آخر الاخباراقرأ لهؤلاء

أليسون شراجر تكتب: إدارة عدم اليقين الاقتصادي

بوابة الاقتصاد

هذا وقت يفتقر لليقين، لكننا لم نعش قط في ظل مخاطر أقل. فقد خرجنا من جائحة أربكت حياتنا بشتى الوسائل والآن ربما نكون على شفا حرب عالمية ثالثة. لكن هناك فارق كبير بين المخاطرة وعدم اليقين، ويتطلب كل منهما استراتيجيات مختلفة للتكيف.
فمن الممكن إدارة المخاطر بالتأمين أو التحوط، بينما يتطلب عدم اليقين مرونة. والمعرفة أمر مهم عند اتخاذ قرارات حياتية كبيرة مثل شراء منزل أو تغيير وظيفة أو إنجاب طفل أو التقاعد أو حتى تعديل المحفظة المالية. وتشمل المخاطر الأشياء التي يمكننا قياسها ورؤيتها تلوح في الأفق، وينشأ عدم اليقين من الأمور التي تباغتنا. والمجتمع أصبح بارعا للغاية في قياس وإدارة المخاطر بمساعدة البيانات والتكنولوجيا. ونرى هذا في سوق الأوراق المالية وسوق الإسكان، وغيرها.
فمساحة الصدفة محدودة حين يتعلق الأمر بما يمكن قياسه. وإذا لم تستطع التخلص من المخاطر، يمكننا التحوط ضدها. ومنذ سبعينيات القرن الماضي، توافرت لدينا وسائل أكثر من أي وقت مضى لإدارة المخاطر أو القضاء عليها في الأسواق والاقتصاد وفي جوانب كثيرة من حياتنا اليومية.
وجاءت المكافأة في صورة ارتفاع الأسواق، وانخفاض التضخم (حتى وقت قريب)، واستقرار الأجور والوظائف. ولذا نشعر بهول الصدمة حين نواجه شيئا لم نتوقعه مثل الأوبئة والحروب التي تصيب العالم بالدوار. وعاش الناس معظم تاريخ البشرية في حالة من عدم اليقين والمخاطر التي لم يتمكنوا من السيطرة عليها. وكانت الحروب الضارية وتفشي الأمراض الفتاكة من حقائق الحياة.
لكن في القرن العشرين تغير كل هذا حين أخذت الحكومة على عاتقها تحمل المزيد من المخاطر، وخففت برامج الرعاية الاجتماعية الصعوبات، وتعاونت البلدان من خلال منظمات دولية ومزيد من التجارة، وقدمت لنا التكنولوجيا المزيد من الأدوات للتأمين ضد المخاطر. وفي السبعينيات، أصبحت كلمة المخاطرة مرتبطة بشيء يمكنك إدارته أو تجنبه. لكن العامين الماضيين قد يمثلان حقبة جديدة. فمازال بوسعنا إدارة المخاطر ولدينا أدوات أفضل، لكن النظام العالمي الجديد يتعلق بإدارة عدم اليقين؛ وهذا أصعب.
فلا يمكن التخطيط للمتعذر رؤيته. ومازال بوسعنا إدارة المخاطر الناجمة عن أوقات عدم اليقين، لكنها تتطلب استراتيجية مختلفة تتمثل في المرونة. فقد تمتعت الحكومات والبنوك المركزية بمرونة جعلت الوباء أخف وطأة مما كان محتملا. واستخدمت الحكومات مساحة مالية واسعة ومصداقية مكنتها من ضخ أموال طائلة أثناء الجائحة بتقديم إعانات معززة في البطالة ومدفوعات تحفيز وعمليات شراء ضخمة للديون.
والآن، يشكل الهجوم الروسي على أوكرانيا مصدرا جديدا لعدم اليقين، وهذا يتجلى في اقتصاديات الحرب الباردة والأسلحة النووية ونقص الغذاء والهجمات الإلكترونية ورد فعل الصين على كل شيء، وكلها أمور من المستحيل التنبؤ بها. ولدينا أدوات لإدارة المخاطر في السياسة المالية وفي إعادة هندسة الأسواق العالمية، وهذا يساعد في جعل الأزمة أقل خطورة. لكن كما أظهر العامان الماضيان، لا تمنع السيطرة على المخاطر عدم اليقين.
ويجب على الأفراد العثور على طريقة يديرون بها حياتهم. حين نواجه المزيد من عدم اليقين يدفعنا حدسنا الأولي إلى تجنب اتخاذ قرارات، والحفاظ على الأموال النقدية، وعدم الانتقال إلى مكان إقامة جديد، وانتظار التقاعد، وتجنب الديون الجديدة. لكن عدم اليقين المتزايد قد يستمر لفترة طويلة ولا يمكن الاقتصار على تجميد حركة الحياة.
والنقود جذابة عادة في أوقات عدم اليقين، لكن مع تزايد التضخم اليوم، لا تمثل النقود إستراتيجية آمنة أيضا. فما زال يتعين علينا الاستثمار في الأصول المحفوفة بالمخاطر، وإذا قررت تأجيل عملية تغيير منزل أو إنجاب طفل أو وظيفة، فقد تنتظر طويلا. ولإدارة عدم اليقين، يمكن تعزيز المرونة بعدم الإفراط في المجازفة ودعم مرونة حياتك. ولذا يجب عليك الاستثمار في الأسهم، لكن تجنب الأصول غير السائلة أو شديدة التقلب.
وإذا كنت تفكر في التقاعد، فلا يتعين الانتظار، وعليك فحسب إبقاء خياراتك مفتوحة لعودة محتملة إلى العمل بدوام جزئي. والمبدأ ينطبق على شراء منزل أو تغيير وظيفة. فبدلا من شراء منزل كبير بحاجة لنفقات إصلاح في حي يتوقع تزايد أسعاره في المستقبل، اشترِ منزلا أصغر في حي أفضل تعلم أنه يمكنك إعادة بيعه بسهولة إذا تعثر سوق الإسكان. وربما من التخطيط الاضطلاع وظيفة بدوام جزئي إذا أردت معاودة الدراسة، أو عمل إضافي إذا كنت تعمل بوظيفة أقل استقرارا.
وفيما بتعلق بالمخاطر الإلكترونية، احتفظ بنسخ ورقية من كشوف حساباتك المصرفية وأصنع نسخا احتياطية من ملفاتك الرقمية على الحوسبة السحابية أو أقراص خارجية. في نصف القرن الماضي، حالفنا الحظ لأننا عشنا عالما قليل المخاطر بشكل ملحوظ معظم الوقت. لكنه جعلنا أيضا أكثر ضعفا بطرق أخرى. ونحن نستبعد غير المتوقع لأننا لم نكابد كلفة الصدمات السيئة إلا نادرا.
فالشركات تحتفظ بمخزونات أقل حين لا تشعر بقلق من انهيار سلاسل التوريد العالمية. ونحن نقدم على تحمل ديون أكبر إذا لم نتوقع فقدان وظائفنا. أو قد نحجز رحلة غير قابلة لاسترداد رسومها حين لا نتصور حدوث جائحة تعطل خطط السفر. ولقد نبهنا العامان الماضيان إلى أنه مهما قللنا من المخاطر، لا يمكننا التخطيط لكل شيء. ويتعين علينا توفير خيارات أكثر في حياتنا حتى نشعر بأننا أقل عجزا حين تقع الأخطاء.
*زميلة بارزة في معهد مانهاتن.
نقلا عن «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى