د. منجى على بدر يكتب : الأموال الساخنة وتأثيرها على الاقتصاد المصري
بوابة الاقتصاد
تمثل الأموال الساخنة صورة من الاستثمارات غير المباشرة، لشراء أذون وسندات تخص الديون الحكومية سعيا وراء سعر فائدةأعلى لتستفيد من فرق سعر الفائدة ، وعادة ما تتسم بسرعة الدخول والخروج من الأسواق مثل سوق الأسهم والسندات التي لا تشترط مدد زمنية لعمليات البيع والشراء، وقد تتسع الدائرة لتشمل وجود الأموال الساخنة في مجال المضاربات التي تتسم بالسرعة مثل الذهب أو النقد الأجنبي، أو بورصات السلع.
ونعرض للتطور التاريخى لحركة الأموال الساخنة لمصر :
- شهدت مصر تدفقات كبيرة من الأموال الساخنة خلال العقود الماضية، خاصةً بعد تحرير سعر الصرف عام 2003 وجذبت مصر هذه الاستثمارات قصيرة الأجل بسبب ارتفاع معدلات الفائدة، واستقرارها السياسي النسبي.
- في عام 2011، أدت ثورات الربيع العربي إلى هروب الأموال الساخنة من مصر، مما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري وزيادة الضغوط على احتياطيات العملات الأجنبية.
- عادت الأموال الساخنة إلى التدفق إلى مصر في عام 2014، مدفوعةً بانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووعود الإصلاح الاقتصادي واستمرت تدفقاتها في الارتفاع حتى عام 2016
- في عام 2019، اتخذت الحكومة المصرية خطوات لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، مما أدى إلى انخفاض الاعتماد على الأموال الساخنة.
- في عام 2020، أدت جائحة COVID-19 إلى هروب الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة، بما في ذلك مصر، وأيضا في عام 2022، خرجت الأموال الساخنة من مصر فى مدة زمنية قصيرة مدفوعةً بارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، والحرب في أوكرانيا.
- في عام 2024، عادت الأموال الساخنة الى التدفق لمصر، مدفوعةً بارتفاع أسعار الفائدة وخفض سعر صرف الجنيه المصرى.
مدى استفادة مصر من الأموال الساخنة:
- يمكن أن تساعد الأموال الساخنة في تمويل عجز الحساب الجاري، وتعزيز احتياطيات العملات الأجنبية ودعم الجنيه المصري ، ومع ذلك فإن الأموال الساخنة متقلبة، وقد تغادر بسرعة إذا تغيرت الظروف الاقتصادية ، ومن المهم لمصر أن تجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي يكون أكثر استقرارًا على المدى الطويل.
- يجب على مصر اتخاذ خطوات لتنويع اقتصادها، وتقليل اعتمادها على الاستثمارات قصيرة الأجل.
- تعتبر الأموال الساخنة سلاحًا ذو حدين، يمكن أن يكون لها فوائد ومخاطر على الاقتصاد المصري.
- من المهم للحكومة المصرية أن تدير هذه التدفقات بعناية، وأن تضمن استخدامها لتعزيز النمو الاقتصادي المستدام.
ولمزيد من الايضاح لهذا الأمر خاصة عام 2024 ، فقد رفعت مصر فى مارس 2024أسعار الفائدةوتم تخفيض قيمة الجنيه بعد صفقة رأس الحكمة التى تمت فى فبراير 2024 ، وعادت الأموال الساخنة لمصر بما يزيد على 30 مليار دولار في أقل من شهر. وتعد مصر ثالث أعلى عائد على أذون الخزانة والسندات بالعملة المحلية من بين 23 دولة نامية ، مع ملاحظة أنه يمكن الاعتماد على الأموال الساخنة في تمويل التنمية أو تحقيق معدلات نمو مرتفعة أو حتى في مجال تشجيع الاستثمار المباشر، لكنها تظل بدرجة أو بأخرى مؤشرا يعكس بعض الإيجابية عن الاقتصاد المصري ، ويمكن أن تصل أرصدة استثمارات الأجانب في أذون الخزانة إلى مستوى يزيد على 50 مليار دولار مع نهاية عام 2024 .
هذا Top of FormBottom of Formولا تمثل الأموال الساخنة استثمارا حقيقيا، ولا تتجه للإنتاج الحقيقي، ومصر كدولة نامية يجب أن تجذب استثمارات مباشرةتتسم بالاستقرار، وتعمل على زيادة فرص العمل والصادراتوتستقدم تكنولوجيا جديدةتساهم في عملية ضخ نقد أجنبي من الخارج في شرايين الاقتصاد القومي.
وعلى الجانب لاآخر ، فان الأموال الساخنة قد لاتغادر في ظل سعر الصرف الحالي للجنيه أمام الدولاروقد تنتظر لحين ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار حتى تتمكن من تحقيق أرباح وهو ماحدث عام 2022، فمثلا اذا انخفض الدولار إلى 41 جنيهمستقبلا ، سوف يحصل المستثمرون على فارق سعر الدولار بعد الخروج، حيث إنهم قاموا ببيع الدولار مقابل 49 جنيها لشراء أذون وسندات الخزانة ، وعند الخروج يشترون الدولار مقابل 41 جنيه، مما يعني تحقيق ربح بنحو 8 جنيهات لكل دولار بسبب تحسن سعر صرف الجنيه أمام الدولار اضافة لمكاسب أخرى من العائد على الاستثمار والمتمثل فى سعر الفائدة الذى تجاوز ال 27%
واستفادة من دروس التاريخ وتراكم الخبرات ، فإن مصر لا يمكنها التحوط من الخروج السريع للأموال الساخنة لأن معظم اقتصادات االعالم ترحب بهذه الأموال ، ولكن تحقيق مصر لدرجة من الاستقرار الاقتصادى بحيث تكون مصر جاذبة للاستثمارات قصيرة وطويلة الأجل بسياسات مالية ونقدية شبه مستقرة وبالتالى قد لاتفكر الاموال الساخنة فى الخروج من مصر بطريقة مشابهه لما حدث عام 2022 .
==
الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر
المفكر الاقتصادى وعضو مجلس ادارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة
القاهرة 24 يونيو 2024