آخر الاخباراستثمار

الفائدة بين مطرقة التضخم الجامح وسندان النمو الاقتصادي .. هل تغير الحرب المعادلة؟

بوابة الاقتصاد

تترقب الأسواق العالمية قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأسبوع الجاري برفع أسعار الفائدة لأول مرة منذ 2018 لمواجهة التضخم الجامع، الذي سجل أعلى مستوياته في 40 عاما عند 7.9 في المائة، بينما قلبت الحرب الروسية – الأوكرانية المعادلة لتأثيرها المتوقع في النمو الاقتصادي، ما يجعل القرار أكثر صعوبة.
وشريطة ثبات العوامل الأخرى، فإن القاعدة الاقتصادية الثابتة، تشير إلى أن رفع أسعار الفائدة يكبح التضخم، لأنه يسحب السيولة من الأسواق لتتجه إلى الودائع البنكية فيقل الطلب على السلع فتنخفض أسعارها، كما يدعم الدولار، بسبب زيادة الطلب عليه، وكذلك السندات، لارتفاع عوائدها مع مخاطرها المنخفضة، كما تفيد أسهم البنوك، مع ارتفاع الودائع طمعا في الفائدة المرتفعة فتنمو الأرباح، وهؤلاء أبرز الرابحين من رفع الفائدة.
على الجانب الآخر، يتضرر النمو الاقتصادي، بسبب سحب السيولة من الأسواق وتوجهها للودائع البنكية وارتفاع تكلفة التمويل على الشركات، ما يضر الاستثمارات والإنفاق، وبالتالي النمو الاقتصادي، كما تنخفض الأصول والسلع والمعادن المقومة بالدولار، مثل النفط والذهب وغيرها، وأيضا تتراجع العملات المشفرة والعقارات وأسهم الشركات، لذا فهم الخاسرون من رفع الفائدة.
لكن جاءت الحرب الروسية – الأوكرانية، العوامل الأخرى المشار إليها سابقا، لتقلب المعادلة إلى حد كبير.
ففي الوقت الذي تزايدت فيه توقعات الأسواق برفع الفائدة الأمريكية بنصف نقطة مئوية (0.5 في المائة) بدلا من ربع نقطة مئوية (0.25 في المائة) لكبح التضخم الجامح بسبب كورونا، جاءت الحرب لتهدئ من هذه التوقعات وتجعلها غير مؤكدة، خوفا من أن يتضرر النمو الاقتصادي بشكل مضاعف.


المرة الأولى من رفع أسعار الفائدة، التي عادة ما تضر النمو، والثانية من أثر الحرب الروسية – الأوكرانية على النمو أيضا، بالتالي بات الرفع بـ0.25 في المائة أقرب حاليا، خاصة أن التاريخ يشير إلى أن السياسة النقدية الأمريكية سبق أن فضلت مواجهة التضخم عن دعم النمو الاقتصادي في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات.
بعد الحرب أيضا، أصبح من المتوقع صعود معدلات التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية وعالميا مع ارتفاع أسعار السلع والمعادن نتيجة تأثر الإمدادات، لتزيد ارتفاعات الأسعار، التي خلفتها جائحة كورونا، ما جعل رفع أسعار الفائدة لمواجهته أكثر إلحاحا.
وبحسب تحليل لوحدة التقارير في صحيفة “الاقتصادية” أصبح رفع أسعار الفائدة محاصرا بين مطرقة التضخم الجامح من جهة، وسندان الحرب الأوكرانية وآثارها على النمو الاقتصادي من جهة أخرى.
ففي الظروف الطبيعية تكون العلاقة عكسية بين أسعار الفائدة والأصول المقومة بالدولار، بينما مع الحرب ارتفعت أسعار النفط والذهب وغيرها بمعدلات كبيرة ومن المرجح ألا تتأثر كثيرا برفع أسعار الفائدة إذا ما استمرت الحرب بتداعياتها الحالية.
الذهب علاقته عكسية بأسعار الفائدة، لأنها تحول الاستثمارات إلى الأصول، التي تشبهه في انخفاض المخاطر، لكنها مدرة للدخل كالسندات والودائع البنكية، لذا كان المعدن الأصفر قد بدأ تراجعه ترقبا للرفع المتوقع للفائدة الشهر الجاري، إلا أن اندلاع الحرب زاد الطلب عليه كملاذ آمن فتغيرت المعادلة.
العملات المشفرة، من المفترض أن تتراجع مع رفع أسعار الفائدة لتحول الاستثمارات عن الأصول عالية المخاطر، وهو ما دفعها للتراجع فعليا ترقبا لرفع الفائدة إلى أن بدأت الحرب فزاد الطلب عليها من قبل الدولتين المتحاربتين، في روسيا لتخفيف أثر العقوبات المفروضة عليها، وكذلك أوكرانيا لتمويل الجيش وسد الاحتياطيات الأساسية.
كذلك أسواق الأسهم “تحديدا أسهم الشركات”، من المعلوم أن علاقتها عكسية مع أسعار الفائدة لارتفاع تكلفة التمويل على الشركات، وبالتالي تراجع استثماراتها وتوسعاتها فتتراجع أرباحها أو يتباطأ نموها على أقل تقدير، كما أنه مع رفع أسعار الفائدة تتحول الاستثمارات من الأسهم عالية المخاطر إلى الودائع البنكية والسندات مع ارتفاع عوائدها ومخاطرها الأقل، إضافة إلى إحجام المستثمرين الذين يقترضون للمتاجرة في الأوراق المالية عن الاقتراض في ظل الفائدة المرتفعة.
لكن أسواق الأسهم تراجعت بشكل كبير منذ مطلع العام مع توقعات رفع أسعار الفائدة، فيما أضافت الحرب مزيدا من التراجعات عليها، بالتالي من المرجح ألا يكون تأثرها كبيرا مع رفع أسعار الفائدة فعليا خلال الشهر الجاري، بل ارتفاعها وارد، كونها خصمت الأثر مسبقا، وسيتقلص أثر رفع الفائدة على أسواق الأسهم أكثر إذا تم رفعها 0.25 في المائة وليس 0.5 في المائة.
كما أن العقارات من الطبيعي أن تنخفض أسعارها مع رفع أسعار الفائدة لتوجه السيولة للودائع البنكية، ما لم يكن هناك عوامل أخرى ترفع أسعار العقارات.
وتستفيد العملات المربوطة بالدولار لارتفاع الطلب عليه من رفع أسعار الفائدة، بينما تتضرر العملات الأخرى بخلاف الدولار والعملات المربوطة به.
تتضرر صادرات الولايات المتحدة الأمريكية والدول التي تربط عملتها بالدولار، نظرا لأن رفع أسعار الفائدة يرفع العملة الأمريكية بالتالي يخفض تنافسية منتجاتها خارجيا لارتفاع تكلفتها على المستوردين هناك، فيما ارتفاع الدولار يقلل تكلفة الواردات الأمريكية، وكذلك الدول التي تربط عملتها بالعملة الأمريكية.
كما أن رفع أسعار الفائدة يزيد معدلات البطالة، نظرا لتراجع الاستثمار والإنفاق والاستهلاك من قبل الشركات والأفراد فتقل الوظائف المطلوبة بالتبعية.

