آخر الاخباراقرأ لهؤلاء

علاء المنشاوي يكتب: انخفاض الجنيه المصري.. أين الحقيقة؟

بوابة الاقتصاد

أثارت التقارير التي نشرتها مؤسسات دولية عن حركة الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين المصرية لغطا حول الجنيه المصري، والتوجهات المرتقبة من قبل صانعي السياسة النقدية في مصر.

هذه التقارير جاءت رغم ثبات سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار، وسط تداعيات حرب أوكرانيا التي تلقي بظلالها على كافة الاقتصادات العالمية ولا سيما اقتصادات الأسواق الناشئة ومن بينها مصر.

لشرح الصورة بشكل مبسط فإن المشكلة تكمن في تداعيات حرب أوكرانيا التي رفعت مخاطر الاستثمارات في كل دول العالم، حيث قفزت أسعار النفط فوق 130 دولارا لأول مرة منذ 2008، وتعطل تدفق المواد الخام والحبوب من كل من روسيا وأوكرانيا، وتأثرت صادرات الاتحاد الأوروبي، وارتفعت مخاطر الاستثمار خاصة في الأسواق الناشئة.

وفي سياق حرب أوكرانيا تفاقمت أوضاع الاقتصاد الروسي سلبا مع توالي العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي وأمريكا، والتي كان آخرها حظر واردات الولايات المتحدة من النفط الروسي وسط توقعات بتخلف وشيك في موسكو عن سداد الديون السيادية للمرة الأولى منذ 1998.

كل هذه الاضطرابات المرتبطة بالحرب ليس لها علاقة بأساسيات الأسواق مثل العرض والطلب، ضغطت على الأسواق الناشئة ومن بينها مصر.

ورغم هذه الضغوطات إلا أنه يجري التهويل من تأثيرها السلبي بما لا يتفق مع الواقع الذي تعيشه الدولة المصرية أو الاقتصاد المصري، فمصر اليوم ليست كما كانت في 2016 أو في 2004.

واصل احتياطي مصر من النقد الأجنبي في يناير 2022، ارتفاعه للشهر الـ 20 على التوالي ليقترب من 41 مليار دولار، وهو أعلى مستوى وصل إليه في الـ 22 شهرًا الماضية، وهو عامل قوة يمكن البنك المركزي من إدارة السياسة النقدية بشكل يحقق أهدافه بدقة وسهولة، ومن بينها السيطرة على المضاربات التي قد تحدث على الجنيه، فهو قادر على إلحاق الخسائر بالتجار والمضاربين بما لديه من قوة وأدوات.

اتخذ البنك المركزي المصري بالفعل عددا من القرارات مؤخرا تؤكد الدراية التامة والفهم الدقيق للوضع الحالي وأنه مستعد للتدخل الفوري والتعامل مع أي مستجدات، والتي كان من بينها قرار وقف التعامل بمستندات التحصيل في عمليات الاستيراد، إضافة إلى إجراءات أخرى.

وبينما يتخذ المركزي المصري هذه الإجراءات يصر البعض على أن ينظر إلى نصف الكوب الفارغ، وما تتعرض له الأسواق الناشئة من سحب بعض الأموال، متناسين طبيعة الظروف الحالية التي يمر بها العالم كله، وليس مصر وحدها.

تراجع الاستثمارات وحالة الخوف من المخاطرة شملت مستثمرين وصناديق في أمريكا، حيث تم سحب أموال من صناديق الأسهم عالية المخاطر في الأسبوع المنتهي في 23 فبراير، في ظل الاندفاع نحو الأسواق التي يهيمن عليها الأمان، وشهدت صناديق الأسهم الأمريكية الموجهة للنمو عمليات بيع صافية بلغت 2.61 مليار دولار ، وهي الأكبر في ثلاثة أسابيع.

سريلانكا، لديها ما يقرب من 7 مليارات دولار من مدفوعات الفوائد والديون المستحقة هذا العام، مع أقل من 3 مليارات دولار من الاحتياطيات الأجنبية، وسعت إلى الحصول على إعفاء من الدائنين مثل الهند والصين، ويرى العديد من حاملي السندات الآن أن التخلف عن السداد أمر لا مفر منه.

وخفضت مؤخرا وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، تصنيف تركيا السيادي. كما أن المستثمرين قلقون بشكل خاص بشأن بلدان مثل غانا والسلفادور وتونس، وأوكرانيا، والعديد من هذه الدول أقل قدرة على تحمل الصدمات التي يمكن أن تضربهم هذا العام. كما تعثرت 6 دول بالفعل خلال فترة الوباء، من بينها الأرجنتين، الإكوادور، بيليز، لبنان ، سورينام، وزامبيا.

كما أصدرت فيتش 45 عملية تخفيض تصنيف سيادي قياسية تؤثر على 27 من 80 سوقًا ناشئة تستعد لها التصنيفات، بما في ذلك المكسيك وجنوب إفريقيا.

وسط هذه الضبابية في الأسواق الناشئة، تعتبر مصر بعيدة عن هذه الصورة القاتمة التي يصر البعض على أن يقحمها بين هذه الدول، وحتى إن كانت هناك تحديات إلا أنها تبقي في إطارها وحجمها الطبيعي قياسا على ما لدى البنك المركزي من أدوات وقدرة على رسم السياسة النقدية بالشكل الذي يمر باقتصاد مصر بسلام وسط هذه الأمواج المتلاطمة.

وإن كان البعض يتحدث عن تخفيض محتمل لقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار والعملات الأخرى، فإنهم يسوقونها في الاتجاه الخاطئ، فاليورو انخفض بأكثر من 15%، مقابل العملات الأخرى ووصل إلى أقل من 1.10 دولار، وهو أقل مستوى له منذ مايو 2020، ومن بداية فبراير 2022، حتى بداية مارس الجاري ارتفع الجنيه المصري أمام عدد من العملات ومنها اليورو، الذي انخفض 5٪؜، من 18.07 إلى 17.18 مقابل الجنيه، وانخفض الجنيه الإسترليني مقابل الجنيه المصري من 21.42 إلى 20.66، ولم نسمع صوت أحد يتحدث عن هذا الانخفاض.

كما تشهد مصر نموا اقتصاديا قويا، من المتوقع أن لا يقل عن 6% خلال العام المالي الجاري 2022/2021، ارتفاعا من 3.3% في العام المالي الماضي، بحسب وزير المالية الدكتور محمد معيط في مؤتمر صحفي الأربعاء 9 مارس 2022.

رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، قال أيضا في نفس المؤتمر إن الاقتصاد نما بنسبة 8.3% في الربع الثاني من العام المالي الجاري 2021-2022 وبنسبة 9% في النصف الأول، وهي أرقام تمثل حائط صد وتعكس متانة وقوة الاقتصاد.

وحققت السندات المصرية بالعملة المحلية ثاني أفضل أداء عالميا خلال 2021، بعوائد بلغت 13%، وفقا لبيانات بلومبرغ. فيما شهدت العوائد على ديون الأسواق الناشئة ككل متوسط خسارة بلغ 1.2%.

كل هذه المعطيات تؤشر إلى أن مصر اليوم ليست كما كانت في السابق، فالاحتياطيات الأجنبية قوية، والبنك المركزي يمتلك من الأدوات ما تجعله قادر على السيطرة على زمام الأمور، وحتى في حال ارتأى صناع القرار تحريك سعر الصرف فإن هذا ليس مؤشر ضعف، وإنما من مقتضيات الواقع الذي فرضته أوضاع الاقتصاد العالمي بعد حرب أوكرانيا. نقلا عن العربية نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى