هذا الموسم، وتستهدف شراء أكثر من 6 ملايين طن من القمح المحلي. ويمثل هذا زيادة بأكثر من 70 في المئة مقارنة بـ3.5 مليون طن قمح جرى توريدها خلال العام الماضي.
لكن ستكون هذه الزيادة مكلفة، حيث إن شراء 6 ملايين طن بالأسعار الجديدة سيكلف الحكومة نحو 35 مليار جنيه (2.237 مليار دولار). وسيكون هذا أكثر من ضعف ما أنفقته على شراء القمح المحلي الموسم الماضي. وفي غضون ذلك، أصدرت وزارة التموين والتجارة الداخلية، قراراً يلزم جميع منتجي محصول القمح بيع ما لا يقل عن 12 إردباً عالي الجودة لكل فدان. وتبلغ إنتاجية الفدان حالياً نحو من 18 إلى 20 إردباً في المتوسط، وفق بيانات وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي في مصر.
ووفقاً للقرار، “فإن توريد تلك الحصة سيصبح إلزامياً على جميع مزارعي القمح، وليس فقط لمن يريد الحصول على حافز توريد. كما سيتم منع المزارعين من بيع الجزء المتبقي من محاصيلهم لمشترين آخرين، أو نقل الحبوب من دون ترخيص من الوزارة”.
العصا والجزرة مع المزارعين
وفيما ينص القرار على “أن تصرف الحكومة السماد المدعم لموسم الزراعة الصيفي لمن يورد 90 في المئة على الأقل من محصول القمح لديه إليها”، لكنه تضمن “معاقبة كل من خالف القواعد الجديدة بالسجن من عام إلى خمس سنوات وغرامة تصل إلى ألف جنيه (64 دولاراً)”، طبقاً لأحكام القانون رقم 45 لعام 1945 الخاص بشؤون التموين. ويتقاسم البائعون والمشترون والوسطاء المسؤولية عن أي مخالفات، كما ستتم مصادرة أي قمح يجري تداوله بطريقة غير مشروعة، والمعدات المستخدمة في نقله.
تأتي الإجراءات الجديدة في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة تعزيز زراعة القمح المحلي وزيادة احتياطياتها لتعويض تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا على إمداداتها منه، إذ يوفر البلدان أكثر من 80 في المئة من وارداته المصرية، ويمثلان معاً أكثر من ربع الإمدادات العالمية منه.
في الوقت نفسه، من المقرر أن تعلن الحكومة آلية تسعير الخبز غير المدعم قريباً، وستطبق لمدة ثلاثة أشهر. وقد فوض مجلس الوزراء المصري، وزارة التموين في اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع الآلية الجديدة. وستعلن الأسعار الجديدة خلال الأيام المقبلة، ولكن يتوقع عاملون في الصناعة “أن تبلغ تكلفة رغيف الخبز غير المدعم (السياحي) 75 قرشاً (5 سنتات) وأن يزن حوالى 90 غراما”.
ارتفاع فاتورة الواردات المصرية
وخلال الأيام الماضية، قال وزير التموين والتجارة الداخلية في مصر علي المصيلحي، إن “الوزارة افترضت متوسط سعر 255 دولاراً للطن في موازنة هذا العام، في حين تصل تكلفة الطن في الوقت الحالي إلى 350 دولاراً، وأن فاتورة شراء القمح تسجل نحو 40 مليار جنيه (2.557 مليار دولار) سنوياً، منها نحو 18 مليار جنيه (1.15 مليار دولار) قمح محلي، وما يتراوح من 20 إلى 22 مليار جنيه (1.278 إلى 1.406 مليار دولار) فاتورة استيراد القمح من الخارج”. ولمح إلى “أن سعر الطن العالمي زاد خلال عام من 250 دولاراً إلى ما يتراوح بين 334 و350 دولاراً للطن أي زيادة بنحو 100 دولار في الطن عالمياً خلال عام”.
وأوضح، “أن ما يحدث بين أوكرانيا وروسيا لا يؤثر في مصر فقط، بل في جميع الأسواق العالمية، والسلع خصوصاً البترول والغاز والقمح”، منوهاً “أن أي تغير في تلك السلع يؤثر في نظائرها”، مشيراً إلى “أن نحو 30 في المئة من حجم المعروض القمح بالعالم يأتي من روسيا وأوكرانيا”.
وشدد المصيلحي على “حرص الحكومة المصرية على تنويع منشأها حيث يتم الاستيراد من نحو 14 دولة، وخلال العام الحالي تم استيراد نحو 29 في المئة من القمح الروسي، و34 في المئة من القمح الروماني، و23 في المئة من أوكرانيا والباقي من فرنسا”، وأشار إلى “أنه عقد اجتماعاً مع سفير فرنسا قبل الأزمة الروسية- الأوكرانية والتي أبدى فيها استعداد بلاده لتوفير أي كمية من الأقماح”.
وأضاف “أنه في مارس (آذار) 2017 كان الاحتياطي الاستراتيجي للقمح ضعيفاً يكفي فقط حتى 18 يوماً فقط، وأن القيادة السياسية وجهت بزيادة الاحتياطي الاستراتيجي من السلع الأساسية لتبلغ 6 أشهر بحد أدنى 3 أشهر”، لافتاً إلى “أنه تم توفير اعتمادات مالية بما يعادل 1.8 مليار دولار”.
ارتفاعات قياسية في أسعار السلع الغذائية
عالمياً، بلغت أسعار القمح مستويات قياسية جديدة منذ نهاية فبراير (شباط) الماضي تزامناً مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا. وتوفر روسيا وأوكرانيا حوالى ربع إمدادات القمح العالمية، إلا أن الصراع أدى إلى تعطل إنتاجهما من السوق العالمية.
وفق البيانات الرسمية، “وفرت روسيا وأوكرانيا نحو 86 في المئة من واردات مصر من القمح خلال 2020. وتعد مصر أكبر مستورد للقمح على مستوى العالم، وبلغت مشترياتها من المحصول العام الماضي 11.6 مليون طن، اشترت الهيئة العامة للسلع التموينية منها 4.7 مليون طن”.
وكانت أسعار القمح تمثل مشكلة حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا. وقال وزير المالية المصري في تصريحات الشهر الماضي، إن “الارتفاع الأخير في أسعار القمح العالمية سيكلف الدولة نحو 12 مليار جنيه (0.67 مليار دولار) إضافية خلال العام المالي الحالي، لكن هذا الرقم سيرتفع إلى 47 مليار جنيه (3 مليارات دولار) مع إضافة الزيادات الجديدة في أسعار التوريد القمح محلياً”. فيما أظهرت البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة، أن أسعار المواد الغذائية العالمية سجلت ارتفاعاً قياسياً خلال فبراير الماضي، قبل أن تبدأ روسيا عمليتها العسكرية نهاية الشهر.