مفهوم الفائدة ولماذا يتم رفعها؟

“سعر الفائدة” هو السعر، الذي يدفعه البنك المركزي على إيداعات المصارف التجارية لمدة ليلة واحدة، ويترتب عليه سعر الفائدة على الودائع لدى البنوك العاملة في الدول.
وسعر الفائدة هو أداة رئيسة للبنوك المركزية لضبط السياسة النقدية للبلاد، حيث يرفع البنك المركزي الفائدة عندما ترتفع نسبة التضخم في الاقتصاد “زيادة أسعار السلع والخدمات”.
وبالتالي ترتفع الفائدة على الودائع في البنوك فيزداد إقبال الأشخاص على الإيداع، فيتم سحب السيولة من خارج القطاع المصرفي فيتراجع الإنفاق والطلب على الاستهلاك، وبالتالي ينخفض التضخم، كما يدعم ذلك سعر صرف العملة الوطنية.
كذلك عندما يرتفع سعر الفائدة على القروض يرتفع سعر اقتراض الأموال فيتراجع الاقتراض للأشخاص والأعمال ويقل الإنفاق والطلب على الاستهلاك فينخفض التضخم، والعكس في حالة الركود.
ومن سلبيات رفع سعر الفائدة، زيادة حركة الأموال الساخنة، التي تدخل في قطاعات غير إنتاجية كالبنوك، وتخوف المستثمرين من الدخول إلى السوق في ظل ارتفاع تكلفة الإقراض، ودفع كثيرا من الشركات إلى تأجيل توسعاتها وعدم القيام بمشاريع جديدة، بالتالي تراجع معدلات الاقتراض من البنوك.
ومن السلبيات أيضا رفع العائد على أذون وسندات الخزينة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تفاقم الدين المحلي، إضافة إلى حجب أموال المستثمرين عن المساهمة في عمليات التنمية، بسبب زيادة أعباء تكلفة الإقراض على القطاع الخاص، فيتجه المستثمر المحلي إلى وضع الأموال في البنوك، لأنها أكثر جدوى وفائدة من استثمارها في أي شكل آخر ما يضر بالنمو الاقتصادي.
وعادة ما تتأثر أسواق الأسهم سلبا برفع أسعار الفائدة، حيث تتسرب السيولة من الأسهم إلى الودائع البنكية بحثا عن الملاذ الآمن، إضافة إلى إحجام المستثمرين الذين يقترضون للمتاجرة في الأوراق المالية عن الاقتراض في ظل الفائدة المرتفعة.

