رائد الخضر يكتب: هل ستستمرّ معاناة الإسترليني واليورو أمام الدولار هذا العام؟
بوابة الاقتصاد
ارتفع الدولار الأمريكي مقابل سلّة من العملات الرئيسية على مدى عام 2021 بنسبة 6.38% بحسب حركة مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الخضراء مقابل سلّة العملات الرئيسية. فقد بدأ المتداولون بتسعير رفع الفائدة في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قبل أغلب البنوك المركزية في الدول العظمى. على ذلك، شهدنا انخفاض سعر صرف اليورو أمام الدولار الأمريكي في الأسواق المالية العالمية من أسعار وصلت لدولار و23 سنتاً أمريكياً لليورو الواحد إلى دولار و12 سنتاً لليورو نهاية عام 2021. كما انزلق الجنيه الإسترليني مقابل الدولار من دولار و36 سنتاً أمريكي إلى دولار و31 سنتاً، إلا أن الانخفاض في الجنيه الإسترليني لم يستمر طويلاً فقد انتهت تداولات العام الماضي عند سعر دولار و35 سنتاً، فقد كان الجنيه الإسترليني أفضل أداءً من اليورو مقابل نظيرهما الدولار الأمريكي.
فكيف نفسّر حركة العملات الثلاث؟
شمل عام 2021 انكماشاً اقتصادياً في منطقة اليورو خلال الربع الأوّل بلغت نسبته -0.1%، في وقت انكمش فيه أيضاً الاقتصاد البريطاني بنسبة -1.2%. في المقابل، حقق الاقتصاد الأمريكي نموّاً بلغت نسبته 6.3%، مما أبقى الأفضليّة للفيدرالي الأمريكي بأن يبدأ رفع الفائدة. لكن، جاء شهر ديسمبر 2021 ليسبق بنك إنجلترا المركزي الفيدرالي ويرفع الفائدة حتى ولو بنسبة ضئيلة بلغت 0.15%، تبعها شهر فبراير برفع بالفائدة بنسبة 0.25% لتصل معدّلات الفائدة في بريطانيا إلى 0.50%، وهذا ما يفسّر أداء الجنيه الأقوى من اليورو أمام الدولار الأمريكي.
بالتالي، لاحظنا الانخفاض بداية في اليورو والجنيه أمام الدولار، ثم عاود الجنيه الإسترليني التماسك معوّضاً جزءًا كبيراً من خسائره وينهي العام الماضي على انخفاض طفيف.
لكن جاء عام 2022 بأزمة جيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا، دفعت بالتوقعات الاقتصادية لمنطقة اليورو وبريطانيا للأسوأ، وهبط كل من الجنيه الإسترليني واليورو أمام نظيرهما الأمريكي بنسب متفاوتة شهري فبراير ومارس. لكن المفاجأة كانت باليورو الذي توقّف انزلاقه وعاد ليحاول الارتفاع مقابل الدولار، بعدما تغيّرت لهجة البنك المركزي الأوروبي وأصبحت أكثر تشدداً.
التضخّم يرسم سياسات البنوك المركزية والتوتّرات الجيوسياسية تبطئ التشديد النقدي
ارتفعت معدّلات التضخّم عالمياً بعد الانفتاح الاقتصادي والتعافي في الطلب خلال 2021 بعد جائحة كورونا، كما جاءت الأزمة الجيوسياسية شرق أوروبا لتدفع التضخّم لمزيد من الارتفاع، حتّى وصل في منطقة اليورو إلى 5.8%، وهو أعلى مستوى تضخّم على الإطلاق، مما دفع المركزي الأوروبي للإشارة لخفض سريع لبرامج التحفيز التي تشمل برامج شراء الأصول.
كما ارتفع التضخّم في بريطانيا إلى 5.5%، فيما صعد مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدّة نحو أعلى مستوى منذ 40 عاماً عند 7.9%. وارتفاع معدّلات التضخّم كان يتطلّب من الفيدرالي الأمريكي الإسراع برفع الفائدة، كما كان على بنك إنجلترا رفع الفائدة في اجتماعاته المقبلة. لكن، أصبح من المتوقّع أن تكون البنوك المركزية أكثر حذراً برفع الفائدة، فالتوترات الجيوسياسية قد تثقل على النمو الاقتصادي العالمي، وأثبت الفيدرالي حذره بالاكتفاء برفع الفائدة 25 نقطة أساس شهر مارس الجاري، وتم على أساسها إعادة تسعير للعملات مقابل الدولار.
إعادة التسعير
رغم أن الفيدرالي سيكون على الأرجح قد رفع الفائدة أكثر من بنك إنجلترا المركزي والبنك المركزي الأوروبي بحلول نهاية هذه السنة، لكن كانت الأسواق قد سعّرت كل من اليورو والجنيه الإسترليني على رفع أكثر حدّة في الفيدرالي. بالتالي، يتم إعادة التسعير اليورو على أساس فرق أسعار فائدة أقل، فارتفع اليورو من مستويات الدولار و8 سنتات إلى دولار و11 سنتاً أمريكي الأسبوع الماضي. أما الجنيه الإسترليني، فقد واصل انخفاضه إلى الأدنى منذ شهر نوفمبر عام 2020.
التساؤل الذي شغل الأسواق المالية عن سبب ارتفاع اليورو حتى مع التوقعات برفع الفائدة في الاحتياطي الفيدرالي تفسيره ممكن من خلال فروق أسعار الفائدة المتوقّعة هذه السنة بين المركزي الأوروبي، ومثيليه بنك إنجلترا والفيدرالي الأمريكي، جوابه إن فروق أسعار الفائدة المتوقعة أصبحت أقل، وبالتالي، ارتفع اليورو بعد أن لامس أدنى مستوياته منذ مايو 2020.
عام آخر قد يبقى فيه الدولار مسيطراً
الفترة المقبلة، ستتم مراقبة نتائج النمو الاقتصادي والتضخّم في منطقة اليورو والمملكة المتحدّة وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن تحرّكات البنوك المركزية ستعتمد على استمرار التعافي الاقتصادي وتوجّهات التضخّم. ومع الارتفاع في معدّلات التضخّم، قد تشدد البنوك المركزية ثلاثتها سياساتها النقدية هذه السنة، لكن بما أن الفيدرالي الأمريكي يواجه تضخّماً أعلى بكثير مما تواجهه منطقة اليورو وبريطانيا، فقد يكون التشديد أكبر من طرفه، ليدعم بذلك ارتفاعاً آخر للدولار هذه السنة.
ورغم أن التحرّكات الفرعية الهابطة للدولار لا يجب استبعادها بين الحين والآخر على المدى القصير، وسط إعادة تقييم تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية على الاقتصاد الأوروبي والبريطاني، لكن في النهاية، تتحرّك أسعار صرف العملات متأثّرة بالطلب والعرض، والتدفقات النقدية هي من تحكم الفرق بينهما، مما سيبقي على الأرجح الاتجاه الصاعد للدولار على مدى هذه السنة ما لم تطرأ متغيّرات اقتصادية أو سياسية جديدة تغيّر التوجّهات.
- رئيس قسم الأبحاث في شركة «إكويتي» Equity – دبي
- نقلا عن الخليج