آخر الاخباراقرأ لهؤلاء

الحكومات المصرية والسقوط في فخ الديون: من عصر الخديوي إسماعيل إلى العصر الحديث

لا يُذكر عصر الخديوي إسماعيل الذي حكم مصر من عام 1863 إلى 1879، إلا مقرونًا بالمشروعات الكبرى ومظاهر العظمة والبذخ من جهة، وبكارثة الديون التي لجمت الدولة وأفقدتها استقلالها وفتحت الباب لاحتلالها من جهة أخرى. تعهد إسماعيل في بداية حكمه ببذل كل الجهد في اتباع قواعد النظام والاقتصاد، لكنه انتهى معزولًا مطرودًا بعدما أوقع مصر في فخ الديون.

القاهرة
القاهرة

بداية الأزمة

في خطبة العرش التي ألقاها في 18 يناير/كانون الثاني 1863، تعهد إسماعيل ببذل كل الجهد في اتباع قواعد النظام والاقتصاد. ومع ذلك، انتهى به الحال بعد 16 عامًا في الحكم معزولًا بعدما وقع وأوقع مصر في فخ الديون. في نهاية يونيو/حزيران عام 1879، صدر فرمان السلطان العثماني عبد الحميد بعزل إسماعيل الذي تسبب في تدهور أحوال مصر الداخلية والخارجية، وتم تكليف محمد توفيق باشا بتولي المنصب خلفًا لوالده.

الإسراف والبذخ

لم يُنكر المؤرخون ما حققه إسماعيل من إنجازات كبرى، لكنهم اتفقوا أيضًا على أنّه كان يتفنن في ضروب الإسراف والبذخ. كلفت رحلاته المتكررة إلى الأستانة والعواصم الأوروبية، بالإضافة إلى بناء قصور الحكم وتحديث القاهرة، الملايين. ولأن مصر لم تكن تملك كل تلك الأموال، لجأ إسماعيل إلى الاستدانة لتحقيق رغباته. وصلت ديون البلاد بعد 13 عامًا من حكمه إلى 91 مليون جنيه إنجليزي، وهو مبلغ طائل بحسابات ذلك الزمان.

التدخل الأجنبي

عندما تعثر إسماعيل في سداد أقساط الديون، لجأ إلى الضرائب، ولما لم تفلح، اضطر إلى الاستدانة مجددًا، فتدافعت البنوك على إقراضه بفوائد باهظة، مما أثقل البلاد بديون جديدة. اضطر الخديوي إلى بيع أسهم قناة السويس بمقابل بخس. نتيجة لإفلاس مصر، تدخلت الدول الدائنة التي أسّست “صندوق الدين” في شؤونها، وعيّنت مراقبين ماليين أحدهما إنجليزي والآخر فرنسي، لمراقبة إيرادات ومصروفات البلاد والعمل على سداد أقساط الديون في موعدها، مما أدى إلى طلب الدائنين فرض الوصاية المالية على مصر.

الثورة والمطالب الشعبية

استشعرت طوائف الشعب المصري بالخطر الذي يحيق بالبلاد نتيجة تحكم المراقبين الماليين الأوروبيين في مصائرهم، فدعوا إلى اكتتاب عام لسداد قسط الدين الذي تعثرت الدولة في سداده. تم تحصيل المبلغ وسداده، لكن أعيان الشعب الذين تدخلوا لإنقاذ البلاد طلبوا من إسماعيل أن يتعهد بإقامة حياة نيابية كاملة والعمل على سداد الديون والوقوف أمام التدخل الأجنبي. رفض إسماعيل إنذار القنصلين البريطاني والفرنسي، وقرر الانحياز للمطالب الشعبية، لكن الضغوط الدولية أجبرت السلطان عبد الحميد على عزله وتنصيب توفيق خلفًا له، مما أدى إلى وقوع مصر تحت الاحتلال الإنجليزي لنحو 70 عامًا.

المقارنة بعصر السادات

في كتابه “قصة الاقتصاد المصري”، قارن أستاذ الاقتصاد الراحل جلال أمين بين ما جرى في عصرَي إسماعيل والرئيس أنور السادات. ارتفعت الديون في عهد السادات من 1.7 مليار دولار سنة 1970 إلى 14.3 مليار دولار عام 1981. أغرق إسماعيل البلاد في مستنقع الدين، وانتهى الأمر بعزله واحتلال بريطانيا لمصر. مضى السادات في مسار مشابه، لينتهي الأمر باغتياله ووقوع البلاد تحت الهيمنة الأمريكية.

غياب الإرادة

يخلص أمين في كتابه إلى أنّ آثار توسّع مصر في الاستدانة من الخارج، سواء في عهد إسماعيل أو السادات وغيرهما، لم تقتصر على زيادة الأعباء المالية فقط، بل ساهمت في تدخلات أجنبية واسعة في سياسات مصر. فترات النهضة الحقيقية للاقتصاد المصري كانت هي الفترات التي تتمتع فيها مصر بدرجة معقولة من استقلال الإرادة. للأسف، لم تتعلم أي سلطة لاحقة من تلك التجارب، ليس لجهلها بما جرى، بل لغياب الإرادة واعتماد الحكام على أهل الثقة وتجنيب أهل الخبرة والتخصص، فضلًا عن عدم ثقتهم في قدرة البلاد على الخروج من دائرة التبعية التي فرضها الغرب علينا.

زر الذهاب إلى الأعلى