تاريخ الفائدة الأمريكية والتضخم

أدنى مستويات للفائدة الأمريكية كانت قد سجلت في 2008 بالتزامن مع الأزمة المالية العالمية، وكذلك في 2020 مع أزمة كورونا، ما دفع الفيدرالي الأمريكي لخفضها لتراوح بين 0.0 في المائة و0.25 في المائة في المرتين لتحفيز النمو الاقتصادي المتضرر من الأزمتين.
أعلى أسعار فائدة أمريكية تاريخيا كان في عامي 1980 و1981، عند 20 المائة، وكان ذلك لمواجهة التضخم الذي بلغ مستوى تاريخيا أيضا عند 15 في المائة.
نتج التضخم التاريخي في الولايات المتحدة عقب فك الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ربط الدولار بالذهب في 1970، ما رفع التضخم بسبب تقلبات العملة الأمريكية، ثم في 1973، حيث تم حظر إمدادات النفط من قبل دول “أوبك” على الولايات المتحدة بعد حرب 1973 بين مصر وإسرائيل، ما رفع أسعار السلع والمعادن بشكل كبير.
في الوقت ذاته دخل الاقتصاد في ركود، ما دفع الفيدرالي لخفض معدلات الفائدة، ما أدى بدوره لبلوغ التضخم 15 في المائة، وهنا اضطر “الفيدرالي” لرفع الفائدة لأعلى مستوياتها 20 في المائة لكبح جمح التضخم في 1980 وهو ما أدخل الاقتصاد في انكماش حينها.

الفائدة وكورونا

“الفيدرالي الأمريكي” خفض الفائدة مرتين في مارس 2020 من معدلها بين 1.5 في المائة و1.75 في المائة لتصل إلى بين 0.0 في المائة و0.25 في المائة لتحفيز الاقتصاد في مواجهة تداعيات كورونا.

الفائدة عالميا

تتجه دول العالم لرفع أسعار الفائدة خلال العام الجاري لمواجهة المستويات القياسية للتضخم، بدأها بنك إنجلترا في ديسمبر الماضي، ثم البنك المركزي البولندي والكندي هذا العام.
وفي الوقت الحالي، يطبق 22 بنكا مركزيا حول العالم أسعار فائدة صفرية على الودائع لمدة ليلة واحدة، فيما تطبق ثلاث دول أخرى فائدة سالبة “أقل من الصفر”، على الجانب الآخر تتجاوز معدلات الفائدة 15 في المائة لدى عشر دول تتصدرها زيمبابوي وفنزويلا والأرجنتين بـ60 في المائة و56.9 في المائة و38 في المائة على التوالي.
وتطبق أعلى معدلات الفائدة عربيا في اليمن والسودان ولبنان بـ27 في المائة و17.1 في المائة و10 في المائة على الترتيب، وأقلها سلطنة عمان 0.5 في المائة والسعودية والبحرين 1 في المائة لكل منهما.
والدول المطبقة لفائدة صفرية هي: النمسا، بلجيكا، بلغاريا، قبرص، إستونيا، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، إيرلندا، إيطاليا، لاتفيا، ليتوانيا، لوكسمبورج، مالطا، هولندا، النرويج، البرتغال، سلوفاكيا، سلوفينيا، إسبانيا، والسويد.
واعتمدت ثلاث دول في سياستها النقدية على أسعار فائدة سالبة، هي اليابان والدنمارك وسويسرا بنسب -0.1 في المائة، و-0.6 في المائة، و-0.75 في المائة على الترتيب.

أعلى المعدلات

تصدرت زيمبابوي وفنزويلا والأرجنتين دول العالم، كأعلى معدلات لأسعار الفائدة على الودائع لدى البنك المركزي لليلة واحدة عند 60 في المائة، و56.9 في المائة، و38 في المائة على التوالي.
خلفها اليمن 27 في المائة، ليبيريا وأنجولا 20 في المائة لكل منهما، ثم إيران 18 في المائة، والسودان 17.1 في المائة، وهايتي 17 في المائة، وجنوب السودان 15 في المائة.

الفائدة في الخليج

خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة عدة مرات لتصل إلى نطاق من صفر في المائة إلى 0.25 في المائة، في خطوة تستهدف حماية الاقتصاد من آثار فيروس كورونا.
وتبع ذلك خفض عدد من الدول الخليجية نتيجة لربط عملتها بالدولار أو سلة عملات بينها الدولار.
وتطبق معدلات فائدة معتدلة إلى حد كبير. وتصدرت قطر أعلى أسعار فائدة في دول الخليج بـ2.5 في المائة، ثم الكويت والإمارات 1.5 في المائة، تليها السعودية والبحرين 1 في المائة، وأخيرا سلطنة عمان 0.5 في المائة.

الفائدة عربيا

تصدرت اليمن والسودان ولبنان أعلى معدلات الفائدة عربيا بـ27 في المائة، و17.1 في المائة و10 في المائة على التوالي، تليها مصر وتونس وموريتانيا بنسب 8.25 في المائة، و6.25 في المائة، و5 في المائة على الترتيب.
على الجانب الآخر، جاءت ثلاث دول خليجية أقل الدول العربية في معدلات الفائدة هي سلطنة عمان والسعودية والبحرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى