أساليب النبي التي ساعدت الصحابة على حفظ الحديث
بقلم: د. شعبان عبد الحميد رفاعي
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية (UniSHAMS) ماليزيا
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد: فالصحابة رضوان الله عليهم هم الجيل الفريد الذي صحب النبي صلى الله عليه وسلم وتحمل عنه كل ما صدر منه من قول أو فعل أو تقرير، وكذلك صفاته صلى الله عليه وسلم. وقد برع كثير من الصحابة رضوان الله عليهم في حفظ حديث رسول الله على الله عليه وسلم على الرغم من ضعف الأسباب، وكثرة الشواغل، حتى زادت محفوظات عدد منهم على آلاف الأحاديث. وقد يتعجب البعض من قدرتهم على حفظ هذه الأعداد الكبيرة من الأحاديث، ومما يزيد المتعجب تعجبا ودهشة أن صحابيا كأبي هريرة رضي الله عنه – وهو أكثر حفاظ الحديث من الصحابة -كان أميا لا يجيد القراءة والكتابة، لذلك فقد طعن حفظه الطاعنون وشكك فيه المرجفون. لكن ذلك المتعجب أو المتشكك يذهب تعجبه ويزول شكه إذا عرف أن هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم توفر لهم من الأسباب والوسائل المعينة على حفظ الحديث مالم يتوفر بعضه لغيرهم، فكان ذلك محفزا لهم ومعينا على تحمل هذه الأمانة. ومن تلك الوسائل – على سبيل المثال لا الحصر – أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمهم الحديث وإلقائه على مسامعهم. فقد أوتي النبي صلى الله عليه وسلم أسلوبا فريدا في التعليم والإلقاء، كيف لا وقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم وقوة البيان التي يندر مثلها في البشر، ومن هنا نجد القرآن الكريم يسمى السنة” حكمة”، ولا شك أن البيان البليغ يأخذ بمجامع القلوب، ويسرى في كيان الإنسان الذهني والعاطفي، الأمر الذي جعل الصحابة يقبلون على سماع حديثه، ويعملون على حفظه وصيانته. ومن الأساليب التي استخدمها صلى الله عليه وسلم في تعليمه وتوجيهه لأصحابه؛ أسلوب التأني وعدم سرد الحديث؛ فلم يكن صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث سردًا متتابعًا بل يتأنّى في إلقاء الكلام ليتمكَّن من الذهن، قالت عائشة رضي الله عنها فيما أخرجه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:” مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ يُبَيِّنُهُ، فَصْلٌ، يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ”. وعدم إطالة الكلام عن مقتضى الحاجة؛ فلم يكن صلى الله عليه وسلم يطيل الحديث بل كان كلامه قصدًا، قالت عائشة فيما هو متفق عليه: ” يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ العَادُّ لَأَحْصَاهُ “. وكذلك تكرار الحديث مرات؛ فكثيرا ما كان صلى الله عليه وسلم يكرر الحديث حتى يحفظ عنه، ولتعيه الصدور؛ عن أنس بن مالك: ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا لِتُعْقَلَ عَنْهُ “. كذلك من الأساليب التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم لتعليم الصحابة وتحفيظهم؛ أسلوب المناقشة والحوار، وقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب مرات كثيرة إما من خلال طرح السؤال ليجيب عنه المتعلمون، إن استطاعوا، أو ينتظروا ليسمعوا الإجابة منه صلى الله عليه وسلم.ومما يؤكد ذلك أن الإمام البخاري رحمه الله خصص باباً في صحيحه تحت عنوان” باب طرح الإمام المسألة ليختبر ما عندهم من العلم ، وأخرج فيه حديث عبد الله بنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ»؟ قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ”. هذا بالإضافة إلى أسلوب ضرب الأمثال، والقصص، والتشجيع، ومراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين. إن هذه الأساليب الفريدة التي استخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليم الصحابة؛ كانت كفيلة بإخراج جيل من الحفاظ الكبار أمثال أبي هريرة ، وعائشة، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وأنس، وأبي سعيد الخدري وأضرابهم. وهي كفيلة أيضا – إذا ما طبقناها في مدارسنا، ومعاهدنا وجامعاتنا – بإخراج أجيال واعية، قادرة على حمل الأمانة، مدركة لقيمة أوطانها، قادرة على خدمة أمتها ومجتمعها. وللحديث بقية وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.