أحمد الكناني يكتب: إيران في دائرة الهزيمة الإستراتيجية
إيران أصبحت أكبر الخاسرين والمنهزمين إستراتيجيا من التطورات، التي جرت في قطاع غزة ولبنان، وصولا إلى سوريا، وربما يأتي الدور عليها في العراق واليمن.
هذه الخسارة الإستراتيجية حدثت نتيجة إخفاق إيراني واضح، في وقت يتنصل فيه على خامنئي، المرشد الإيراني من هذه الخسارة، في خطاب له يوم أمس الأربعاء، ويحمل مسؤوليتها إلى المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية، وإلى تركيا، دون أن يذكر ها بالإسم.
المدهش أن هذه الخسارة الاستراتيجية حدثت سريعا، وفي وقت قصير، مقارنة مع 40 عاما أنفقتها إيران، مع مليارات الدولارات، في بناء مشروعها الإستراتيجي، في المنطقة.
المسؤول الرئيسي عن هذه الخسارة، هو مجموعة الأخطاء، التي ارتكبتها إيران، منذ اللحظة الأولى لإنطلاق عملية “طوفان الأقصى”، حيث اتسم السلوك الإيراني بالتراخي، وبمواقف تكتيكية، في حين كان عليها أن تتحرك بنهج استراتيجي فعال، وهو ما أدى إلى تراكم الأخطاء، مع تصاعد الأوضاع، حتى تحولت إلى كوارث.
*أول الأخطاء: تخلي إيران عن مساندة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بشكل عملي مباشر، وتنصلها من أي مسؤولية عن “طوفان الأقصى”، على الرغم من أنها كانت على علم مسبق بها، وعلى الرغم من أن أكبر حركتين مقاومتين في غزة، وهما “حماس” والجهاد الإسلامي”، كانتا جزءا من مشروعها في المنطقة، ومن أذرعها السياسية والعسكرية.
وهذا السلوك الإيراني منح إسرائيل، كل الطمأنينة، فأوغلت في حرب الإبادة بالقتل والتدمير في قطاع غزة، واستطاعت أن تجعل من هذه الحرب، منذ اللحظة الأولى، خصما من قوة المشروع الإيراني في المنطقة.
* ثاني الأخطاء: أن إيران أوعزت إلى أذرعها في اليمن، وفي العراق، و إلى حزب الله في لبنان على وجه الخصوص، بعدم الإنجرار إلى المواجهة الشاملة مع إسرائيل، وعدم تفعيل “وحدة الساحات”، المتفق عليها، بشكل إستراتيجي مؤثر، إذ تم الاكتفاء بضربات ومناوشات عسكرية محدودة، لم تكن على مستوى وحجم العدوان الإسرائيلي الشامل على قطاع غزة، وذلك خشية من الصدام المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، التي هرعت إلى مساندة إسرائيل.
* ثالث الأخطاء: تظاهر إيران وكأنها فوجئت، مثل أطراف أخرى، بحرب الإبادة والتدمير التي شنتها إسرائيل ضد قطاع غزة، حيث ظنت أنها ألقت بالكارثة، التي حلت بالقطاع، كرة ملتهبة في يد أطراف عربية لها تماس جغرافي مع القطاع، وأن هذه الأطراف سوف تتورط حتما رغما عنها، بدلا منها، وبذلك تنجو إيران دون أي ضرر.
هذه الأخطاء الإيرانية شجعت إسرائيل، منذ بدايات “طوفان الأقصى”، على شن حربها الشاملة على غزة، ثم على لبنان، بدعم أمريكي أوروبي، لتنتزع المبادأة، وتفرض حربها على حزب الله، بتفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي، وثم التوسع في إغتيال قادة حزب الله، وصولا إلى الشيخ حسن نصر الله، رحمه الله.
ورغم التصعيد الإسرائيلي الحاد، ظلت إستجابة إيران بطيئة، وأضعف من مستوى التطورات، تحت ذريعة “الصبر الإستراتيجي”، مما راكم من أخطائها الإستراتيجية، حتى عندما تجرأت إسرائيل على إغتيال الشيخ حسن نصر الله، ومن قبله إختراق قلب طهران واغتيال إسماعيل هنية، بل إن إيران لم تتحرك إلا عندما أمسكت إسرائيل برقبة حزب الله.
لكن التحرك الإيراني جاء متأخرا، ولم يحدث تغييرا حقيقيا على الأرض، بل إن إيران لعبت دورا في الضغط على حزب الله لوقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية-الإسرائيلية، والدخول في هدنة مع إسرائيل بشروط مهينة، كي لاتتورط هي في صدامات جديدة مع إسرائيل، ربما تحفز أمريكا على التدخل العسكري، وهو ما مثل هزيمة لها.
الآن، وبعد التطورات التي جرت في المنطقة، أصبحت إيران أضعف إستراتيجيا، وصارت تركيا اللاعب الأقوى، على الرغم من أن تركيا لم تطلق رصاصة واحدة، لكن يبدو أن جبهة جديدة انفتحت في المنطقة بين إيران وتركيا، وهي جبهة سوف تحمل الكثير من التطورات، وطبعا على حساب العرب.